محمد طه الولي.. الشيخ العصري

نادر سراج *

TT

شخصية إسلامية لبنانية شغلت الحياة الثقافة وتركت أثرا في مجال البحث والتأليف والعمل العام. انه الشيخ محمد طه الولي الطرابلسي المولد (1921)، البيروتي النشأة والاقامة، والأزهري الدراسة.

نشأته العلمية بدأت في المدرسة الأهلية في بيروت ومنها انتقل الى مدرسة التوفيق التي كان يشرف عليها المفتي الشيخ محمد توفيق خالد الذي احتضن الشاب الطرابلسي اليافع وخصه برعايته، ومن ثم أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة «الحرش» التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الاسلامية.

طلب العلم الديني في الكلية الشرعية في بيروت ونال شهادتها، وحمله طموحه الى الأزهر الشريف، فالتحق بكلية أصول الدين (1948) وتخرج منها. ولكنه مال الى دراسة القانون، فانتسب الى كلية الحقوق في جامعة فؤاد الأول. وبعد تخرجه عاد الى بيروت حيث درس الحقوق في جامعة القديس يوسف ونال اجازة في الحقوق اللبنانية. وما لبث ان التحق بالمكتبة الوطنية في فيينا ونال منها شهادة في علم المكتبات (1968).

عمل مساعدا قضائيا في محكمة بيروت الشرعية ورئيسا لقسم الصحافة في دار الكتب الوطنية، ثم شغل منصب المستشار الصحافي والثقافي لسفارة تشاد في بيروت. وبالرغم من تحصيله العلمي والديني وتردده على كل من أزهر بيروت والأزهر الشريف في القاهرة، وتخرجه شيخا في عام 1940، فهو لم يضع العمامة. ولكن اللقب الديني واكب مسيرته الحياتية والعلمية، وغلب عليه فعرف في كل المحافل بـ«الشيخ طه».

الحصيلتان العلمية والدينية أهلتاه لخوض غمار البحث والكتابة. توافقت اهتماماته الاسلامية مع ميوله البحثية; فانصرف الى تأليف العديد من الكتب. مؤلفاته الأربعة الأولى تناولت مواضيع تراوحت بين الاسلام المعاصر واهتمامات المستشرقين (الإسلام والمسلمون في المانيا بين الأمس واليوم)، وأعلام المسلمين (عبد الرحمن الأوزاعي شيخ الإسلام وإمام أهل الشام)، والمقدسات الإسلامية (التراث الإسلامي في بيت المقدس وفضائله الدينية)، والفرق الإسلامية (القرامطة). لكنه تميز من خلال المؤلفين الأخيرين اللذين أودعهما حصيلة أبحاثه المتعلقة بموضوعين أثيرين لديه ولدى مجايليه، وهما: «المساجد» و«بيروت»، دراسة تاريخية وتحليلية حول ستة مساجد وهي: المسجد الجرام، المسجد الأقصى، المسجد الأموي، الجامع الأزهر، جامع الزيتونة وجامع قرطية.

أما بيروت التي يعود اليها الفضل في إتاحة المجال أمامه للعمل ونسج العلاقات، فرد لها الجميل عبر كتابة الأخير «بيروت في التاريخ والحضارة والعمران» الذي وضعه في عام 1993، عشية التحول الكبير الذي كانت تعيشه العاصمة آنذاك. فأرخ عبر 350 صفحة ـ بالكلمة والوثيقة والصورة ـ انتقال بيروت من العصور القديمة الى العصر الحديث، بكل ما يحمل هذا الانتقال من المعاني الحياتية والاجتماعية والحضارية. وبذا، كان الشيخ طه سباقا في الالتفات الى موضوعين جوهريين يتكاملان، دورا وأهمية في مسار مجتمعه الاسلامي في لبنان.

طه الولي شخصية متميزة بالحضور المحبب وسعة الاطلاع وسرعة البديهة. هو واحد من الرعيل الأول الذي لم يعش على هامش الأحداث. واكب حقبا مفصلية في تاريخ لبنان والمنطقة منذ ان كان يافعا يتظاهر ويطالب بالوحدة مع سورية ويناضل ضد الانتداب الفرنسي ويزج في السجن. كما شهد التحولات الجذرية التي عرفتها مجتمعاتنا العربية. فراقب وسجل وحلل. فعبر في مؤلفاته ومقالاته وأبحاثه عن جل اهتماماته ان في مجال العمل الاسلامي في لبنان أو في مجال النهضة الاسلامية في أوجهها العمرانية والحضارية.

استند الى ثقافته الاسلامية الكلاسيكية ورفدها بخبرة علمية أهلته للمشيخة العلمية التي تبوأها لدى عارفيه ومحبيه. معالم شخصيته جمعت بين ملامح العالم التقليدي وسمات الباحث العصري، فسعى على الدوام للبحث عن المعرفة في مختلف مصادرها وأشكالها المتوفرة.

في سنواته الأخيرة لم ينقطع عن تزويد الصحف والمجلات في العالمين العربي والاسلامي بمقالاته التي تناول فيها موضوعات التاريخ الاسلامي وتراث العرب المسلمين من النواحي العمرانية والأثرية والعلمية.

الكتاب عنون مسيرته العلمية، فسعى خلفه يقرأه، يصنفه، يكتب عنه، يؤلفه ويجمعه. فامتلك مكتبة غنية بالمؤلفات التراثية والتاريخية والاسلامية وتراجم الرجال، أوقفها قبيل وفاته (2001)، على المعهد العالي للدراسات الاسلامية التابعة لجمعية المقاصد الخيرية في بيروت. فكان قدوة في حياته ومماته.

* باحث لبناني