المطرب العراقي المدفعي: معظم الملحنين العرب «حرامية»

قال ان غالبية الأغاني العربية اليوم أصولها تركية وهندية وسعدون جابر صار مطربا بسبب قلة الأصوات

TT

في نهاية الستينيات، اقدم الفنان إلهام المدفعي على احداث ثورة في عالم الاغنية العراقية وذلك عندما اعاد صياغة الاغاني التراثية بأسلوب موسيقي حديث معتمدا على موسيقى الجاز. ولقد تعرض المدفعي وقتذاك لهجوم ساخن من المتشددين للتراث الموسيقي العراقي وطالبوا بايقافه عند حده ومحاسبته، لكن المدفعي الذي شد اليه الشباب من المستمعين، مضى بتجربته التي لاقت فيما بعد انتشارا واستحسانا واسعين.

وسيدشن في العاصمة البريطانية لندن، حدثين فنيين يشكلان انطلاقة اضافية لمسيرته الفنية بعد احداث تحرير العراق، الحدث الاول انه سيحيي في التاسع عشر من يوليو (تموز) الحالي حفلا فنيا على قاعة (اليونيون شابل) الواقعة في انسلغتون، شرق لندن، يخصص ريعه لاطفال العراق، والثاني صدور ألبومه الجديد الذي انتجته شركة (فيرجن ـ اي ام آي)، والألبوم تحية لمدينته بغداد، حيث يحمل عنوان قصيدة (بغداد) للشاعر نزار قباني، التي لحنها واداها الهام في هذا الألبوم الذي يحمل غلافه صورة لبغداد في الثلاثينات من القرن الماضي.

«الشرق الاوسط» التقت الهام المدفعي في حديث عن تجربته الفنية وألبومه الجديد، خلال زيارته الى لندن في مشروع للتعاون مع فرقة (بي جيز) البريطانية، وهنا نص الحديث:

* ما الذي دفعك الى خوض مغامرة اعادة صياغة اغاني التراث العراقي، في وقت كان فيه عمالقة هذا الغناء امثال محمد القبانجي ويوسف عمر وغيرهما في ساحة الغناء، ألم تخشى ثورتهم ضدك؟

ـ التراث يعتبر جزءاً من حياتنا من حيث معاني الكلمات والموسيقى، وحتى الظروف التي تحيط كل اغنية، وعمر هذه الاغاني اكثر من سبعين سنة، ولانها وصلت الينا فهذا يعني ان هذه الاغاني تمتلك عناصر البقاء، وهي بالتالي ملك الجميع، اما ان نحصر هذا التراث الغني بمجموعة محددة فهذا خطأ كبير، اذا كنت امام منظر جميل واردت رسمه بالاسلوب والالوان التي تتناسب معي لا احد يستطيع ان يمنعني ويقول لا يجب ان تضع هذا اللون او ترسم الجبل هكذا، وقد يأتي رسام آخر ويرسمه باسلوبه، نفس الفكرة مع الاغاني التراثية، انا اعدت صياغتها الموسيقية والغنائية باسلوب متجدد يتناسب مع هذا العصر والجيل، نعم حدثت ضجة لكنني كنت قد تهيأت لما سيحدث مسبقا، والسجالات كانت تمتد حتى في بيتنا ومع افراد عائلتي، على اعتبار ان التراث لا يمكن التحرش به، لماذا؟

* وكيف استطعت المواصلة في ظل تلك الاجواء، خاصة وان الصحافة هاجمتك وقتذاك بعنف؟

ـ التراث الغنائي والموسيقي العراقي في دمي، انا ابن عائلة بغدادية عريقة، بل ان عائلتنا كانت قد ساهمت باحياء هذا التراث وعملت على استمراره، وكان في بيتنا باستمرار حفلات لعمالقة الغناء البغدادي والمقام العراقي، انا نظرت للموضوع من زاوية جمالية وعملت على استمرارية هذا التراث وانقاذه من جموده، ولناخذ مثلا اغنية (فوق النخل فوق) اول تسجيل حصلت عليه لهذه الاغنية كان بصوت نسيم مراد الذي هو عم الفنانة ليلى مراد، وهو يهودي عراقي من مواليد البصرة، وكان قد سجل الاغنية في منتصف الثلاثينات، ووقت ذاك لم يكن نسيم مراد يعرف ان اغنيته هذه ستتحول الى تراث، بل كان مجددا بها، وقد هزني صوت هذا المطرب، ثم جاء ناظم الغزالي وطور هذه الاغنية من حيث الصياغة الموسيقية والاداء وادخال الالات الموسيقية الغربية مثل البيانو والكونتر باز، وكنا قد غنينا،ناظم الغزالي وانا اغنية (فوق النخل فوق) معاً في حفلة بنادي الميناء في البصرة، وهكذا نلاحظ تطور وتجديد هذه الاغنية، وهي مثال ينطبق على بقية الاغاني التراثية، وجئت انا واعدت صياغتها مرة اخرى وقدمناها باسلوب حديث بحيث انها وصلت الى العالمية، انا لا ادعي العالمية او اي شيء، لا، انا اقول ان التراث هو الذي نقلنا الى العالمية، وان علينا ان ننشر هذا التراث بأسلوب موسيقي يتناسب مع ايقاع الحياة اليوم. وفي جميع انحاء العالم تجري باستمرار عمليات لاعادة صياغة اغان او موسيقى تراثية وتنظم لها المهرجانات، فلماذا الاعتراض على تجديد التراث الموسيقي العراقي.

* انت اول من جمع في فرقته الموسيقية الآلات الغربية والتراثية البغدادية، كيف استطعت ان تزاوج بينها؟

ـ الآلة الشرقية متميزة بنكهة الصوت، اليوم عندنا آلة الجوزة، والسنطور والقانون والناي، كلها آلات شرقية وتراثية، ان هذه الآلات الموسيقية بقيت مثلما هي تقنيا،لكن المهم من يعزف عليها، فالوتر اذا ضربته بقسوة يعطيك صوتا قاسيا، واذا ضربته بحنان وابداع فسوف يعطيك صوتا حنونا، الوتر هو اساس التقنية. في بداية انطلاقتي لم يكن للآلة الشرقية دور في الفرقة التي اسستها وقتذاك (13ونصف) كنا اربعة عازفين فقط، كيتارين وباز وايقاع، بعد ذلك فكرنا بان نتسع ونعمق موسيقانا فأضفت في السبعينات آلة القانون.

* كيف فكرت باعادة صياغة هذه الاغاني التراثية وفق موسيقى وايقاعات الجاز؟

ـ في يوم ما كنت اتحدث مع الموسيقار الكبير الاستاذ سعيد محمود حكمت، وهو عازف بيانو ممتاز، وهو قريب مني عائليا، عن الموسيقى وقال انه من الممكن تحويل موسيقى شوبان مثلا الى الجاز، فقلت اذا تحولت الموسيقى الكلاسيكية الى الجاز فما الذي يمنع تحويل التراث العراقي الى الجاز؟ واذا نحن ابقينا التراث الموسيقي العراقي والآلة الشرقية او البغدادية في موقعها فلم تنتشر هذه الاغاني وستبقى محصورة في اطار ضيق من المستمعين. واول معارضة جابهتها من البيت، من اخواني، وتساءلوا كيف لي ان امس بالتراث؟ وقلت لشقيقي الاكبر قحطان المدفعي وهو من المعماريين العراقيين البارزين، بل من اول المجددين في العمارة العراقية، انت جددت في التراث المعماري وجعلت من القوس العربي في العمارة شكلا معاصرا وسمي باسمك، فلماذا لا نجدد في التراث الموسيقي العراقي؟ علينا ان نفعل الشيء ذاته مع الاغنية العراقية.

بدأت ادرس هذا الموضوع قبل تنفيذه، وكنت دائما احول الاغنية التراثية الى اسلوبي المعاصر واسجلها ثم آخذها الى الفنان شعوبي وهو خبير كبير في التراث الغنائي العراقي فيستمع لها ويقدم النصح والمقترحات، حتى ان شعوبي اعترف بهذا التطوير، وقال لي «الهام المقام العراقي اشتهر معك وخاصة بين جيل الشباب» نحن لم ننقطع عن الاصل ونقول انتهى كل شيء، الاصل بقي مثلما هو،وانا ذكرت مثل اغنية فوق النخل فوق التي اعددتها بثلاث صيغ موسيقية حتى الان ويمكن ان يأتي فنان آخر ويعيد صياغتها بأسلوبه.

* لكن هناك من يتهمك بانك تعتاش على المقام العراقي او على الغناء التراثي العراقي؟

ـ التراث ملك للجميع ومن حقي ان أتاثر بهذه الاغنية او تلك اصوغها باسلوب موسيقي معاصر، انا افتخر اني اعدت صياغة التراث الموسيقي لانه كنز نفخر به، انا انتج وانشر التراث عربيا وعالميا.

* عندما بدأت مغامرتك اعتمدت على جيل الشباب، اليوم على من تعتمد؟

ـ على الشباب فقط، الشباب هم اصل ديناميكية الحياة، بالنسبة لي أؤدي واعيش الاغاني اليوم بذات الروحية التي كنت اعيشها عندما كان عمري عشرين سنة، يهمني ان اكون بذات الروحية.

* في اية مرحلة شعرت بنجاح مغامرتك؟

ـ انا اعتبر نفسي بأني ما زلت في بداية طريقي والنجاح هو لا يعني ان اغانيي اشتهرت عالميا وتعرض في غالبية تلفزيونات العالم، نجاحي هو ان يبقى التراث منتشرا ومسموعا، انا مهتم بهذا الموضوع، ان يسمع العالم آلة موسيقية تراثية مثل الجوزة تعزف مع اوركسترا موسيقية.

* هل غنيت من الحان غيرك؟

ـ لا، كل ما غنيته اما من الحاني او اعدت صياغته موسيقيا ولحنيا، وهذا لا يعني اني استصغر جهد الملحنين ولكن هناك سرقات في الموسيقى، واقول لك ان تسعين بالمائة من الملحنين العرب هم حرامية، الاغاني العربية تحفل بالموسيقى التركية والهندية، ونسمع من الملحنين وهم يتحدثون عن انفسهم وانجازاتهم وكلهم يسرقون من سوق الاغاني التركية الغزيرة بموسيقاها، ومن المعروف ان هناك فرقاً بين الملحن والموزع الذي يضيف هنا ويحذف هناك لتخرج الاغنية وكأنها ملحنة في طابع جديد لكن اصولها تبقى معروفة.

* لكنك غنيت بعض الحان الفنان عباس جميل؟

ـ عباس جميل لم يلحن لي اية اغنية لكنني غنيت بعض اغانيه الشائعة باعتبارها جزءاً من الصوت الموسيقي العراقي ،مثل (جيت يا اهل الهوى) و(يا ام عيون) وانا لم اقل ان هذه الحاني بل اعترف بانها من الحان عباس جميل، وانا لا امانع من ان يغني الآخرون اغنياتي لكن ليس ان تسجل باسمائهم.

* الا تعتقد ان شهرة الهام المدفعي عربيا جاءت متأخرة؟

ـ انت تعرف ان هناك اكثر من اربعين عاما من عمر العراقيين شبه ضائعة بسبب الاحداث التي مرت بالعراق ولا احد يستطيع ان يلومنا على هذه المسألة، حتى انتقالنا الى عمان وحصولنا على الجنسية الاردنية بدانا بالانتشار عربيا، عندما كنت احمل الجواز العراقي لم اكن استطيع السفر لغالبية الدول العربية والاوربية.

* انطلاقتك العربية من اين بدأت؟

ـ من لبنان، ومن برنامج لبنان الفين ومصطفى اسعد قدم الكثير من الدعم لنا وكذلك تلفزيون الـ(ال بي سي) الذي احتضننا ووقع عقد معنا،وتلفزيون المستقبل، كما ان انتشار القنوات الفضائية وتعددها وتنوعها ساهم في انتشارنا، واستطيع القول اننا انطلقنا في الوقت المناسب.

* لمن تستمع من المطربين العراقيين؟

ـ فاضل عواد، وحسين نعمة وياس خضر.

* وماذا عن سعدون جابر؟

ـ للأسف كنت قد شاهدته في برنامج تلفزيوني وهو ينتقد الشاعر كريم العراقي، علينا ان نعرف ان للعراقي دوراً كبيراً ومهماً في الاغنية العراقية، وهذا الشاعر هو من كتب لسعدون جابر ولحن كلماته الفنان الراحل بليغ حمدي، واقول ان سعدون جابر صار مطربا من قلة الاصوات التي كانت موجودة.

* وكاظم الساهر؟

ـ فنان ذكي وعرف كيف يؤسس اسلوبه في الاغنية العراقية والعربية وانا افتخر به كونه اليوم في مقدمة الغناء العربي، العراق يزخر بالاصوات والابداعات الموسيقية ويجب ان تكون عندنا اصوات رجالية ونسائية متنوعة ومنتشرة في جميع انحاء العالم العربي.

* وماذا عن الألبوم الجديد؟

ـ اعتقد ان ما انجزناه في هذا الألبوم الذي يحمل اسم (بغداد) مختلف عما موجود في الساحة الغنائية، يضم هذا الالبوم (13) اغنية، نوعت فيها ما بين الاغاني التراثية مثل: التفاح، محمد بويا محمد، ون يا قلب، ابو نونة، وموهية، ومن الاغاني الحديثة (بغداد) للشاعر الكبير نزار قباني، (كذاب) للشاعر مظفر النواب، و(شلونك) و(لا ليلة ولا يوم) للشاعر كريم العراقي، (معسل) للشاعر كاظم السعدي، (أنا بلياك) و(عيد يا محبوبتي) من كلماتي، واغنية (مغربية) وتعني وقت الغروب من كلمات لؤي عبد الصادق، والألبوم من انتاج وتوزيع شركة وتم التسجيل في استوديوهات (سنسبل) البريطانية، وستوديو الفنون، وستوديو (اكس تنشون) في الاردن، واعتمد كثيرا على المزج بين موسيقى الجاز والالات الشرقية مثل العود والجوزة والقانون والناي، وكل الاغاني الحديثة من الحاني وتوزيعي الموسيقي.

=