عراقيون يتحدثون عن تجربتهم مع عدي: محام يكشف ما حدث له بعدما أثار مع نجل صدام الأكبر قضية فتاة اختطفت ولاعبو كرة قدم يتذكرون كيف ضربوا

TT

لم يكن الملف الخفيف ليحتوي على أكثر من شهادة بورقتين مكتوبتين بخط اليد وصورة فوتوغرافية لقدم مشوهة. لكن الواقعة تنقل المدى العميق الذي بلغه فساد وانحراف عدي ابن صدام حسين البكر وتنقل أيضا مدى الشعور بالانفراج هنا لخبر مقتله جنبا إلى جنب أخيه الأصغر قصي بعد غارة قامت بها وحدة عسكرية أميركية على مخبئهما في الموصل.

فقبل سبع سنوات اختفت فتاة جميلة عمرها 17 سنة وأشيع آنذاك أنها موجودة داخل مجمع اللجنة الأولمبية العراقية التي يرأسها عدي. وبعد مضي 10 أيام اتصل والد تلك الفتاة بمحام للتحقيق في اختفاء ابنته. قام المحامي بتقديم نفسه إلى اللجنة الأولمبية ثم اقتيد أخيرا للقاء عدي. وحسب شهادة المحامي «كان عدي ينظر إلى الأوراق التي حملتها له ثم قال: أنا سأكسر كلا ساقيك بحيث لا تستطيع أن تعود ثانية لكنني أرى ساقك اليسرى مصابة أثناء الحرب مع إيران لذلك فأنا سأكسر ساقك اليمنى». قام أحد زبانية عدي آنذاك بإطلاق النار على ساق المحامي اليمنى، وتذكّر أنه رمي بالقرب من مستشفى. أما الفتاة فقد أرسِلت أخيرا إلى بيتها بعد ان اغتُصبت مرارا وطلِب من أسرتها عدم السفر. لكنها تمكنت من الهرب إلى بولندا حيث يعيش بعض أقاربها هناك. لكن بعد سنوات قليلة تمكن بعض القتلة العاملين لصالح عدي من أن يتعقبوا الفتاة فقاموا بقتلها مع والدها، حسبما قال المحامي. قال عدنان جبار السعدي اول من امس في منظمة حقوق الإنسان العراقية: «هذه ليست سوى عيِّنة واحدة»، وكان السعدي قد استمع إلى قصة المحامي قبل عدة أسابيع، وأضاف: «هتلر إنسان معتدل بالنسبة لعدي».

وحال انتشار خبر مقتل ابني صدام المخيفين عبر أرجاء العاصمة العراقية راح الناس من شتى المشارب يعبّرون عن شعورهم بالانفراج للتخلص من قبضة الخوف التي تمسك بأنفاسهم. ولم يعبِّر إلا قليل من سكان بغداد عن مشاعر أو آراء معادية قوية ضد قصي، 37 سنة، الذي ظل ينأى عن الأضواء بعكس أخيه عدي، في الوقت الذي كان يمتلك فيه سلطة أقوى بصفته المستشار الأقرب لصدام وبصفته مسؤولا عن عدة وحدات أمنية واستخباراتية. وأولئك هم الذين وصفوا قصي بكونه جزءا من الثالوث العائلي الذي يعتقدون أنه شل بغض النظر عما إذا ألقي القبض على صدام وحوكم أو قتل.

لكن العراقيين أكثر انفتاحا في التحدث عن الغضب المحكوم بروح النزوة لدى عدي الذي كان يتمتع بسلطة أقل من أخيه لكن كان وجها أكثر علانية من أخيه وأدت نوبات الغضب الجنوني التي كانت تنتابه إلى إلحاق الأذى بآلاف الناس خلال وجوده في مناصب عديدة لفترة طويلة. وهذا يتضمن أعضاء من نقابة الصحافيين ومدربين ولاعبين لكرة القدم في الفرق التي تقع تحت سلطته إضافة إلى نادلين كانوا يعملون في النوادي التي كان يتردد عليها. فجأة أصبح الجميع قادرين على التحدث بحرية عما لاقوه من إذلال وانتقام على يد عدي. فقد قال المعلم المتقاعد عبد خلدون، 56 سنة، مشيرا إلى إطلاق النار الاحتفالي بعد صدور أول التقارير عن مقتل عدي وقصي في التلفزيون ليلة الثلاثاء الماضي: «إنه مثل مهرجان. أنا أطلقت 30 رصاصة في الهواء من بندقيتي ليلة أمس. لم يبق هناك سوى إنسان شرير واحد وهو قد فقد تواً جناحيه».

وفي كل أرجاء المدينة راح الناس يرددون حكايات عن قسوة عدي، وبعضها قد يكون مشكوكا في صحته وبعضها لم يكونوا يتجرأون من قبل على سردها. وقال صاحب دكان إنه يعرف عائلة أخِذ أبناؤها من قبل عدي وقدِّموا طعاما لأسوده الموجودين في قصره الفخم. وقال بعض النادلين العاملين في النوادي الراقية إنهم كانوا ينكمشون هلعا كلما وصل عدي وهو في حالة سكر ومسلحا باحثا عن نساء يختطفهن. وقال محام إن عدي أمر بحلق رأس مذيعة تلفزيون جميلة ليتمكن من الاحتفاظ بجدائلها الطويلة ثم قام بإبقائها عارية في مبنى اللجنة الأولمبية لمدة شهر لأنها عارضت طلبه.

وكانت نقابة الصحافيين تشهد استعدادات اول من امس بغرض إجراء اول انتخابات لقيادتها منذ سنوات. وكان قد جرى اختيار عدي رئيسا للمجموعة عام 1991، ولم يجرؤ احد على منافسته بعد ذلك. وكان استاذ الصحافة الجامعي هاشم رشيد، المرشح لتولي رئاسة الاتحاد حاليا، قد توقف خلال الاجتماعات الخاصة بالانتخابات للتعليق على مقتل عدي قائلا: «قدم عدي وعدا بالسماح لنا بحرية الكتابة. صدقت ما قاله في هذه الشأن لكنني خدعت. أنا مسرور لمقتل عدي وقصي، إلا ان الاميركيين حرمونا من حق محاكمتهما امام محاكم عراقية، لذا يجب ان يكونوا حذرين في ما يتعلق بصدام، فنحن نريده حيا». جدير بالذكر ان رشيد كان قد سجن لفترة ثلاثة سنوات بسبب رفضه طلبا من عدي بأن يتولى رئاسة تحرير صحيفة جديدة كان بصدد إصدارها.

ثمة مشاعر ارتياح قوية وسط لاعبي كرة القدم العراقيين الذين كانوا يتعرضون للإهانة والضرب بصورة روتينية من قبل عدي الذي كان رئيسا للجنة الاولمبية العراقية واتحاد كرة القدم. وفي ملعب الكرخ، حيث كان المنتخب الوطني العراقي لكرة القدم يجري تدريباته مساء اول من امس، كان الفرح والحماس هما المزاج السائد وسط اللاعبين. إلا ان الجراح ما تزال عميقة في ما يبدو. فقد قال نجم خط الوسط علي وهيب، 29 عاما، انه تعرض مرة لضرب مبرح بتعليمات من عدي عقب خسارة الفريق لإحدى المباريات. ويقول على وهيب انه شعر بفرح غامر عندما سمع بنبأ مقتل عدي، وأضاف قائلا: «العراقيون ظلوا يعانون على مدى 35 عاما. نريد الانتقام.. كنت أريده ان يتعذب ببطء». وقال مدرب الفريق ان الولايات المتحدة قد خدمت الشعب العراقي فعلا بتخليص العراق من نظام صدام ونجليه. يجب ان تقدم الولايات المتحدة خدمة اخرى بتسليم العراق للعراقيين. ظننا ان اميركا ستخرجنا من غرفة مظلمة الى اخرى مضيئة، لكننا اخذنا الى غرفة رمادية اللون».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»