«نحيب الأبجدية» للشاعر السعودي جاسم الصحيح

TT

عن نادي الطائف الأدبي، صدرت المجموعة الشعرية السادسة للشاعر السعودي جاسم الصحيح بعنوان «نحيب الأبجدية» زاوج فيها الشاعر بين مهارته في الشعر ومهارته النثرية أيضاً حيث احتوت المجموعة على مقدمة نثرية بعنوان «صورة عمري: نص مُتَّكِلٌ على جماله!» سرد فيها الشاعر رؤيته للحياة وللإنسان.

و«نحيب الأبجدية»، احتوت على (21) قصيدة توزعت بين شعر التفعيلة والعمودي، وتقع في (232) صفحة من القطع الوسط.

وكعادة الصحيّح في قصائده الأخيرة، فإن المجموعة اصطبغت بمسحة فلسفية ووجدانية.. إلى الحد الذي لم يجد جامعاً مشتركاً بين قصائده سوى «النحيب» والافتجاع.

وكانت قد صدرت للشاعر خمس مجموعات شعرية سابقة: ظلي خليفتي عليكم، عناق الشموع والدموع، حمائم تكنس العتمة، رقصة عرفانية، اولمبياد الجسر، كما صدرت طبعة ثانية هذا العام لمجموعته «ظلي خليفتي عليكم».

من قصيدة «ما أذاعَتْهُ الريحُ عن خيمة صفوان»:

عشـرةُ أعوامٍ، و(العراقُ) يُحاصِرُ العالَمَ بالغفرانِ حصاراً وارفَ الصفح

تَعِبَتْ من شُغْلِهَا الحربُ

فَمَالَتْ بِضَحاياها إلى النومِ..

ولكنَّ (العراق)

كانَ في خيمةِ (صفوان) على طاولةِ التشريحِ مطروحا..

وكانَ القَصَبُ المصلوبُ في أعلى (جنوب) القلبِ

يهتزُّ على بُعْدِ جحيمينِ من الخيمةِ

حيثُ العارُ يكوي جبهةَ الصحراءِ بالذلَّةِ..

والثورةُ تغلي في التُرابِ (الكربلائيِّ)..

وكانَ العسكرِيُّونَ من الجيشَيْنِ مخمورِينَ بِالمِشْرَطِ..

كانوا يتساقَوْنَ على الجثمانِ أنخابَ الوِفَاقْ

نَثروا أحشاءَهُ

فَانْتَثَرَتْ في وَجْهِهِمْ كلُّ الحضاراتِ

ولاحَ الكونُ في هيئتِهِ الأُولى

زُقاقاً (بابليًّا) يشتكي الجوعَ ..

و(تَمُّوزُ) إلهُ الخصبِ

يُلقي بذرةَ القمحِ السماويّةَ في الأرضِ

فَتنمو الحبَّـةُ البِكْرُ ويقتاتُ الزُقَاقْ

وتمطَّى النخلُ أعناقَ رجالٍ

زرعوا قاماتِهِمْ في مشرقِ الشمسِ حكاياتِ انعتَاقْ

والنساءُ (السومريَّاتُ) تَوَافَدْنَ من التاريخِ

يحملنَ جرارَ العشقِ كالأسورةِ النشوى

ويسقينَ صباحاتِ البساتينِ بِمَوَّالِ الفراقْ

وجبالُ الوجدِ تَمتدُّ

على الضلعِ (الشماليِّ) تضاريسَ اشتياقْ

ها هُنا (سومرُ) عادَتْ

تنهبُ الأرضَ بِغاراتٍ من الرقصِ

على أفراسِ موسيقا..

ولكنَّ (حمورابي) على بوَّابةِ الخيمةِ مشنوقٌ ..

(عليٌّ) سادرٌ في غيهبِ المنفى ـ

(المها) مسمولةُ العينينِ..

و(الجسرُ) الذي شَدَّتْـهُ أضلاعُ المحبِّينَ

تهاوَى فوقَ أحلامِ العِنَاقْ

كيفَ لي يا (ابْنَ زُرَيْقٍ) أنْ أُعَزِّيكَ

وأرثي (قمَراً)

أَوْدَعْتَهُ أحياءَ (بغدادَ) فَوَافاهُ المُحاقْ

آهِ.. يا شيخَ البداياتِ ويا عُكَّازةَ الآزالِ..

يا شَعْباً من الآهاتِ لا يهدأ..

يا سَهْلاً من القَمْحِ شريداً في الأغاني..

يا ضريحاً للطفولاتِ التي تسقطُ من ثُقبِ الكراريسِ..

أُناديكَ بِماذا..

كلُّ أحزانكَ أسماءٌ عريقاتٌ عِتَاقْ!!

أَيُّها الصُلْبُ الذي أفرَغَ ماءَ النشأةِ الأُولى

هنا في رَحِمِ الأرضِ

فطارَتْ يَرَقَاتُ الخَلقِ من شرنقةِ الغيبِ فراشَاتٍ رِقَاقْ

كيفَ أصبحتَ..

وفي كَفِّكَ لا شيءَ سِوَى مقبرةٍ كُبرى وتاريخٍ مُعاقْ

قِفْ على العَالَمِ وابصُقْ..

إنَّ هذَا العالَمَ الآسِنَ لا يغسلُهُ إلاَّ البُصَاقْ

طالَ شوطُ الوَجَعِ الأسودِ

وامتدَّتْ مباراتُكَ والموتُ

فَكُنْ أكبرَ من دورِ الضَحايا..

وَزِّعِ الأَضرحَةَ الكُبرَى على الأَيّامِ

وانثرْ فوقَها ضحكتَكَ البيضاءَ كافوراً..

ولا تعتبْ إذَا كُنتَ تَفَحَّمْتَ من الصبرِ

فهَذَا الزَمَنُ الجَاحِدُ

لا ذاكرةٌ فيهِ

لكي يذكرَ معراجَكَ في قُبَّةِ هذا الكونِ يا صنوَ (البُراقْ)

أَيُّها المكتظُّ بِالنارِ

عهدناكَ

ـ ومن سبعةِ آلافِ جحيمٍ ـ

خامةً

تدخلُ مصفاةَ مآسيكَ ..

تزيلُ الخَبَثَ الآسِنَ عن جوهرةِ الروحِ وتأبَى الاحتراقْ

ها هُنَا أنتَ تَدَوْزَنْتَ على أوتارِ هذَا الحُزنِ

كي تنسَلَّ من مصفاتهِ أكثرَ غُفراناً وتزدادَ ائْتِلاقْ

ما الذي يحترقُ الآنَ بأعماقكَ :

أكوامٌ من اللوعةِ أمْ مأدبةٌ للصبرِ

لم تعرفْ سِوى الروحِ وُجَاقْ؟!!

أَتَمَلاَّكَ قتيلاً

تتدلَّى من أعالي شعرةٍ في لحيةِ (الحلاَّجِ)..

لا تلمعُ في عينيكَ إِلاَّ بسمةُ الصَفحِ..

ويوماً

جُنَّ فيكَ الجرحُ وانشقَّ الأسَى عن نظرةٍ غاضبةٍ

فَاسْتَغْفَرَتْ عيناكَ عن ذاك الشِقَاقْ

كُلَّمَا أوغلتُ في عالَمِكَ السِرِّيِّ

صَلَّيتُ لدَى فانوسِكَ المطفَأِ

كي يشرقَ في قُبَّـةِ هذا البَدْءِ..

فالأرضُ تقومُ الآنَ من أنقاضِها الأُولى

وها أنتَ ـ كما كنتَ ـ معَ البَدْءِ رِفَاقْ

=