هل أصبح الرحالة عملة نادرة في هذا الزمن؟

كتاب سعودي عن عميد الرحالين محمد بن ناصر العبودي

TT

الرَّحَّالَةُ عُمْلَةٌ نادرة في كل مجتمع; لأن عَمَلَهُ يوصف بأنه متعب بدنياً وذهنياً، وإنما يخفف وطأته ما يتحلى به هذا الرحَّالة غالباً من الرغبة في توسيع الدائرة المعرفية لديه، ولدى من يخاطبه عند تسجيل أو سرد أحداث رحلته وعرض مشاهداته وإبداء انطباعاته حيالها، وممن قرأت له كثيراً في أدب الرحلات الشيخ محمد بن ناصر العبودي وهو رحالة متميز له سهم وافر في أدب الرحلات حيث يملك دقة متناهية في وصف الرحلة والتعريف بدقائقها فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما هو في متاحات البشر إلا سجله وسلط عليه إضاءات تكفي لإشباع نهم المتلقي بما يملكه من قدرات في مجال تصيد تساؤلات وتوقعات المهتمين بمتابعة أخبار الرحلة، كما امتاز اسلوبه السهل الممتنع عند عرض عناصر رحلته، وكان العبودي قد حاز ميدالية الاستحقاق في الأدب عام 1974، الا ان هذه الشخصية لم تحظ بما تستحقه من الاضواء الاعلامية والثقافية حتى تم تكريمها في مهرجان الجنادرية المنعقد الشهر الماضي في العاصمة السعودية الرياض ليفتح هذا التكريم الآفاق رحبة لتسليط الضوء عليها حيث صدر في يناير (كانون الثاني) 2004 كتاب بعنوان «عميد الرحالين محمد بن ناصر العبودي» لمؤلفه محمد بن عبد الله بن إبراهيم المشوح، صاحب المجلس الثقافي الثلوثي المعروف في مدينة الرياض. وكتب مقدمته الدكتور حسن بن فهد الهويمل مبيناً أهمية مدارسة حياة الأعلام وتقليب صفحات أيامهم. وقد قسَّم المؤلف كتابه إلى سبعة فصول وعدد من المباحث، خصص الفصل الأول منها للحديث عن الحياة العلمية والأدبية للشيخ العبودي متحدثاً في ثلاثة مباحث عن القصيم وبريدة مسقط الرأس والمساجد وحلق العلم فيها والحياة الأدبية في تلك المنطقة في زمن ولادة الشيخ العبودي ليسلط المؤلف الضوء في الفصل الثاني على الحياة الشخصية للعَلَم المعرف به عبر خمسة مباحث تتعلق بتفصيل سيرته الذاتية مما هو معتاد في عرض مثل هذه السيرة وليجيء الفصل الثالث راصداً الحياة الوظيفية للشيخ العبودي من خلال ستة مباحث تتحدث عن أهم ست محطات وظيفية له منذ تعيينه قيماً لمكتبة بريدة إلى أن أصبح الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي، وما يزال أمينها العام المساعد بالمرتبة الممتازة مع اعتذاره عن الأمانة العامة عدة مرات بسبب شغفه بالرحلات التي سوف يعيقه ذلك المنصب عنها وليكون الفصل الرابع واسطة العقد من الكتاب حيث خصصه مؤلفه للحديث عن عميد الرحالين من بَوَّابَةِ خمسة فصول ألقت الضوء باهراً على شخصية الرحالة في ذاتية المترجَم له الشغوفة بالرحلات منذ أول رحلة قام بها سنة 1964 مسلطاً الضوء على الكتب التي ألَّفها وبلغت مائة وستة وتسعين كتاباً وعلى أهم الكتب المؤلفة عن الشيخ العبودي ورحلاته وتحدث عن برامجه الإذاعية عن الرحلات وما تتميز به ثم عقد المؤلف الفصل الخامس في جغرافية الشيخ العبودي من خلال تأليفه كتابه المعجم الجغرافي للقصيم ودراسة منهجه الجغرافي بصفة عامة وجاء الفصل السادس متنوعاً حيث تضمن حديثاً مفصلاً عن علوم العبودي واهتماماته في الدعوة والتأريخ والأنساب والقصة والرواية واللغة والأدب والشعر، وليحتفي المؤلف بالشيخ العبودي في آخر فصول كتابه تحت عنوان (الاحتفاء والتكريم) مسجلاً تكريمه بميدالية الاستحقاق والأدب وتكريمه في إثنينية الخوجة بجدة وفي النادي الأدبي بالقصيم وفي ثلوثية المشوح والهدايا والدروع التي حصل عليها وماقيل فيه من الشعر ليختم ذلك كله بحصر ببليوجرافي بمؤلفات العبودي من خلال بحث أعده الدكتور أمين بن سليمان سيدو في مجلة الدرعية، وفي ضوء هذا البيان يمكننتي القول إن كتاب «عميد الرحالين محمد بن ناصر العبودي» لمؤلفه محمد بن عبد الله بن إبراهيم المشوح الذي جاء في قرابة خمسمائة صفحة من الطباعة الفاخرة والتجليد المتقن والاقتصار على التخريجات المهمة في حواشيه وركز فيه على الفكر التنويري المنضبط بضوابط الشرع عند الشيخ العبودي ولاسيما روحه الرائدة في تقبل الحوار مهما كان محاوره الآخر. وأقول تتميماً للفائدة: إن الحوار ركن ركين من خصائص كل رحَّالة; لأن المفترض أنه إنما يحصل على كثير من المعلومات في رحلاته عن طريق الحوار مع الأشخاص الذين يلتقيهم فيستنطقهم ليجيب عن التساؤلات التي تثيرها مشاهداته.

* كاتب سعودي [email protected]

* «عميد الرحالين محمد بن ناصر العبودي»

* المؤلف: محمد بن عبد الله المشوح

* الناشر: دار الميمان ـ 2004