تتناول «الشرق الأوسط» في هذا الملف تناقض المعلومات التي وردت في طبعات الموسوعة البريطانية «بريتانيكا» حول بداية وجود الغيتو اليهودي، ففي الوقت الذي حددت فيه طبعة الموسوعة (1956) أول وجود رسمي للغيتو أو منطقة عزل اليهود بالقوة كان في فينيسيا من إيطاليا سنة 1556، ظهر في الطبعة (2001) من الموسوعة أن أول وجود له كان بالمغرب الإسلامي سنة 1280م. وبعد البحث وجد أن الموسوعة استدركت بعد طبعة 1956 بما ورد في الموسوعة اليهودية، التي تناقضت هي الأخرى في معلوماتها بين عدم وجود غيتو إجباري في البلاد الإسلامية وبين وجودها لدوافع دينية. ولمعرفة أسباب هذا الاختلاف تم الاتصال بالقائمين على الموسوعة، فأجابت كبيرة المحررين (آنتي وولف) بما يلي: ورد في طبعة 1997، حول وجود الغيتو الأول في المغرب الإسلامي مع إضافة «استمرت الغيتو في بعض البلدان الإسلامية مثل اليمن حتى الهجرة الكبرى إلى إسرائيل 1948». لكن ما فات المحررة آنتي وولف أن الهجرة الكبرى حصلت ليهود عدن يوم كانت محمية بريطانية (1839 ـ 1948)، وسميت حينذاك بعملية البساط السحري، حيث أحرقت الجمعيات الصهيونية بمباركة بريطانية بيوت منازل اليهود، وأحضروا لهم السفن بميناء عدن. ولا يعرف بعدن غيتو يهودي، لكن هناك أحياء سكنية، فهناك منطقة الهنود، وأخرى منطقة البهرة وغيرها. ومما يذكر أن الملاح المغربية بمدينة فاس، وهي منطقة تجارية ومختلطة السكن حالياً، ليس فيها أي أثر من آثار الغيتوهات، فلا أسوار عالية ولا بوابات محكمة، بل أن مدينة فاس بكاملها محوطة بأسوار حتى أن مَنْ يقيم خارج السور لا يعد من أهل فاس. وبعد أن أحيا النازيون الألمان الغيتو اليهودي، ثم اختفى طوال الخمسين عاماً الماضية يعاد اليوم لكن هذه المرة بيد صهيونية، وهو الجدار الذي يجد أرييل شارون بتطويق غزة والأراضي الفلسطينية الأخرى به. هنا نص طبعتي الموسوعة البريطانية ورسالة كبيرة محرريها.
* نص طبعة 1956 من الموسوعة البريطانية حول الغيتو الخالية من الإشارة إلى المسلمين
* «سابقاً كان يعرف الغيتو بالشارع أو المحلة من مدينة حيث يجبر اليهود على سكناه. ويستخدم هذا المصطلح حالياً بشكل عام للإشارة إلى منطقة سكنية يتجمع فيها اليهود. كان الغيتو في القرون الوسطى يعني كمصطلح اجتماعي بين اليهود وغير اليهود ليس له بالضرورة أي تطبيق رسمي أو قانوني. ففي مجلس الاساقفة الثالث (1170) حُرم على المؤمنين الحقيقيين (المسيحيين) السكن بين الملحدين، وقد ثبت هذا المجلس الأسس لسيطرة أقوى، لكن مثل هذا القرار لم يصبح نظاماً صارماً إلا أوان حركة الإصلاح المضادة في عهد البابا بولس الرابع (1555)، حيث أصبح العزل أول مرة نظاماً مفروضاً، وهكذا تم تأسيس غيتو روما في السنة التالية (1556) ساد القرار البابوي في كل مدن إيطاليا، واصبحت مفردة الغيتو التي وجدت أصلاً بفينيسا، وطبقت بصورة عامة في مناطق السكن التي وجدت آنذاك. أما في ألمانيا يوم وجد نظام مشابه استخدم لفظ (Judengasse) بدلاً من (Ghetto)، واستخدم في المناطق البابوية من فرنسا مصطلح (Carriere)».
* نص طبعة 2001 من الموسوعة البريطانية حول الغيتو التي تحمل المسلمين مسؤولية الغيتو
* «يعني الغيتو سابقاً الشارع أو المحلة التي حددت أصلاً كسكن رسمي مفروض على اليهود. وإحدى المناطق المعزولة مبكراً لليهود كانت بالمغرب الإسلامي، حيث في السنة 1280 نُقلوا إلى مناطق معزولة أُطلق عليها اسم المِلاح. وتم في بعض المناطق الإسلامية تطبيق نظام الغيتو بشدة، مع تحديد حجم البيوت وحتى الأبواب، وانتشر نظام العزل الاجباري لليهود في كل مناطق أوروبا خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر».
* جواب محررة الموسوعة البريطانية
* من جواب كبيرة محرري الموسوعة البريطانية آنتي وولف: «كان الغيتو يتمثل بمنطقة محاطة بجدران لها بوابات، وعادة ما تبقى مقفلة خلال الليل، وخلال الأعياد الكنسية مثل الأسبوع المقدس، عندما يكون من الممكن حدوث هبات ضد السامية، وذلك تعبيراً عن دور اليهود المفترض في صلب المسيح. أما داخل الغيتو فكان اليهود يتمتعون باستقلالية تامة، لهم مؤسساتهم الدينية والقضائية والخيرية والترفيهية، ولم يكن من الممكن توسيع الغيتو أفقياً، فالبيوت ترتفع عمودياً فقط، فكثيراً ما ينتج عن ذلك تشابك وازدحام وما يترتب عليه من أخطار الحريق والظروف غير الصحية. أما خارج الغيتو فقد كان على اليهود أن يرتدوا إشارة صفراء اللون، وغالباً ما يتعرضون لأذية جسدية ومضايقات. أزيلت الغيتوهات من غرب أوروبا بصورة تامة في القرن التاسع عشر، فقد اختفى آخر معاقلها باحتلال روما من قبل فرنسا 1870. أما بروسيا فقد استمرت مقاطعة (Pale) السكنية حتى 1917. واستمر الغيتو في بعض البلدان الإسلامية مثل اليمن حتى الهجرة الكبرى إلى إسرائيل 1948. لقد أعاد النازيون تأسيس الغيتوهات خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت أماكن احتجاز مكتظة باليهود بانتظار التصفيات الجسدية، واسطع مثال عليها هو غيتو وارسو.
أما في الوقت الحاضر فتعني لفظة الغيتو أية مساحة من المدن تسكن كلياً من قبل مجموعة إنسانية متشابهة. ففي الولايات المتحدة الأميركية هناك الغيتوهات التي أُجبر على سكنها المهاجرين السود لأسباب اجتماعية واقتصادية. إن هدف التشريعات الحديثة هو إنهاء الغيتوهات، لكن الحقوق المدنية التي أُقرت في الستينيات قد تعرقلت نتيجة المواقف الاجتماعية المتحيزة، التي أوجدت الغيتو أصلاً.
وعندما يُذكر غيتو فينسيا بتركيز، كأقدم مثال من نوعه، يفهم أن الغرب هو المعني بذلك فقط، أو المناطق التي استخدم عبارة الغيتو عادة.
لم يتسير لدينا التوثيق الدقيق حول النسخة المعدلة من الموسوعة بهذه السرعة، لكن الاحتمال الوارد أن المحرر قد قرر توسيع مجال مقالة الغيتو إلى ما هو أقدم من أوروبا، فضمنها نموذج مستوطنات اليهود في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أو أن ذلك المحرر قد أطلع على معلومات إضافية تتعلق بالملاح في المغرب، التي تأسست في تاريخ سابق على تأسيس الغيتو بفينيسيا».