وزير الصحة العراقي: تخلصنا من سرطان صدام ونسعى إلى إزالة كل آثاره

الدكتور خضير عباس: وضعنا ضوابط لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية لمنع استيراد الأنواع الرديئة كما كان يحدث سابقا

TT

قال وزير الصحة العراقي الدكتور خضير عباس ان العراق تخلص من افتك انواع السرطان، وهو الذي يحمل اسم صدام حسين ونظامه، ولابد الان من ازالة كل اثار هذا السرطان وما نجم عن عملية استئصاله، والتخلص من بعض النتوءات والشوائب المتخلفة عنه، لكي يمكن ان يصبح الجسد العراقي معافى ومشافى.

واضاف في حديث لـ«الشرق الاوسط» ان «الفصل بين الصحة العامة للشعب وبين السياسة امر غير ممكن، اذ لا يعقل ان تكون هناك ديمقراطية في مجتمع مريض، كما لا يمكن بناء مجتمع صحي من دون ديمقراطية. وقد اثبتت كل وقائع السنوات الماضية ذلك، وخاصة في مجال تسييس عقود الدواء والمستلزمات الطبية. وهنا ايضا يجب تسييسها لمصلحة الشعب وليس لمصلحة الفرد او الفئة الحاكمة، وهذا الامر لا يمكن تطبيقه الا من خلال الرقابة العامة وعلى اسس ديمقراطية حقيقية».

ولما كان الحديث عن الصحة قد ابتدأ بالسياسة، وبالجذور السرطانية، قال وزير الصحة ان «ظاهرة الارهاب هي من الجذور المرضية التي خلفها نظام صدام حسين الذي اشتهر بقتل وابادة المدنيين، وهذا ما نلمسه بوضوح في العمليات الاخيرة التي اودت بحياة المئات من المواطنين العراقيين الابرياء، ومن رجال الشرطة العراقيين الذين هم الان اداة حفظ الامن للمواطنين». وجاء حديث وزير الصحة في اعقاب التفجيرات الاخيرة التي شهدتها بغداد، ومدن عراقية اخرى، لذلك فهو يرى ان «العمليات الانتحارية لا تحمل هوية عراقية، بل هي من صنع جهات خارجية ارتبطت مصالحها المرحلية ببقايا نظام صدام وبقايا فدائييه الذين يلقون دعماً من الخارج، وهم بدورهم يدعمون ويساندون عناصر من الخارج لتنفيذ مثل هذه العمليات. وهنا لابد من التوضيح بان هناك ترابطاً مصلحياً، بين بقايا عصابات النظام السابق، وبين بعض الجهات الدينية المتطرفة في الخارج. ولكن.. ضد من؟ ولمصلحة من؟».

واشار الدكتور خضير عباس الى ان هذه الجهات التي «لا تكترث بحياة وامن الناس العزل، ليس لها هدف سوى زعزعة الاستقرار، اما القول انها موجهة ضد الاحتلال، فذلك محظ كذب، لان الذي يريد ان ينقذ شعبه من الاحتلال لا يقتل ابناء شعبه او يقلق استقرارهم وامنهم. العكس هو الصحيح. كلنا نريد استعادة السيادة في اسرع وقت، ولكل ظرف اسلوبه في العمل من اجل تحقيق الهدف المنشود، اما اسلوب القتل العشوائي والتدمير، فذلك هو اسلوب صدام حسين ونظامه الدموي».

وقال الوزير خضير عباس: «الآن تغير اسلوبهم، وتغيرت خططهم، كما لاحظنا ذلك في الحكومة وفي مجلس الحكم، وتغيرت طريقة عملهم من التمركز في مناطق محددة الى الانتشار، بعد ان تم تضييق الخناق عليهم وعلى قياداتهم، لذا فهم يفتحون جبهات جديدة كما لاحظنا في البصرة مثلا، لكي يخففوا من الخناق الذي يطوقهم. وفي نفس هذا الاتجاه وضعوا الخطط لتنفيذ عمليات باقل عدد من الافراد وايقاع اكبر عدد من الضحايا من بين المواطنين، كما حدث في النجف ومقر الامم المتحدة والهجوم الاخير على فندق بغداد في وسط شارع السعدون وتفجير مركز الشرطة في حي جميلة. هذه العمليات هي لتسليط الضوء على مناطق اخرى، لعل ذلك يخفف من اختناقهم ويقلل من الضغط عليهم في مناطق وجودهم».

ويرى الوزير ان هناك «قواسم مشتركة بين مجموعات عدة، منها تصفية حسابات مع قوى معينة، مع اميركا بشكل خاص، وتم اختيار الارض العراقية لهذا الغرض لاعتقادهم بأنها اصبحت هشة. ولكن الذي يثير القلق اكثر من أي شيء اخر في الوقت الحاضر هو ان عمل هذه المجاميع اصبح يستهدف المدنيين الابرياء، كما يستهدف القطاعات التي تحمي الامن، والتي تسعى الى ان يكون الملف الامني في ايدي العراقيين الذي هم ادرى من غيرهم بكيفية معالجة وضبط الانفلات الحاصل».

ويرى وزير الصحة العراقي ان «كل ذلك مرتبط بالصحة، لأن نظام صدام حسين سبق ان عمل، وما زالت فلوله تعمل، على تدمير كل ما هو صحي، فهو مصدر خطر على كل مرافق الحياة كظاهرة مرضية ومصدر خطر على كل جزئية او ظاهرة تمت للحياة بصلة. وخطره وصل الى الاسماك والطيور وحقول البردى، فضلا عن الانسان. لقد جفف الاهوار واعتدى على البيئة وقتل كل مظاهر الحياة في سبيل ضرب المقاومة ضد نظامه الذي تعرض فيه الانسان الى اقسى درجات الظلم».

وقال الدكتور خضير: «كل تلك الاعمال كانت ضد البيئة وضد الصحة العامة، فبالاضافة الى انتشار الامراض وانعدام الرعاية الصحية، انتشر الموت الفجائي في العراق، وخاصة بامراض القلب والدماغ وما شابه، نتيجة الشدة والقهر، اصبح المواطن العراقي يموت ويموت ويموت بسبب صدام ونظامه لان الادوية التي كان يستوردها من اردأ انواع الادوية في العالم، ومعظمها انتهت مدة فعاليته، حيث اصبحت عقود الادوية كلها مسيسة، ولا ينظر اليها الا من خلال مصلحة النظام ورئيسه وحاشيته. الان اوقفت وزارة الصحة عقودا بـ 250 مليون دولار. ومن خلال تدقيق مجمل العقود فإن هناك ما بين 10 و15% منها فقط سليمة. وفي هذا المجال وضعت وزارة الصحة عدة ضوابط لاستيراد الادوية والمستلزمات الطبية اهمها المصدر او المنشأ، وهل الجهة المصدرة لها باع وسمعة جيدة في صناعة الادوية. وهل الشركة المعنية معروفة عالميا بحيث انها تحسب ألف حساب لانتاجها وان أي خطأ بسيط يسيء اليها وتترتب عليه عواقب وخيمة، فمثل هذه الشركات الرصينة لا تجرؤ على تصدير دواء مشكوك فيه الى اية جهة كانت. وهناك ايضا، من بين الضوابط، اخضاع الادوية المستوردة الى الفحص المختبري بحيث تعطي كشفا عالي الجودة. هذه الضوابط سيتم تطبيقها على العقود الموقعة وغير المخصص لها، وستؤخذ بالحسبان في اية عقود مستقبلية. وسوف لا يعود ذلك الزمن الذي اصبح فيه الدواء صفقة سياسية». واضاف وزير الصحة ان الحديث عن الدواء والسياسة «لا يعني التفريق بين الجانبين، بل جعلهما متلازمين، وليس احدهما في خدمة الاخر. فالسياسة الصحية والسياسة الدوائية هي سياسة، ونحن محاسبون امام الشعب على كل تصرف. وهذه هي الديمقراطية التي نريدها في العراق الجديد والصحة التي نريدها للعراق الجديد. فاذا نحن لا نحتمل الرأي الاخر تجاه تصرفاتنا فبماذا نختلف عن العهد السابق، ولماذا نسمي انفسنا بالنظام الجديد!؟».

وتحدث وزير الصحة العراقي عن توجهات الحكومة في مجال (الخصخصة) قائلا: «ليس خافيا على احد ان التوجهات الحالية هي فتح المجال للخصخصة، لكنني اود ان اذكر بانني صرحت بانه لن تكون هناك خصخصة في أي جزء من القطاع الصحي على حساب القطاع العام، وعلى حساب مستوى كفاءة القطاع العام. هذا القطاع سوف نستمر في دعمه وتقويته، لان أي خلل في هذا المجال يعني استمرار وتزايد معاناة العراقيين منذ 35 سنة». واضاف «نحن نعرف ان هناك شريحة في المجتمع متمكنة اقتصاديا، وتريد علاجا بشكل خاص. المستشفيات الخاصة كانت موجودة وستبقى، وقد ابدينا توجيها لتطويرها، وتطوير المستشفيات العامة، بحيث تستطيع منافسة الاستثمار الاجنبي اذا ما اراد الولوج في هذا المجال. وفي كل الاحوال فان مسألة الخصخصة والاستثمار الاجنبي بحاجة الى دراسة مفصلة داخل الوزارة ومع جهات اخرى مثل وزارة التخطيط».

وبين الدكتور خضير عباس ان وزارته تعمل لاعادة الكفاءات الطبية العراقية من الخارج، مثل سواها من الكفاءات، الا انه اشار الى وجود ثغرات في عملية التمويل الذاتي للمستشفيات مما ادى الى ايقاف العمل بهذا النظام، وتسبب هذا الايقاف في تضرر وتدني رواتب ومخصصات الكوادر الطبية، الا انه استدرك قائلا ان الوزارة تبحث الان سبل تعويض الكادر الصحي الذي تضرر جراء عملية الالغاء، من خلال منح درجات تضاف الى سلم الرواتب للمثابرين، وتقديم امتيازات شبيهة بالتي كانت تمنح لذوي الكفاءات، كالتفضيل في منح السكن او الاراضي السكنية والبعثات والزمالات الدراسية والسماح باستيراد بعض المستلزمات، وخاصة بالنسبة للعائدين من الخارج. اما الخروج عن سلم الرواتب الذي وضعته وزارة المالية فذلك غير ممكن في الوقت الحاضر، لان كل وزارة ستطالب باستثناءات، غير ان وزارة الصحة عازمة، وهي تعد الدراسات الان، من اجل منع تسرب الكفاءات، واستقطاب الكفاءات الموجودة في الخارج، مع ملاحظة السماح للطبيب او الفني في المستشفى الحكومي بالعمل في مستشفيات القطاع الخاص بعد الدوام وفتح العيادات الخاصة. وفي كل الاحوال ستبقى الوزارة متشبثة بالقطاع العام والعمل بكل ما في استطاعتها لتعزيزه وتحسين الظروف المعيشية للعاملين فيه، بحيث تكون متقاربة مع مستوياتها في الدول الاخرى بالمنطقة.