ميشال عون لـ«الشرق الاوسط» : بعد العراق سيأتي دور سورية..وعودتي أصبحت قريبة.. والأميركيون لم يطلبوا مني شيئا

قال إن صدام حسين ساعده دون مقابل وإن الاتصالات انقطعت لاحقا

TT

يقود ميشال عون من باريس «التيار الوطني الحر» او ما يعرف في لبنان بـ«التيار العوني» المعارض الذي احرز نتائج لافتة في انتخابات عاليه الفرعية الصيف الماضي.

وبعد ان شارك ميشال عون في جلسات الاستماع بالكونغرس التي اقرت واشنطن بعدها مشروع قانون «محاسبة سورية» واطلق تصريحات توحي بقرب عودته الى لبنان، توجهنا اليه بالسؤال: هل العودة اصبحت قريبة؟

وفي منزله في باريس اجاب عون على اسئلة «الشرق الاوسط» في حوار دام حوالي ثلاث ساعات وحوار حرص هو ايضا على تسجيله، واكد خلاله ان عودته الى لبنان «اصبحت قريبة».

* حدث اخيرا تغييرات في هيكلية التيار العوني فهل تعني كما قيل، ان العودة اصبحت قريبة؟

ـ اعتقد نعم. التحولات الحاصلة في المنطقة من الطبيعي ان يكون لها انعكاسات على لبنان. انا موجود في الخارج لا كلاجئ سياسي انما بسبب منع قسري فرضته الحكومة اللبنانية والنظام السوري على لبنان. لست موجودا في باريس بارادتي، وعندما ذهبت الى السفارة الفرنسية (في لبنان) كان ذلك بناء على طلب الدولة اللبنانية، بانه لن يحصل وقف اطلاق نار الا اذا ذهبت.

* وهل العودة للبنان ستكون نهائية اما مجرد زيارة لبيروت ومن ثم العودة الى باريس؟

ـ لا العودة نهائية الى لبنان وزيارة باريس ستتم من حين الى اخر.

* وهل العودة ستكون على شكل جزء من السلطة او كأساس من السلطة؟

ـ لا افكر بالسلطة. انا مواطن لبنان يحق لي ان اعيش في وطني. في وصيتي ذكرت انه اذا مت قبل ان يصبح لبنان وطنا سيدا حرا مستقلا لا اريد ان ادفن فيه.

* هل ادت النتائج التي احرزتموها في انتخابات دائرة عاليه الى اعادة نظر في هيكلية التيار؟

ـ لا. نحن ندرك تماما حجمنا. الاعلام هو الذي يتجاهله ويحاول التقليل من اهمية التيار. السلطة توقعت خسارتنا وقالوا ندخله في معركة ديمقراطية لنريه ان ما من قاعدة شعبية لديه. اي نصفيه تصفية ديمقراطية. وقد حصل العكس تماما.

* اشرت الى ان التغييرات الحاصلة في المنطقة ستنعكس على لبنان فهل تتوقع ان تكون عودتك الى لبنان وخروج سمير جعجع من السجن حصليتي هذه التغييرات، وتجاوبا مع رغبة اميركية؟

ـ لا عودتي وخروج جعجع لن يكونا على مستوى اميركا.

* لكن هناك حديثا عن انفتاح سوري يبدأ من لبنان؟

ـ نعم ستبدأ سورية من لبنان لكن ليس من هذا الجانب. مطلوب منها الانسحاب ويجب ان تبدأ من هنا، وليس مطلوبا منها اقرار عودة عون وخروج جعجع. عودتي ستكون نتيجة الانسحاب السوري وليس نتيجة قرار اتخذته ويخص عودتي.

ـ يعني لن تعود الا اذا حصل الانسحاب؟

ـ عودتي ستكون جزءا من التغييرات الحاصلة من جراء الانسحاب وانا لا اريد العودة الى بيروت برعاية سورية مما سيعيقني ويحد نشاطاتي. انطلقت للكونغرس من باريس واحالوني الى المحكمة بجريمة اساءة العلاقة مع سورية فكيف لو انطلقت من بيروت؟

سورية موجودة في لبنان منذ 28 عاما بينما الانتداب الفرنسي على لبنان دام 25 عاما فقط.

* ما رأيك في اعادة الانتشار السوري التي حصلت منذ مدة؟

ـ القصة ليست الانسحاب من مركز والتمركز في مركز اخر على بعد 200 متر. كل سنة يحصل اعادة انتشار ضمن نفس المراكز.. الامر اشبه بالمداورة والتبديل، المطلوب انسحاب سياسي ومخابراتي من اجهزة الدولة واجهزة الحكم. القرار السياسي في بعبدا وقريطم مصادر.

* لنتكلم اولا عن الانسحاب العسكري، هل بدأ؟

ـ اميركا طلبت رسميا من سورية الخروج من لبنان. بالامس اميركا اعطت سورية وصاية على لبنان وقد بدأت بسحبها. سورية تواكب متطلبات السياسة الضاغطة. رامسفيلد قال انه من المطالب الاميركية: الانسحاب من لبنان. هنا يطرح السؤال الى اي مدى سورية ستختصر الوقت، وهذا يصب في مصلحتها. وكلما ماطلت فان ذلك يسيء لها. يعني تزعج نفسها وتزعجنا.

* هل تعتقد ان خروج سمير جعجع من السجن اصبح قريبا؟

ـ سمير دخل السجن كتصفية سياسية ولم يكن يجب ان يدخله اساسا. في البداية، اتفق معهم سمير في الطائف ومن ثم غير مساره.

سمير جعجع كان مجرد كبش فداء لانه غير مساره ولم يتابع «باتفاق الطائف».

كنا في العام 1994 على خصام سياسي واليوم الوضع بيننا افضل. يجب اما العفو عن الجميع او محاكمة الجميع.

* لو خرج جعجع من السجن وعدت الى بيروت هل من الممكن ان تتعايشا من جديد بعد كل ما حصل بينكما من اراقة دماء؟

ـ الوضع لا يصبح شاذا نتيجة الاختلاف السياسي انما عندما يتطلع فرد الى حمل بندقية، وهذا ليس واردا اليوم. الخلاف السياسي نتاج الحياة السياسية الديمقراطية. وما ليس مقبولا استعمال الوسائل غير المشروعة. انا وستريدا (جعجع) لسنا على خصام اذا اقتضى الامر نتحدث.. لم لا؟ اليوم ما من حديث لحلف سياسي.

* ألا يمكننا ان نعتبر ان حرب الالغاء احدثت شرخا في الجسم المسيحي؟

ـ مقاطعا: ما من شيء يسمى حرب الالغاء.

* ألست من سميتها.

ـ يجيب بلا تردد: لا.

* اذن ماذا اردت تسميتها؟

ـ لا شيء. كنت اريد المتابعة بما بدأت به كما انني اردت ضمانات من اتفاق الطائف لتنفيذ الانسحاب السوري. هذه المرحلة واضحة بنظري ولن نناقشتها اليوم انما عند خروج جعجع من السجن.

* قيل انه لامر جيد وجود «قرنة شهوان» لانه لولا ذلك لاصبح كل معارض في صف ميشال عون، ما تعليقك؟

ـ لكل منا اسلوبه وتطلعاته. اسمع هذه الانتقادات حول نوع من التهور. يقولون الجنرال عون اخطأ فاسألهم اين اخطأت فيسكتون.

* ألا ترى ان هناك مبالغة من بعض السياسيين اللبنانيين في استشارة سورية؟

ـ السؤال هنا من اتى بالمسؤولين اللبنانيين؟ السوريون اتوا بهم اذن من الطبيعي ان يرجعوا لهم في كل شاردة وواردة. ارى انه بحال انسحاب سورية سيتوهون لانهم متعودون ان هناك من من يقرر لهم. لكن هذا الانبطاح الزائد لا تقابله براءة في الجانب السوري.

غالبية خطابات السياسيين تبدأ بالتوجه بالشكر لسورية وشتم عون. هل يتجرأ احد على عدم الذهاب لسورية ومن ثم الفوز بمقعد على احدى اللوائح الانتخابية؟

* وهل يعقل ان تقوم سورية بمراقبة كل سياسي وتوعز له كيف يتصرف؟

ـ المسؤولية شاملة. هذه السلطة من انتاج سورية، والحالة السائدة من انتاج السلطة، يعني سورية هي التي ارادت وصول هؤلاء الى السلطة.. اذن النتيجة طبيعية، فاذن هيكلية السلطة بأكملها خطأ وهذا ما يؤدي بنا الى هذا الوضع.

* يقال ان علاقتك بالبطريرك صفير اليوم سيئة جدا؟

ـ ما من علاقة سيئة وعلاقة جيدة. العلاقة طبيعية. هو لديه اسلوبه وانا لدي اسلوبي وهذا يتجلى بطريقة التعاطي دوليا وميدانيا. نحن حركة اصلاحية نقوم بالضغط ونتعاون مع الشعب فنتظاهر مثلا. اما هم فلا يتظاهرون.

* هل من علاقة مع اقطاب «قرنة شهوان»؟

ـ ما من علاقة مقطوعة مع احد. مدى التواصل يتوقف على الاحداث. انا بطبعي محاور ولست «عسكريا» متشبثا برأيي كما يقال.

* خلال حديث لي مع وليد جنبلاط قال عن المؤتمر الماروني الذي عقد في لوس انجليس عام 2002 انه «سيجر المسيحيين الى حيث لا يريدون الذهاب» نظرا لانعقاده تحت رعاية الـ«سي. اي. ايه». يعني ما زلنا نشعر ان هناك تنسيقا مسيحيا ـ اسرائيليا بين حين واخر؟

ـ دعيت للمؤتمر ولم احضره. اقترحت عليهم توجيه دعوات للسياسيين المسلمين ليكونوا شهودا على كلامنا، حتى لو كان مؤتمرا للموارنة لكن يجب ان يحضر المسلمون لمصداقية اللقاء. اجابوني بان توجيه الدعوات لهم اصبح متأخرا. لم اشارك في المؤتمر لكنني متأكد بأن ما من علاقة للاسرائيليين والاميركيين به.

* اميل لحود الاتي من الخلفية نفسها، هل من معرفة بينكما قبل تبوئه الرئاسة؟

ـ اعرفه اكثر من اللازم. تخرج بعدي بدورة من الكلية الحربية. في الجيش نحن نرتدي الزي نفسه لكن لكل اداؤه. كنت قائدا للجيش واعرف كل التفاصيل عن الضباط.

* يعرف ان رفيق الحريري (قبل وصوله لسدة رئاسة مجلس الوزراء) قام بتمويل الجيش اللبناني لان السنة ارادوا ان يقوى الجيش ليحتموا به وبالمقابل هناك من يقول انه اعطى المال لك. هل من توضيح ما؟

ـ بين عامي 1987 و1988 عند صعود الدولار مقابل الليرة اللبنانية بشكل مفاجئ تعرض الجيش اللبناني لضائقة مالية فقام رفيق الحريري بتمويله وكان الشيك يحول من خزينة الدولة للجيش وليس لشخصي وحينها الفت لجنة من الضباط لندرس كيفية صرفه.

* ما هي مآخذك اليوم على رفيق الحريري؟

ـ مآخذي الشخصية انه تابع سياسة الحص الاضطهادية ضدي. لغاية اليوم ما زلت مضطهدا بحقوقي الشخصية وكلما أردت العودة الى بيروت يفتحون ملف اختلاس الأموال. كذلك بالنسبة للواءين معلوف وأبو جمرة اللذين كانا معي ما زالت حقوقهما مضطهدة.

* الرئيس الحريري كثير التردد على باريس هل اجتمعت به سواء قبل وبعد توليه رئاسة الوزراء؟

ـ لا. عندما سئلت عن الحريري قبل توليه الرئاسة، قلت: لو الحريري افضل قبطان في العالم، اليوم ركب على سفينة معطلة ولن يكون هو قائد السفينة انما سيتساوى مع آخر ملاح عليها لأن الحكم في يد سورية.

* تعاملت مع صدام حسين وأمدك بالذخيرة. هل كنت مستعدا للتعامل مع اي كان لاخراج السوريين؟

ـ طلبت خلال مؤتمر صحافي مساعدة غير مشروطة من كل العالم وقلت من يريد فليتفضل.

مساعدة صدام كانت غير مشروطة ولم يطلب مني شيئا بالمقابل. حتى انه خلال انعقاد مؤتمر الطائف أرسل لي كتابا، بناء على طلب السفيرة الاميركية في العراق ابريل غلاسبي، طالبا مني السير في الاتفاق فأبلغته تحفظي عليه لنقص اساسي فيه هو عدم ضمانه لسيادة لبنان.

* هل استمرت علاقتك مع صدام بعد انتهاء الحرب؟ هل حاول الاتصال بك طوال الفترة الماضية؟

ـ لا. العلاقة انتهت مع انتهاء الحرب. لم يتصل بي سواء هو أو اياً كان من أركان القيادة العراقية السابقة.

* كيف تصف علاقتك بالقيادة الاميركية؟ وهل دخلت «حرب التحرير» بدعم اميركي وتنسيق معهم؟

ـ كل أركان القيادة كانوا ضدي خلال الحرب هم الذين أعطوا السوريين الوصاية على لبنان. لم اخض حرب التحرير بدعم اميركي.

* متى عاد التنسيق مع الاميركيين لكي تذهب الى الكونغرس وتشارك في اقرار قانون محاسبة سورية؟

ـ نشأت الفكرة على أثر حديث الرئيس بشار الأسد لجريدة «الشرق الأوسط» في 8 فبراير (شباط) من العام 2001. إذ قال ان الانسحاب من لبنان خاضع لانتهاء القضية الفلسطينية ـ الاسرائيلية، اي الأمر خاضع لتقدير الاجواء التي ستسود بعد ذلك. فكرنا بطريقة لرفع الوصاية السورية، فرأينا ان من سيرفعها هو من منحهم إياها. اميركا منحت سورية وقتا لتذويب لبنان وكانت تقول نحن مع سيادة واستقلال لبنان. اننا منذ العام 1990 ولغاية العام 2001 أرسلنا سبع توصيات للادارة الاميركية لتقليص الوجود السوري في لبنان وما من نتيجة. ففكرنا بأسلوب آخر يتجلى بتحويل التوصية الى قانون حينها تصبح جزءا من السياسة الاميركية الرسمية وليس مجرد موقف.

هدفي من زيارة واشنطن كان إسماع قضية الشرق الأوسط كما انني اكتشفت ان لبنان لم يكن على الخريطة وبنظرهم فإن سورية هي عامل الاستقرار في لبنان وبغيابها اللبنانيون سيأكلون بعضهم. تكلمت عن دور لبنان في الانفتاح السياسي وعن توازن مجتمعنا. كانت زيارة تأسيسية وضعنا خلالها المخطط الأول لقانون «liberation of lebanon map».

ثم اقترحت جهات الاستخبارات اضافة قضية اسلحة الدمار الشامل. كل المآخذ أدت الى اقرار قانون محاسبة سورية. نحن اعترضنا على التسمية لأننا لم نأت من اجل ذلك.

* باختصار، برأيك ان كل هذه الضغوط على سورية ستؤدي للتغيير وأول معالمه ستتجلى بالانسحاب؟

ـ نعم، هذا واحد من معالم التغيير. ربما سيتم نزع الأسلحة قبل الانسحاب. هي سلسلة من المطالب ستنفذ الواحد تلو الآخر.

* هل تعتقد ان هناك اسلحة دمار شامل في سورية؟

ـ اعتقد ان هناك اسلحة كيماوية. عموما لا علاقة لي بهذا الموضوع. أتخيل انه بعد تسليم السلطة للعراقيين في يونيو (حزيران) سيتفرغ الأميركيون لسورية وسيبدأ الانسحاب من لبنان واعتقد أنه سيكون انسحابا كاملا لأنه لم تعد هناك اليوم ادوار اقليمية لأي كان وكل دوره ضمن بلده.

* لكن الأميركيين لا يقومون بشيء بلا مقابل، في حال طلبوا منك عند عودتك ان تكون وسيطهم او ممثلهم في لبنان هل ستوافق؟

ـ لم يطلبوا مني شيئا لغاية اليوم ولم التزم او أوقع على اي شيء، بل على العكس أنا الذي طلبت منهم. اذا طلبوا شيئا ضد مصلحة لبنان بالطبع لن أنفذه. يجب ان نكون على علاقة حسنة مع الأميركيين.

* هل حلمت برئاسة الجمهورية؟

ـ رفستها باليقظة وليس بالحلم. البطريرك ارسل اسمي لسورية وأنا رفضت لأنها ستكون مقابل الجمهورية.

* التيار العوني لا يريد الاستفراد بالحكم... إذن ماذا يريد؟

ـ ثلاثة أشياء: تحرير وتحرر وتطوير النظام السياسي.