محيي الدين الغريب وزير قضى ثلاث سنوات في السجن: تعويضات الدنيا كلها لا تساوي ليلة واحدة من ليالي الحبس

وزير المالية المصري الأسبق قال لـ«الشرق الأوسط»: بعت شقتي وأصبحت مديوناً وأعيش على مرتبي فقط وسأعود للعمل في الجامعة * توقّعت البراءة من أول محاكمة وزوجتي الثانية كانت تأتي لي بالطعام فترة حبسي فقط

TT

تحول وزير المالية المصري الأسبق محيي الدين الغريب من وزير الى مسجون لمدة ثلاث سنوات، من بين يوم وليلة من وزير تفتح له كل الأبواب إلى مسجون اغلق عليه باب الزنزانة.

وفي هذا الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع الدكتور محيي الدين الغريب صاحب الاسم المرموق لدى المستثمرين ورجال المال والأعمال والذي شغل موقع رئيس هيئة الاستثمار لمدة عشر سنوات (86 ـ 1996) ثم وزيراً للمالية لمدة ثلاث سنوات، يتحدث الغريب عن تجربته مع السجن ومع الوزارة، وعن اللحظات الأخيرة قبل الافراج عنه أخيرا وإخلاء محكمة النقض المصرية ـ أعلى مراتب القضاء في مصر ـ سبيله حاكمة له بالبراءة.

الغريب، الوزير السجين تحدث إلينا عن أيامه في الوزارة، ويومياته في السجن ورغم إلحاحنا، رفض تسمية من كان وراء الظلم الذي تعرض له، وقال إن كشف الحقيقة ليس في مصلحة مصر، ولن يفيد، مؤكداً أن تعويضات الدنيا كلها لا تساوي ليلة واحدة من ليالي السجن. وعندما سألناه عن ثروته قال: بل اسألوني عن ديوني فقد بعت شقتي وأقطن بالإيجار وأعيش على معاشي فقط.

* لو أردنا رسم بورتريه انساني لمحيي الدين الغريب الوزير السجين البريء وكيف عاش من وزير تفتح له كل الأبواب الى متهم وسجين فماذا تقول؟

ـ أنا انسان بسيط بطبعي وأعيش حياة بسيطة وأقطن شقة عادية وأثناء وجودي في الوزارة لم يتغير شيء في حياتي سوى أنني تركت سيارتي المرسيدس القديمة موديل 1979 وركبت سيارة الوزارة، وكل ملابسي محلية من مصر، وهذه البدلة التي أرتديها (جولدن تكس) مصرية، وأنا لا أحب الانفاق ببذخ، هذه حياتي بشكل عام، ولا أنكر ان التحول من وزير الى سجين تحول صعب للغاية، ولكن أنا تعاملت معه بأنه قضاء من عند الله، وأنا أقبل قضاء الله الذي لا راد له، هذا الايمان والتسليم بقضاء الله ساعدني على الاحتفاظ بتوازني النفسي الى أن قضى الله بالبراءة في نهاية المطاف.

* هل توقعت البراءة أمام محكمة النقض وماذا لو كانت قد غابت في الجلسة الأخيرة والفاصلة؟

ـ توقعت البراءة من أول محكمة (جنايات أمن دولة عليا) وليس من محكمة النقض، بل ان الحكم الأول بالسجن ثماني سنوات كان مفاجأة بالنسبة لي، فلم أكن أتوقع أن يكون هناك حكم ادانة بأي شكل من الأشكال وعندما صدر الحكم ضدي في 28/ 02/ 2002 أصبت بصدمة ومع ذلك تعاملت مع كل ما مررت به في هذه القضية على انه ابتلاء من عند الله وكنت على يقين بأن البراءة آتية، خاصة وأن محكمة النقض هي الملجأ الأخير والفصل الأخير في أية محاكمة، ولم أتوقع اطلاقا أن تغيب البراءة، ولم يدر بخلدي لحظة واحدة أن تكون هناك ادانة، بل إنه عندما نظرت القضية في المرة الثانية أمام محكمة أمن الدولة العليا كنت قد أعددت حقيبتي للعودة للسجن قبل أن أذهب الى جلسة المحكمة بخمسة أيام، أما عندما ذهبت الى محكمة النقض فلم أعد حقيبتي لأنني كنت واثقاً بالبراءة، فنحن نتحدث عن منصة يجلس عليها عشرة قضاة، وأي مخلوق لا بد أن يرضى بحكم محكمة النقض، وقد أتاحت لي المحكمة فرصة للدفاع عن نفسي وتوضيح كل ملابسات القضية.

* في تقديرك لماذا كانت إحالتك للمحاكمة وكيف تحلل هذه القضية سياسياً؟

ـ أنا أعرف لماذا تمت إحالتي للمحاكمة، ولكن لن أتكلم في هذا الموضوع، فغياب الحقيقة عني معناه أنني مغيب، فأنا أعلم تماماً لماذا ومن هم وراء الزج بي في هذه القضية، ولا أريد أن أتحدث في هذا الموضوع، ولكن يكفي أن تعرف أن أحد أعضاء الدفاع عن زميل لي في القضية وقف أمام المحكمة قائلا، لا أجد في القضية قضية.. بل الأساس فيها هو هذا الرجل لأنه مطلوب.. مطلوب. وأشار بإصبعه اليّ وأنا في قفص الاتهام.

* أليس من حقك وحق أولادك أن تقول الحقيقة للرأي العام الذي شاهدك متهماً ومسجوناً خلف الأسوار ومداناً بالسجن ثماني سنوات ومطعوناً في ذمتك ووطنيتك ولماذا تخفي الحقيقة ولمصلحة من؟

ـ هذا ليس وقت الحديث عن تلك الجزئية، هناك سر سأظل أحتفظ به مدى الحياة، لأنني أحب هذا الوطن، واعلان الحقيقة له تبعات خطيرة ومن مصلحة مصر ومصلحة الوضع العام ألا يتم الحديث في هذه الموضوعات الآن، خاصة أن البراءة تأكدت وجاءت ناصعة البياض ونسخت كل ما قبلها، الشيء الآخر هو أن المواطن المصري ذكي بالفطرة وكل من التقيت بهم من المواطنين الذين لا أعرفهم كانوا يقولون لي نحن نعرف أنك بريء وهذه تكفيني، فثقة المواطن هي الأبقى والأهم، خاصة أنني خدمت البلد 14 سنة كرئيس هيئة الاستثمار وكوزير مالية وفتحت بيوت كثيرين ممن عملوا في مشاريع استثمارية في المدن الجديدة، وفي القرى السياحية وكنت أعمل ليل نهار والكل يعلم هذا، وطالما الأمر كذلك والجميع يقدر ما قمت به وتوقعوا البراءة وصدموا من الأحكام الصادرة بسجني فلماذا أفتح ملفات تضر بالوطن.

* هل كانت محاكمتك وسجنك 25 شهراً ضمن عمليات تصفيات حساب سياسية؟

ـ لا أريد اطلاقاً الحديث في هذا الموضوع (قالها بغضب وحسم ورجاء).

* ما علاقة قضيتك برئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري، خاصة انه تردد أن هذه القضية جاءت لتصفية حسابات معه من الحكومة السابقة، حكومة عاطف عبيد، وأن براءتك جاءت بعد أيام من مجيء الوزارة الجديدة، وزارة أحمد نظيف؟

ـ هذا الموضوع جملة وتفصيلا أخذت على نفسي عهداً ألا أتحدث فيه، فلم أتحدث فيه قبلاً، ولا أتصور أن أتحدث فيه مستقبلاً، والبعض يتحدث فيه من دون أن يعرف تفاصيل ويعتمد على المبالغات، وأنا أعي أنه لا فائدة من الحديث فيه.

* الحقيقة دائماً مفيدة فلماذا لا تقولها؟

ـ الحقيقة ليست دائماً مفيدة، وتوقيت الاعلان عنها ليس بالضرورة أن يكون في صالح الوطن، وأنا لا أسعى لاسترداد حقي بنفسي وبيدي وبفضح من ظلموني، وأعتقد أن الآية الكريمة في القرآن الكريم واضحة في هذا الصدد «ولمن غفر وصبر فإن ذلك من عزم الأمور» وأنا لا يوجد خلاف شخصي بيني وبين أحد ولكن موضوعات العمل شأن آخر ولا بد أن أقدر المسؤولية.

* هل طلب منك الصمت؟

ـ لا لم يتحدث أحد معي اطلاقاً، ولكن المسألة أنني أقدر المسؤولية فأنا تحملتها كثيراً وطويلاً ويجب أن أستمر في ذلك وأنا خارج السلطة.

* كيف تحلل القضية سياسياً ولماذا أعلنت انك لن تطلب تعويضاً؟

ـ أنا أقول ان النظام له أسلوب في التعويض عن الضرر الذي أصابني، الضرر المادي لا يعنيني ولا أريد أن أعوض عنه، رغم أنني ضررت بشدة ويكفي أن تعرف أن الشقة التي أقيم فيها حالياً كانت ملكي وبعتها، وأقيم فيها الآن بعقد إيجار، فقد أنفقت ثمنها على مصاريف القضية وأتعاب المحامين، وقد نفدت كل مدخراتي رغم أنني كنت ميسوراً قبل العمل الرسمي من خلال عملي في الخليج 6 سنوات مديراً لمشروع أبوظبي، وحجم رأسماله 500 مليون دولار ما بين عامي 72 ـ 1978 وبعدها كنت عضو مجلس ادارة صندوق الاستثمار العربي في الكويت، وحالياً أعيش على معاشي فقط بعد أن أوقفت الجامعة صرف راتبي منذ بدء القضية.

* أكرر السؤال كيف تحلل القضية سياسياً؟

ـ أنا ليست لدي مشكلة سياسية مع أحد، وهذه القضية ليست قضية سياسية.

* هل حقيقي أن محاكمتك كانت بتعليمات وبراءتك جاءت بتعليمات؟

ـ هذا ليس حقيقياً ولم يكن هناك جانب شخصي في القضية، ولكن أن يتم اتخاذ قرارات في مصلحة البلد لا تعجب فلاناً أو الهيئة الفلانية فهذا موضوع آخر ومسألة لا يدور الحديث بشأنها الآن وليس وقتها، وأعتقد ان هذه القضية ستفتح ملفات نظام التعامل بين الجهات المختلفة وقواعده، ولكن أنا لم أندم على قرار واحد اتخذته ولو عاد بي الزمن الى الوراء ورغم كل ما مررت به لاتخذت نفس القرارات بكاملها لأنها كانت في مصلحة المواطن والمستثمر والوطن.

* اذا عدنا الى أوراق القضية وأعدنا قراءتها بعد نهايتها اعتباراً من يناير (كانون الثاني) 2001 عندما استدعتك نيابة الأموال العامة للتحقيق معك فكيف واجهت الاتهامات الموجهة إليك؟

ـ البداية كانت اتصالا من موظفي الرقابة الادارية وأخذوا أقوالي، ولم يكن هناك اتهام موجهاً إليّ، وكان الحديث حول ثلاثة موضوعات، خاصة باصدار خطابات لعدد من المستثمرين، وتكرر أخذ أقوالي، وفي يونيو (حزيران) 2001 وجه لي اتهام حول نفس الموضوع، وهو منح إذن بالتفتيش في شركة MM حول تهرب جمركي، ودخول مفتشين بدون إذن للبحث عن ماكينة مستوردة تم جمركتها قبل ثلاث سنوات، وبرئت من هذه القضية، الموضوع الثاني خاص بشركة حفارات وتأشيرتي كانت واضحة بالإحالة للجمارك والافادة، والموضوع الثالث خاص برجل الأعمال عادل آغا، والرابع خاص برجل الأعمال علي خليل وشركة الاسواق الحرة التي يمتلكها بالغردقة، وفي هاتين القضيتين انتهت محكمة النقض الى أن الوزير ليس مسؤولاً عن قرار اتخذه موظف لديه، سواء كان القرار خطأ أم صواباً، فالوزير مسؤول عن وضع السياسة والالتزام بالقانون.

* الشخص الذي حرك القضية ضدك هل لا يزال في السلطة أم خرج منها؟

ـ لا أريد أن أوضح هذه النقطة، ولكنه ما زال موجوداً وأتمنى ألا يظلم آخرين، ولدي يقين أنه لن يفلت من عقاب الخالق سبحانه وتعالى استحالة، فإما أن يصاب بمرض أو يدخل نفس السجن الذي دخلته.

* ملابسات هذه القضية كانت خطأك أنت أم خطأ معاونيك أم تدبير من جهة ما؟

ـ لم يكن خطئي ولا خطأ معاونيّ فقد حصلنا جميعاً على البراءة.

* ماذا كانت دفوع البراءة؟

ـ ببساطة شديدة لم تكن هناك مخالفة للقانون وأضرب لك مثالا بسيطاً فقد طالبت النيابة بتغريمي 26 مليون جنيه على أساس أنني ربحت رجل الأعمال علي خليل بخطاب ضمان قيمته 12 مليون جنيه رغم ان عمولة المبلغ واحد في الألف أي 12 ألف جنيه فقط، ولكن المحكمة قررت أنني ربحت الرجل المبلغ بالكامل 12 مليون جنيه، وقررت تغريمي بنفس المبلغ مرة أخرى 12 مليون جنيه وغرامة اضافية مليوني جنيه، ليصبح المجموع 26 مليون جنيه، رغم ان أساس المبلغ اذا صح خطاب الضمان هو 12 ألف جنيه فقط، علماً بأن خطاب الضمان لا وجود له.

* ما ردك على ما قيل بأن زيجتك الثانية هي التي جلبت لك المشاكل، وكانت وراء كل ما أثير في هذه القضية وأنها شقيقة علي طه رئيس الجمارك الذي أدين معك في نفس القضية؟

ـ علي طه رئيس الجمارك لا يمت لها بصلة ولا توجد أية علاقة خاصة تربطني به، وكان قد عمل معي في هيئة الاستثمار وهو رجل مشهود له بالكفاءة، وما تردد بشأن زوجتي الثانية وعلاقتها بالقضية لا أساس له من الصحة، فزوجتي لا علاقة لها بعملي ولا بالقضية ولا بأي طرف من أطرافها، وكل دورها انها كانت أتي لي بالطعام وأنا في السجن طوال الـ25 شهراً، وتحملت كل العبء وكانت ترافقني في كل جلسات المحكمة، ومحاولة الزج باسم زوجتي في القضية كان وراءها أشخاص حاولوا أن يرفعوا عن أنفسهم الاتهام بأنهم ظلموني وراحوا يروجون شائعات، ولذلك أنا أفضل الصمت لأنه لن يكون هناك فائدة من توضيح الحقيقة واعلان ملابسات القضية، فلن نجني من ورائه إلا الدخول في مهاترات لا تفيد البلد.

* اذا عدنا الى فترة سجنك هل تتذكر أول ليلة؟

ـ نعم اتذكرها وكانت في 28 فبراير (شباط) 2002 عندما قررت المحكمة في دار القضاء العالي حبسنا احتياطياً، فركبنا سيارة الترحيلات وقضيت أول ليلة سجن في تخشيبة الترحيلات بقسم الخليفة وتقبلت الأمر.

* هل روعي كونك وزيراً وأنت في السجن؟

ـ السجن ليس فيه أي اعتبار لوزير أو غير وزير، وأنا لا أقبل أية استثناءات، وكنت واثقاً أن هذه المرحلة ستمر سواء طالت أم قصرت.

* ما المدة التي قضيتها في السجن وما أصعب أيامك فيها؟

ـ قضيت نحو 25 شهراً في السجن وكل الأيام كانت صعبة، ولم يكذب من قال «ان يوم السجن بألف سنة»، ولكن أصعب أيام قضيتها في السجن عندما قبلت محكمة النقض الطعن في الحكم الأول، ورفضت النيابة الافراج عني، وكان ذلك في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2002 وظللت محبوساً 23 يوماً بالمخالفة لكل قوانين الدنيا، وفي السجن قالوا لي هذه هي الواقعة الأولى التي نشهدها ولم يفرج عني إلا عندما قدمت استشكالاً أمام المحكمة، فخرج الحكم بالافراج عني قوياً وأورد فيه «كيف يمكن مخالفة القانون ويستمر سجن مواطن من دون سند قانوني».

* أنت أول وزير مالية في تاريخ مصر يحاكم، وأول وزير سابق سجن كيف ترى ذلك؟

ـ أرى أنه ظلم، رغم أن هناك من رأوا في هذه المحاكمة محاربة للفساد والمفسدين وكسبوا نجومية بهذه المحاكمة وتلقوا مكافآت.

* ما أقسى عبارة آلمتك وأنت تتابع المحاكمة؟

ـ العناوين التي خرجت بها بعض الصحف «الغريب وأعوانه، الغريب وأتباعه في قضية الفساد الكبرى»، ولكنني تعودت على تجاوزات الصحافة المصرية، وكنت أتمنى أن تكون هناك قراءة مختلفة لحقيقة القضية، كما يحدث في الصحافة الأجنبية.

* من كان أكثر الاشخاص الذين تفتقدهم، وأنت خلف الأسوار؟

ـ أولادي وبخاصة ابنتاي الصغيرتان نيفين 7 سنوات، وحبيبة 4 سنوات ونصف السنة، فلم تكونا قادرتين على الحضور اليّ باستمرار، فالمكان غير مهيأ ولم تعرفا أنني موجود في السجن، ولكن في مكان عمل، ولا أنسى بعد إحدى الزيارات أن ابنتي الصغيرة حبيبة قالت لي: تعالى معي واترك العمل الآن.

* بكيت كثيراً سيادة الوزير وأنت في السجن؟

ـ لا.

* متى بكيت؟

ـ لم أتعود البكاء ويوم صدور الحكم لأول مرة بسجني لم أبك وقيل في الصحف انني بكيت وأصبت برعشة، وأيضاً عندما حصلت على البراءة من محكمة النقض قيل أنني بكيت، ولم يحدث، ولكن بكيت وأنا أجلس بمفردي في بعض الأوقات، عندما كنت أشعر بضيق شديد والشيء الذي ساعدني على تجاوز ألم فترة السجن وأعطاني قوة هو قراءة القرآن الكريم، والمواظبة على الصلاة، فقد ختمت القرآن 33 مرة خلال فترة السجن.

* كيف كنت تقضي يومك في السجن؟

ـ برنامجي اليومي في السجن انحصر في ممارسة رياضة المشي في الصباح بمجرد فتح الزنازين ثم اللجوء الى مسجد السجن قبل الظهر بساعتين مع عدد من المساجين نمضي الوقت في تلاوة القرآن الكريم حتى صلاة العصر، ثم نتناول الغداء ثم نعود الى الزنزانة، البعض كان يفضل مشاهدة التلفزيون، ولكنني كنت اقرأ كتب التفسير لمزيد من التبحر في الدين، وأخلد الى النوم لأعيد الكرّة في صباح اليوم التالي.

* هل كونت صداقات خلف الأسوار، خاصة أنه كان معك اسلاميون ونواب قروض ومسؤولون سابقون؟

ـ في حجز الخليفة حيث قضيت خمسة أشهر لم تسمح لي الظروف بتكوين صداقات، أما في سجن المزرعة الذي بقيت به عشرين شهراً فقد كان معي كثير من المعارف، وكنا نمضي الوقت جميعاً في المسجد لتلاوة القرآن الكريم.

* هل سجلت مذكراتك داخل السجن؟

ـ لم يحدث، كنت مشغولا بالتقرب الى الله وفي أوقات أخرى في قراءة تفاصيل القضية، والمشاركة في اعداد مذكرات الدفاع ومراجعة ما يكتب في الصحف، وأقولها صراحة ان فترة السجن جعلتني أقرب الى الإيمان فقد كنت مشغولا خلال فترة عملي بالحكومة التي أفنيت فيها 14 عاماً من عمري من التاسعة صباحاً وحتى منتصف الليل، وفي النهاية كوفئت بالسجن 25 شهراً حتى الافراج عني بقرار من محكمة النقض.

* ما الفارق بين الغريب قبل السجن وبعده؟

ـ خرجت من السجن أقوى عشرات المرات، ولا أخاف إلا الخالق عز وجل.

* هل تأثرت صحياً بفترة السجن؟

ـ لا، والحمد لله، فقد حافظت على صحتي بالمشي والصوم أياما كثيرة جداً، والطعام المتوازن وقبل كل شيء إيماني بالله والصلاة.

* كوزير سجين من تنكر لك وأنت في السجن، ومن وقف بجانبك من الوزراء والمسؤولين؟

ـ لا داع لذكر الاسماء، ولكن بعد حصولي على البراءة كان أول المهنئين الدكتور مدحت حسانين وزير المالية السابق، واتصل بي الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق والدكتور علي لطفي وعشرات الوزراء ورجال الأعمال والمستثمرين الحافظين للجميل.

* على المستوى الأسري من كان أكثر اخلاصاً لك فترة سجنك؟

ـ زوجتي وأولادها وأشقائي.

* أية تجربة مهما كانت مرارتها لها مكاسبها في تقديرك ما هي المرارة التي بقيت في حلقك من التجربة وما الاستفادة؟

ـ المرارة موجودة بلا شك، ولن تذهب بسهولة، أما الاستفادة فهي أنني تعلمت الصبر وإيماني بالله زاد عشرة آلاف مرة.

* كم تقدر ثروتك؟

ـ أتمنى أن أسدد ديوني أولاً وبعد ذلك نتحدث عن الثروة.

* كيف ترى المستقبل أمامك بعد كل ما مررت به؟

ـ أنا استاذ في كلية الاقتصاد، وسأواصل عملي بالجامعة، وسأطالب بصرف راتبي من شهر نوفمبر (كانون الثاني) 2001 وحتى حصولي على البراءة، فقد رفض الجهاز المركزي للمحاسبات صرف راتبي، إلا بعد صدور حكم واضح بات.