جائزة سعودية للثقافة والإبداع لكن من القاهرة

عبد الله باشراحيل: لا نهدف شراء الوجاهة بالمال والبيروقراطية منعت إعلانها في مكة المكرمة

TT

أعلنت في القاهرة الاسبوع الماضي، جائزة الراحل الشيخ محمد بن صالح باشراحيل للثقافة والإبداع في حفل كبير وسط سفينة عائمة على النيل وهي أحدث جائزة عربية مخصصة لدعم الثقافة والإبداع في العالم العربي وتصل قيمتها لنحو مائة الف دولار.

وأعلن الجائزة الشاعر السعودي ورجل الاعمال الدكتور عبد الله باشراحيل، الذي تحمل الجائزة اسم والده الراحل، ممثلاً عن مجلس الامناء المكون من زوجة وأبناء الراحل. كما أحيا الشاعر امسية شعرية بالمناسبة.

وتنوعت اقسام الجائزة بين الشعر والنقد والفكر، واهتمت بتخصيص قسم للدراسات الانسانية والمستقبلية بالاضافة الى جائزة اخرى سنوية يقدمها مجلس الأمناء لواحدة من الشخصيات العالمية التي اسهمت في الحضارة الانسانية وقدمت اسهامات متميزة في سبيل الحوار والتعايش الانساني.

ومن المتوقع أن يتم اعلان النظام العام لهذه الجائزة والمؤسسة خلال الاسابيع القادمة.

وقد التقت «الشرق الأوسط» الشاعر السعودي الدكتور عبد الله باشراحيل واجرت معه اللقاء التالي:

* متى انطلقت جائزة المرحوم محمد صالح باشراحيل، وعلى أية أسس؟

ـ انطلقت قبل اكثر من عشر سنوات، بعد رحيل والدي بعد أن تفاعلت هذه الفكرة، كانت تتفاعل هذه الفكرة في نفسي وفي نفس إخوتي. وبالرغم من بساطة هذه الجائزة، كونها لا تفي بمكانة أدبائنا ومفكرينا ومثقفينا العرب، إلا انها جهد المقل، ونتمنى من الله ان تؤدي الدور الذي نهدف اليه وهو ازكاء روح الثقافة العربية والاسلامية، وان تكون إحدى الحوافز المشجعة كذلك لكثير من أصحاب رؤوس الاموال كي يبادروا للمساهمة في اثراء الفكر العربي والاسلامي.

* كيف ترون ظاهرة الجوائز والمؤسسات التي تقدم مثل هذه الجوائز؟

ـ هي ظاهرة ايجابية اذا احسن إخراجها بما يفيد الأمة ويعطيها القدرة على النهوض ومواكبة الاحداث والتطورات بل والحاجات الثقافية والفكرية في عالمنا العربي، لذلك فلا ضير من تعدد الجوائز وتنوعها وتعدد مساراتها لأنها في النهاية تسهم في اثراء حركة البحث والكتابة والتأليف والإبداع.

* هل حاولتم عبر هذه الجائزة ردم الفجوة بين المال والثقافة؟ وما معنى إقحام اصحاب المال في الجوائز الثقافية، هل جاء باعتبارك اديباً ورجل اعمال في ذات الوقت؟

ـ أنا احد الادباء المحسوبين على الثقافة العربية والاسلامية وأعتقد أن من أوجب الواجبات ان يساهم أثرياء الأمة في اقلّ القليل وهو تشجيع القنوات الفكرية والاتجاهات الثقافية التي تفتقد للعناية والاهتمام، كما أن المتمولين مسؤولون عن رعاية واحتضان الفكر والثقافة العربية حتى تنمو وتترعرع في محيطها الصحيح، يضاف لذلك المساهمة في طباعة إنتاجات الادباء والمساهمة في تعزيز مراكز الدراسات والابحاث ورفد مسيرتها. وكوني واحد من الادباء فإني ربما أكون أحد اقرب الناس الى همومهم وحاجاتهم، ولذلك فقد جاءت هذه الجائزة لتعبر عن مثل هذه المشاعر. أود أن اشير الى ان مسألة الفكر لأي أمة هي مسألة حياة أو موت، ولا وجود لأمة إذا افتقدت اعمدتها الفكرية.

* لكن هناك من يرى أن دخول رجال المال الى عالم الثقافة وتبنيهم لجوائز ادبية وثقافية ربما يفيد في سد ثغرة غياب الراعي الرسمي وهي وزارات الثقافة والدول؟

ـ هذا سؤال مهم، وقد وضعت يدك على الجرح الذي يجب أن نتنبه اليه، فالجهات الرسمية في الدول العربية تنتهج خطة ترمي الى تغييب المثقف، وهذه مع الاسف مسألة غير محسوبة، لأن غياب المثقف عن المساهمة في صياغة مستقبلها وحاضرها قد أضّر بالأمة كما أضر بالحياة السياسية التي تحتاج الى ان تُذكى دوماً بروح المثقف وروح العالم وروح المفكر وروح الأديب.

* لكن، ألا تلاحظ أيضاً ان بعض الجوائز الثقافية والادبية لقسم من رجال الاعمال أصبحت جزءا من تجميل الصورة، وديكوراً للاستعراض؟

ـ لا أظن أن جهة ما مهما أوتيت من المال والثروة تستطيع أن تشتري مكانتها عبر مثل هذه الجوائز، رجال الاعمال الغريبون عن الساحة الأدبية والفكرية لن تنفعهم الجوائز او تجمل صورتهم، فالجوائز ينبغي ان تنبع من إحساس بقيمة الثقافة والمثقفين في العالم العربي، أما مسألة المال والادب، فدعني اقول ان هناك تفريقا بين المال والأدب، لكنهما إذا اجتمعا فهما يشكلان محمدة كبيرة لتشجيع الفكر والثقافة والأدب.

* لاحظنا أيضاً أن أحد أقسام الجائزة تختص بدراسات لاستشراف المستقبل. كيف جاء هذا الباب؟

ـ هذا من اهم جوانب الجائزة وكان من أول الأهداف التي اقترحتها على مؤسسة الفكر العربي وتم العمل بها. وهذا القسم ينبغي ان يتلقى اهتماماً أكبر في مؤسساتنا العربية ومعاهد الدراسات وان يتم تخصيص الميزانيات المعتمدة من أجله، لأن الدراسات المستقبلية هي واحدة من أهم احتياجاتنا لرسم معالم طريقنا نحو المستقبل وتلمس احتياجاتنا.

* أنت شاعر سعودي وصاحب صالون أدبي معروف في مكة المكرمة، ولكنك اخترت القاهرة مكاناً لإعلان جائزتكم.. لمَ لمْ يتم الإعلان في مكة؟

ـ هذا سؤال وجيه. هذه الاحتفالية لم تظهر في القاهرة برغبتنا ابتداءً ولكنه موقف ملح فرضته طبيعة الظروف التي نعمل بها وطبيعة الإجراءات الادارية التي يتعين علينا وعلى المثقفين اتخاذها. على أية حال أنا تقدمت في السابق بطلب لرعاية الشباب لتخصيص جائزة احيي فيها ذكرى والدي الراحل وتوجه لخدمة الثقافة والأدب والعلوم ولكن هذا الطلب لم يحظَ بالرد والاستجابة.

أما مسألة اختيار القاهرة، فهي جاءت عبر استضافة منتدى المثقف العربي لحفل اطلاق هذه الجائزة، ومصر تضم نخبة من المفكرين والمثقفين العرب شأنها شأن لبنان والمغرب العربي والمملكة العربية السعودية والخليج.

* هل تفكرون بإنشاء مؤسسة لجائزة محمد صالح باشراحيل ، تكون ذات صفة اعتبارية وذات مخصصات محددة ومجلس ادارة وفريق عمل؟

ـ بالضبط هذا ما اعكف عليه حالياً، أي انشاء مؤسسة مستقلة حاضنة لأنشطة الجائزة ، لها مخصصاتها المالية، بل اننا نفكر في إنشاء مشروع وقف لدعم هذه الجائزة حتى نضمن بقاءها واستمرارية الأهداف التي أنشئت من أجلها.

* متى تتوقعون اعلان النظام الاساسي لهذه الجائزة، ودعوة الجمهور للمساهمة؟

ـ قريباً جداً . وستكون هناك إعلانات عبر الصحف العربية خلال فترة شهر

* اصدرتم عدداً من المجموعات الشعرية كان بينها مجموعة (قلائد الشمس) وهو رسالة الى مثقفي اميركا رداً على رسالة المثقفين الامريكيين الى زملائهم السعوديين .. كيف فكرتم بالرد شعرياً؟

ـ هي كانت مغامرة شعرية، وكانت نقطة تحول في اعمالي الشعرية لأنها قامت على المحاورة والجدلية المنطقية. في هذا الكتاب الشعري حاولت أن اناقش مع زملائي الامريكيين مسألة الديمقراطية وحق الشعوب في الاختيار، وضرورة ان تكون هذه المنطلقات خالية من الدوافع السياسية والاتجاهات المنحازة، أي أن لا توظف المفاهيم العادلة لصالح قضايا غير عادلة.

* ما هو صدى هذه الرسالة؟

ـ ترجم هذا العمل إلى اللغتين الانجليزية والفرنسية، وصدقني لم يثر أي عمل من أعمالي صدى كالذي أثاره هذا العمل. لقد عملنا على إيصال رسالتنا إلى المثقف الامريكي وعدد من الجهات والدوائر الثقافية في العالم، حتى ان السفير الامريكي طلب مني إجراء ندوة لحوار الحضارات للمساهمة في خلق أجواء ايجابية بين المثقفين، كما تلقيتُ خطاباً مؤيداً من الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان.

* هل ترون ان الشعر قادر على ان يؤسس لأرضية وتحاور بين الشعوب؟

ـ اعتقد ان الشعر بطبيعته وخصوصياته وعواطفه هو أفضل من يمثل النظرة الى الواقع العربي وخير سفير لاستكمال المساهمات الانسانية في جعل التفاهم بين البشر على النحو الصحيح.

* وسط سطوة العنف والدموية أنت تحاور الآخر شعراً.. هل هو شكل جديد من الرومانسية..؟

ـ ربما هي رومانسية الدول الكبرى، فهي مفروضة علينا لأننا لن نستطيع ان نعمل أي شيء وسط حالة الانغلاق الفكري الذي يطوقنا، علينا أن لا نخدع بأن هناك ديمقراطية عالمية سوف تسود العالم العربي. لسنا هملاً أو معدمين فلدينا موروثنا وثروتنا ومكانتنا في العالم.

* من يقرأ اشعارك لا يستطيع أن يجد لك لوناً أو نكهة خاصة، فهناك من ناحية المضمون والشكل تجاذبات متعددة .. من هو باشراحيل الشاعر؟

ـ هو جميع هذه الاطياف والنعوت التي ذكرتها، هو النفسية المتقلبة في اطوار الثقافة والتجديد والثابتة على مبادئها. انا اكتب القصيدة التي تسكنني وتتلبس فيّ. لا اختار الشكل ولا اختار الهيكل الذي اكتب فيه قصائدي.. فهي التي تفرض نفسها وتأتي بشكلها ولغتها واسلوبها.