تدخل الجد والجدة في تربية الأحفاد بين القبول والرفض

TT

يشكل وجود الجد والجدة في المجتمع العربي عامل استقرار للاسرة ورمزا لترابط افرادها وامتدادا للعائلة وصونا لوحدتها. والى سنوات قريبة كانت الفتاة في بعض المجتمعات العربية تترك قبل بلوغها سن الرشد تحت الرعاية الكاملة لجدتها الى ان تصل الى سن الزواج بقصد ان تكتسب شيئا من خبرات الجدة المحنكة، ولكن لا يبدو في الوقت الراهن ان كل الاراء ترحب بانفراد الجدة بتربية الاطفال خاصة عندما لا تكون مهيأة للقيام بهذه المهمة خوفا من الطريقة التي تتبعها، والتي قد يظن البعض انها تفسد من صلابة الابناء عند مواجهتهم للحياة العصرية. فالمشكلة تبدأ حين يتجاوز دور الجدة أو الجد الحب والرعاية ورواية الحكايات الفولكلورية التي تكسبه موروثا ثقافيا غنيا، إلى التدليل المبالغ فيه، والسكوت عن أخطائه الفادحة. وقد يكون السبب الخوف على الطفل من العقاب، لمعرفتهم بقسوة الأب واحتمال تعرضه للضرب المبرح مثلا، أو فقط من باب الرغبة في الحفاظ على محبته مهما كلف الأمر حتى يُقبل على زيارتهما دائما والبقاء معهما اطول فترة ممكنة. بعبارة أخرى، فالمحبة الزائدة قد تكون رشوة عاطفية، قد لا يعيها الأجداد لكنهم يفسرون تصرفاتهم أنها تنطلق من شعورهم بأن «أعز من الولد ولد الولد». ولأن مسار حياة الانسان يتجه نحو الافضل او الاسوأ حسب نوعية التربية والرعاية التي يتلقاها في صغره، حسب تأكيدات خبراء التربية والنفس، فإن قصة المغربي خليفة (ع) خير دليل على ذلك: «كنت طفلا في سن الثالثة من بين اربعة اخوة ، عندما جاء جدي من البادية الى مدينتنا حيث تسكن اسرتي ليأخذ احد احفاده للعيش معه وتسليته لانه كان يعيش مع جدتي وحدهما، وكان ابي هو الابن الوحيد الذي رزقا به، ووقع اختياره علي فانتقلت للعيش معه ومع جدتي في البادية. لا أنكر أنهما غمراني بحنان فائض الى درجة انهما كانا لا يرفضان لي طلبا، وكانت لي مطلق الحرية في أن أعمل أي شيء أريده من دون رادع أو حساب. بل هما لم يعترضا حتى على تمردي ورفضي الذهاب الى المدرسة، والانقطاع عنها نهائيا، ونتيجة لذلك نشأت في كنفهما طفلا مدللا لم اتقن اية حرفة او مهنة، وعندما توفيا كنت قد تجاوزت سن المراهقة، فعدت الى اسرتي في المدينة لاجد اخوتي جميعهم ناجحون في دراستهم، وصاروا من بعد اطباء ومهندسين، اما انا فبقيت الى يومنا هذا وقد بلغت سن الأربعين من دون ان اجيد حرفة ما، واشعر ان طفولتي المدللة كانت السبب الرئيسي في ضياع مستقبلي». لكن رغم هذه الحالة، فإن الدكتور مصطفى العاني الاختصاصي في تربية الاسرة والطب العام مقتنع ان وجود الجد والجدة في وسط احفادهما افضل من عدم وجودهما، حتى لو كان الطفل يعيش مع والديه حياة مستقرة، وفي جو خال من المشاكل والصدامات، لان وجودهما، حسب رأيه، يساهم في احداث المزيد من التوازن النفسي لدى الطفل، لأنه يشعر أنه نتاج تسلسل طبيعي في عائلته. كما ان وجود الجد والجدة قد يخفف على الطفل اثر قسوة أحد الوالدين (حين يكون احد الوالدين او كلاهما صارما مع أبنائه إلى حد القسوة)، وبالتالي فهم يجدون عند الجد أو الجدة الملاذ العاطفي الذي يحتمون به من العقاب. إلا أنه لا ينفي أنه في المقابل قد يكون لتربية الجد والجدة تأثير سلبي على أحفادهما اذا هما اسرفا في تدليلهم، او يصابون بصدمة نفسية اذا افتقداهما فجأة من حياتهم «كما هو حال احد الصبية الذي اطلعت على حالته في عيادتي، فلقد كان في سن المراهقة عندما توفي جده الذي كان يتولى رعايته، فأصيب بصدمة عاطفية، وحالة اكتئاب اثرت على حياته النفسية والدراسية، مما اضطر اهله إلى عرضه على اطباء نفسانيين، وجدوا بدورهم صعوبة كبيرة في مساعدته على تخطي هذه المرحلة من حياته بنجاح».

ويوجه العاني نصائح عامة الى الاسر فيما يتعلق بتربية الابناء من طرف الجد والجدة، حيث يرى ألا يفرطا في حنانهما ومراقبة سلوكهم عندما يلجأون اليهما هربا من الاباء، فقد يكون الدافع هو مجرد عناد أو السير نحو ارتكاب اخطاء في حياتهم. ـ تجب مصارحة الأباء بأخطاء الأحفاد، ومناقشة بعض تصرفاتهم التي قد تتطور إلى ما هو أسوأ، وعلى الأباء أن يشرحوا للجد أو الجدة، بطريقة هادئة، أن التدليل الزائد سيعلم الأحفاد المراوغة في التعامل، والبحث دائما عن طرق سهلة وملتوية.

ـ لا يجب ان يسرف الاباء والامهات في معاقبة ابنائهم حتى لا يكون ذلك مدعاة لهروبهم وبحثهم عن بديل، كما لا يُنصح بمعاقبتهم أو نهرهم أمام الأجداد. فبالإضافة إلى كون هذان الأخيران يتضايقان من الأمر، فإنهما قد يتدخلان لصالح الحفيد، مما قد ينتج عنه نقاش حاد بين الجميع والمزيد من التوتر ـ على الأم أو الأب أن يحسنا التعامل مع والديهما أمام أبنائهما، ومناقشتها بطريقة هادئة وشفافة، لأن أسلوبهما هذا سينقل إلى أبنائهما فيما بعد.

ـ لا بأس من تدليل الجد أو الجدة للحفيد على شرط ألا يزيد عن الحد، ولا يتعارض مع القواعد والأسس التي يضعها الأهل لتربية أبنائهم، حتى يكون هناك توازن في الأدوار.