رذاذ الماء الصناعي.. يخفض درجة الحرارة ويرطب الهواء.. ويريح الجسد

أماكن كثيرة ترشه في الرياض من أجل عملائها

TT

«وكأنك جالس على أحد المرتفعات الجبلية في متنزهات أبها أو الباحة أو الطائف، فغمرك الضباب المحمل بكميات كبيرة من بخار ماء البحر الأحمر، فجعل مكان جلوسك لطيفاً ومنعشاً، لا سيما بعد ملامسة رذاذ الماء لكامل جسدك، فأصبحت خلفية المكان بيضاء كلون الضباب، حيث اخترق السحاب الشجر والحجر والناس بكل هدوء وسلاسة».

هذا ما قاله عدنان العبيد، 24 عاماً، غير أن المكان غير ما قال، لانه كان واقفاً إلى جانب سيارته في شارع التحلية (الشانزليزيه)، وسط العاصمة السعودية، الممتدة على هضبة نجد، والمطلة على صحراء الدهناء، وتحديداً في النصف الأخير من شهر مايو (أيار)، حيث السماء صافية، والجو خال من الرياح، ومع ذلك كله، يحيط بك رذاذ الماء من كل جانب!! سواء كنت تسير فوق الرصيف في طريق الأمير عبد الله، أم كنت تحتسي فنجاناً من القهوة في باحة أحد المقاهي المنتشرة في شارع التحلية، أو تشرب الشاي مع أصدقائك في أحد المقاهي الشعبية المتناثرة على أطراف المدينة، أو تأكل مع عائلتك في أحد المطاعم العائلية المفتوحة، أو تستجم في إحدى الاستراحات الخاصة.

في كل الأحوال، ستجد أن درجة الحرارة منخفضة عن مستواها الفعلي، وكأنك في الجزء الأول من فصل الشتاء، وستشعر بأن نسبة الرطوبة قريبة لما تسجله المدن الساحلية، لكن أقرب مسطح مائي طبيعي، يبعد عنك أكثر من 400 كيلومتر تقريباً، ولكنك ما زلت في الرياض! قطعاً ليس في الأمر مبالغة، ولا يوجد شيء خارق للعادة، فكل ما هنالك، وجود شبكة من الأنابيب المصنوعة من البلاستيك، والمثقوبة في نقاط متساوية المسافات تقريباً، تغطيها رؤوس معدنية مليئة بالمسامات الصغيرة جداً، وتمتد تلك الأنابيب على أعمدة من الحديد، أو على جذوع النخل، على ارتفاع لا يتجاوز المترين ونصف المتر، يضخ فيها الماء بقوة ضغط معينة، يتحول من خلالها الماء من حالته العادية، إلى رذاذ خفيف ينتشر في أرجاء المكان، تحمله بعض نسمات الهواء، ويصبح المكان أكثر لطفاً وانتعاشاً، خصوصا بوجود مساحة من العشب، تتخللها بعض الأشجار الصغيرة.

عيسى، شاب سعودي آخر، يجلس وحيداً في أحد المقاهي الشعبية شمال المدينة، ويتكئ على مسند للظهر فوق سجادة وسط مساحة من العشب، ويستقبل رذاذ الماء بكل حواسه، ويستنشق من دخان الشيشة المعسل. سألته عن رأيه في رذاذ الماء الصناعي الذي يعلو رأسه، فقال: «انه من الاختراعات المهمة التي استخدمت في الرياض، يجعل درجة الحرارة أقل من العشرين درجة مئوية، وأنت في «مربعانية القيظ»، يعني الأربعين يوماً الأكثر حرارة في فصل الصيف في العاصمة السعودية، فالهواء عليل ولطيف، مليء بالرطوبة، بأفضل حال من الدمام أو جدة، فهناك نسبة الرطوبة عالية، لكنها مؤذية للجسد والنفس، خاصة بعد تصبب العرق من كل مسام في جلدك». وسبق أن استخدمت عملية رش رذاذ الماء الصناعي، كأول مرة في السعودية خارج المجال الزراعي، في بعض المشاعر المقدسة خلال موسم الحج في تسعينات القرن الماضي، بهدف تخفيض درجة الحرارة في معظم فترات النهار، وفي الأماكن المزدحمة بالحجاج، مما ساهم في تسهيل سير الحجاج بين مناسكهم، وهو ما أشادت به شريحة كبيرة من الحجاج بعد عودتهم من مكة المكرمة.

وكان ذلك تأكيدا لما ذهب إليه عدد من العلماء، عندما توصلوا إلى أن سقوط رذاذ الماء أو بلوراته على الحرارة أو الضوء، يولد شحنات كهرومغناطيسية، من خلال تحرير أيونات سالبة الشحنة، وتقليل الأيونات الموجبة، ما يخلق حالة من الاسترخاء العضلي، وبرودة في الأعصاب، الأمر الذي يساعد على التخلص من ارتفاع ضغط الدم، كما يؤدي إلى إزالة الآلام العضلية الناجمة عن الشد العضلي، وبذلك يتحرر الإنسان من الشد النفسي والتوتر والأرق. اليوم، تتنافس معظم محلات الرياض، والتي تقدم خدمات تتطلب من عملائها الجلوس في حرمها المكشوف، على تركيب هذه التقنية، لكسب العملاء المترددين في ارتيادها، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، سواء في الليل أو النهار، ولإضفاء جو من الرومانسية عند حلول المساء، يتم تخفيت الأضواء، أو تركيبها على الأرض أو بين الأشجار، خاصة في المطاعم العائلية المفتوحة.

وذكر أحد المهندسين المختصين بتركيب أنظمة رش رذاذ الماء، أن المتر الواحد يكلف ما بين 300 ـ 500 ريال سعودي، ويختلف السعر باختلاف المكان، ولكن هناك إقبالا على تركيبها في القصور والفلل والمجمعات السكنية والاستراحات الخاصة، وفي بعض المطاعم المكشوفة وكثير من المقاهي الشعبية ومحلات بيع القهوة والمشروبات الساخنة، وعادة ما يزداد الطلب عليها في شهري إبريل (نيسان) ومايو (أيار) من كل عام، وتعد تقنية حديثة في سوق ديكور الحدائق والوحدات السكنية، لأن انتشارها لم يتجاوز الستة أعوام.