مخرجون يهوون التمثيل.. بعضهم ضيف شرف وآخرون يختارون البطولة

خالد يوسف: شاركت بسبب مرض يوسف شاهين * محمد أبوسيف: من تم ترشيحهم لم يعجبوني * سمير سيف: هذا الظهور نوع من الدعابة * محمد خان: كل ممثل يريد أن يكون مخرجا والعكس * مجدي أحمد علي: المخرج أحيانا يريد ممثلا غير تقليدي* خيري بشارة: أنا ممثل غير موهوب

TT

كثيرون توقفوا عند لقطة للمخرج يوسف شاهين يصرخ في أحد مساعديه «يمين إيه ح تخش في الحيط»، لقطة واحدة في فيلم «حدوتة مصرية» علق فيها شاهين على استفسار من مساعديه عن توجيه الكاميرا، رآها كثيرون بمثابة تفسير شديد الاختصار لمواقفه الفنية وغير الفنية.

لشاهين مبرره الخاص في الظهور في أحد مشاهد أفلامه، لانه يؤمن بضرورة ظهوره الشخصي في هذا المشهد للتعبير عن رأيه أو وجهة نظره، لكنه ظهر في أفلام أخرى في مشاهد طويلة ومنها أداؤه الرائع لشخصية «قناوي» في «باب الحديد» ومشاهده القصيرة في «اسماعيل ياسين في الطيران» اخراج فطين عبدالوهاب، وعباراته الشهيرة لاسماعيل «هايل ياسمعة.. كمان مرة.. عايز ضرب واقعي» والتي تحولت الى أحد إفيهات السينما التاريخية، كما قام شاهين بالتمثيل في أفلام أخرى من اخراجه مثل فيلم «فجر يوم جديد» و«اليوم السادس» و«اسكندرية كمان وكمان».

ظهور شاهين في أفلامه أو أفلام غيره نموذج لحنين واضح لدى عدد كبير من المخرجين للجمع بين موقعين خلف الكاميرا وأمامها، وهي ظاهرة تكررت مع العشرات على مدى تاريخ السينما المصرية سواء كضيوف شرف تحية لزملائهم واستجابة لفكرة ألحت على خيالهم، كما فعل الراحل عاطف سالم في معظم أفلامه، مجرد شخص يمر أمام الكاميرا، أو بطولة مطلقة.

من المخرجين الذين قاموا بالتمثيل في أفلامهم فقط الراحل احمد سالم أشهرها «الماضي المجهول» مع ليلى مراد والذي قدم خلال مسيرته الفنية بين عامي 1939 و1950 سبعة أفلام مثل فيها جميعا وهي «اجنحة الصحراء» و«رجل المستقبل» و«ابن عنتر» و«حياة حائرة» و«المستقبل المجهول» و«دموع الفرح».

ومن المخرجين الذين مثلوا في أفلامهم المخرج نادر جلال الذي ظهر في دور قصير في فيلم «مهمة في تل أبيب» مع نادية الجندي وشاركه الظهور في دور قصير بنفس الفيلم السيناريست والمخرج بشير الديك، كما ظهر المخرج على عبد الخالق في دور قصير في فيلم «الكافير»، ولعب خالد يوسف دور المخرج في فيلمه «زواج بقرار جمهوري» ونفس الحال مع المخرج سعيد حامد الذي ظهر في اغلب أفلامه كشخص يمر من أمام البطل كما في أفلام «صعيدي في الجامعة الاميركية» و«همام في امستردام» وقبلهما «الحب في الثلاجة»، سعيد يرى في ظهوره في أفلامه بمثابة تأريخ لنفسه وربما كان نفس السبب وراء ظهور المخرج الشاب احمد عاطف في فيلمه «عمر 2000» في دور مخرج.

ولعب المخرج محمود ذوالفقار بطولة فيلم «قمر 14» اخراج نيازي مصطفى أمام كاميليا ودور الزوج في فيلم «الست الناظرة» اخراج احمد ضياء الدين أمام الفنانة زهرة العلا وسعاد حسني، كما شارك بالتمثيل في أفلامه ومن أشهرها «فتاة من فلسطين»، وظهر المخرج حسن الامام كضيف في عدد من افلامه لكنه لعب دور البطولة في فيلم «مدافن مفروشة للإيجار» أمام محمود ياسين ونجلاء فتحي واخراج علي عبدالخالق مجسدا شخصية صاحب عمارة انتهازي في إطار كوميدي، ولعبت دور زوجته الراحلة نعيمة الصغير، وخاضت المخرجة ايناس الدغيدي نفس التجربة كضيفة شرف في فيلم «امرأة واحدة لا تكفي» لتظهر في آخر مشاهد الفيلم بجوار احمد زكي على كرسي الطائرة كما قدمت دورا صغيرا في «أفواه وأرانب» لهنري بركات كخطيبة محمود ياسين، ولم يظهر المخرج نور الدمرداش في أربعة أفلام اخرجها ولكنه شارك بالتمثيل في عدد من الأفلام أشهرها «ورد الغرام» مع ليلى مراد ومحمد فوزي و«صغيرة على الحب» مع رشدي اباظة وسعاد حسني، وكان آخر أفلامه «المولد» مع عادل امام. ونفس الحال للمخرج جلال الشرقاوي الذي قدم للسينما ثلاثة أفلام لكنه قام بالتمثيل مع الآخرين فقط في افلام «خلي بالك من عقلك» مع عادل امام واخراج محمد عبدالعزيز و«البدرون» لعاطف الطيب و«أمهات في المنفى» لمحمد راضي.

وتبدو الظاهرة راسخة لدى مخرجي السينما الجادة فالمخرج محمد خان ظهر في «العوامة 70» لخيري بشارة و«واحدة بواحدة» لنادر جلال، والمخرج توفيق صالح ظهر بشخصيته الحقيقية في فيلم «اسكندرية كمان وكمان» لصديقه يوسف شاهين كما ظهر شريف عرفة كضيف شرف في فيلم «الحب في الثلاجة» أول افلام سعيد حامد وفي دور قصير بفيلمه «اضحك الصورة تطلع حلوة» ولعب المخرج مجدي احمد علي ادوارا قصيرة في «عودة مواطن» لمحمد خان و«حرب الفراولة» لخيري بشارة و«حكايات الغريب» لانعام محمد علي، وكذلك المخرج سمير سيف ظهر في أول مشاهد فيلمه الأخير «معالي الوزير» كما ظهر في افلام «غريب في بيتي» و«قبل الوداع».

ومن أكثر المشاركين بالتمثيل في أعمال اصدقائه المخرج خيري بشارة فنجده الثري المنشي في «الصعاليك» لداود عبد السيد مع نور الشريف ومحمود عبد العزيز والقاضي في «سمع هس» لشريف عرفة وجار احمد زكي في «زوجة رجل مهم» لمحمد خان وتاجر العملة في «أحلام هند وكاميليا» مع خان أيضا.

وهناك عدد من المخرجين جمعوا دائما بين التمثيل والاخراج مثل انور وجدي وحسين صدقي ومحمود اسماعيل ويوسف وهبي، لكن ما الذي يدفع هؤلاء المخرجين للظهور أمام الكاميرا! خالد يوسف يوضح تجربته قائلا: ظهرت في «جواز بقرار جمهوري» انقاذا للموقف فالمفروض ان الذي كان يقدمه هو المخرج الكبير يوسف شاهين وبعد موافقته وقبل التصوير بيومين فقط كانت حالته الصحية لا تسمح بأداء الدور فحليت محله. ويضيف خالد: عامة المسألة ليست لها قواعد فأحيانا تكون رغبة من المخرج أن يضع لنفسه أرشيفاً فيقدم دوراً في فيلم أو مجرد مزاح فيمشي في الكادر مثل أي كومبارس أو انقاذا لموقف وذلك يتم في حدود ضيقة، ويرى خالد ان المخرج الذي لا يفهم في التمثيل لا يستطيع تحريك ممثليه.

ومثل خالد ظهر المخرج محمد ابوسيف في فيلمه «أولى ثانوي» انقاذا للموقف لانه لم يجد من يلعب الدور، ويقول من تم ترشيحهم لم يعجبوني فقررت أن أقوم بالدور ولا أنوي تكرار هذا مرة أخرى، ورغم ان ظهور المخرجين في الافلام موجود في السينما العالمية أيضا مثل ظهور هيتشكوك ومالكوفيتش إلا انني اعتبرها ظاهرة لأنها في الغالب تكون نوعا من الدعابة.

وظهر سمير سيف في أول مشاهد فيلم «معالي الوزير» انقاذا للموقف أيضا ويقول لم أجد الشخص الذي يقوم بالمشهد وكان التصوير الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وكل مساعدي الاخراج ظهروا في مشاهد أخرى وقاموا بعمل مؤامرة حتى أقوم بعمل المشهد، وفي فيلم «غريب في بيتي» كنت أقف على الكاميرا ومدير التصوير محسن نصر من دون أن أدري قام بتصويري ووجدت ذلك شيئاً لطيفاً فوضعته بالفيلم كما ظهرت في فيلم «قبل الوداع» للمخرج حسين الوكيل مع حسين فهمي ويسرا وكنت أجسد دور مخرج، والذي ابتدع هذه المسألة هيتشكوك ورغم انه من أكبر مخرجي السينما إلا انه رجل استعراض من الدرجة الأولى ويعرف كيف يسوق صورته بشكل ذكي جدا وابتكر هذه الحكاية كنوع من الدعابة المصاحبة للفيلم، فهذه المسألة نوع من المزاحات بين صناع السينما وليس لها قيمة فنية وان كان لها قيمة تاريخية للمخرج نفسه.

المخرج محمد خان ظهر في فيلم «العوامة 70» لخيري بشارة لانه صديقه ولم يجد ما يمنع أن يظهر فيه، والطريف ان ظهور خان في فيلم «واحدة بواحدة» مع نادر جلال كمخرج اعلانات ومعه خيري كمصور جاء عن طريق الصدفة، فنادر كما يقول خان كان يحتاج كومبارس يعملون مجانا فظهرنا معه، وعن ظهور المخرجين المتكرر في الافلام يقول محمد خان ضاحكا «كل ممثل نفسه يكون مخرجا وكل مخرج نفسه يكون ممثلاً حتى يكسب فلوس كثيرة ولو كانت هناك مواهب تمثيلية دفينة لدى المخرجين فيمكنهم اخراجها من خلال الممثلين الذين يعملون معهم».

وأحيانا ما يجد المخرج مجدي احمد علي صعوبة في اختيار الممثلين لادوار صغيرة التي ليس لها نظام محدد لعمل الترشيحات واجراء صلاحيات للدور، وهي أزمة موجودة في مصر والمخرج غالبا يرفض الممثلين النمطيين ويرى مجدي ان الادوار الصغيرة بالنسبة لأي مخرج محترم تعادل الأدوار الكبيرة والمخرج أحيانا يريد ممثلا غير تقليدي فيستعين بأصدقائه الذين يتصادف وجودهم وهو ما حدث معي في «حرب الفراولة» مع خيري بشارة و«عودة مواطن» مع محمد خان وفي «حكايات الغريب» كنت مساعد مخرج.

المسألة بالنسبة لخيري بشارة تعويض عن حلم لم يتحقق ويقول المن زمان كنت أريد أن أصبح ممثلا قبل أن أدرس الاخراج لكن بمرور الزمن ادركت انني ممثل غير موهوب فاكتفيت بالتمثيل في حدود ضيقة لانني لا أعترف بنفسي كممثل، ويظل التمثيل من ضمن الاشياء التي أحبها وأعرف حدودي فيها لذلك أظهر في افلام اصدقائي في حاجات سريعة والغريب أنني لا أحب نفسي كممثل». وهكذا فالمسألة بالنسبة للمخرجين لا تتعدى وجهة نظر يريد المخرج التعبير عنها أو مصادفة تدفع به لأداء الدور أو المشهد.