عضو جمعية حقوق الإنسان: لم نكن نعلم بوجود الحارة ولا بد من إقرار زيارة عاجلة لهم

حارة «الغلابة».. 20 عاما من المعاناة

TT

تعتبر حارة «المغتصبة»، الواقعة في حي المرسلات في الوسط الشمالي للعاصمة، واحدة من المناطق السكنية الأكثر احتياجاً للبنى التحتية فيها، حيث لا صرف صحي ولا شبكة مياه، وبعض المنازل تستخدم مولدات كهربائية خاصة لإنارة ليلهم الحالك، ولا توجد الطرق بالمفهوم الحقيقي لها، فهناك بقايا أسفلت مغطى بشيء من الطين والرمل والحجارة، ويعد مدخل الحارة وكأنه سور لمنزل شعبي في قرية بعيدة عن المدينة.

وتطلق على الحارة تسميات عديدة، منها «الغلابة» أو «المسروقة»، إضافة إلى «المغتصبة»، وهي مفردات تعكس اختلاف الآراء ما بين شرائح المجتمع «العاصمي» حول وضع الحارة وساكنيها.

وعلى بعد أمتار معدودة، تفصل العابر ما بين الطرق المعبدة وأعمدة الإنارة وأبراج الكهرباء والهاتف، تتلاشى معظم معالم المدنية وتظهر معالم أخرى لحارة ما زالت طرقها عذراء لم تمسها أيدي عمال شركات المقاولات، مع وجود منازل طينية أو إسمنتية صغيرة ومهترئة لا يمكن أن توجد حتى في الأحياء القديمة في الرياض.

وليس بمقدور الزائر التخلص من فضول أهالي الحارة، سواء أكانوا أطفالا أم بالغين، ليجتمعوا ويتضافروا لمواجهة الغريب لخشيتهم من سوء عاقبة الزيارة، وكأن العالم الخارجي كله عدو لهم.

وقامت «الشرق الأوسط» بجولة خاصة في الحارة، والتي لم يكن لها أن تستمر لأكثر من ثلاث ساعات نظرا لخطورة الوضع الأمني هناك، لتظهر بعض الملامح لحياة قاطني الحارة اليومية، ممن استوطنوا المنطقة قبل أكثر من 40 عاما بخيمة خاصة منذ هجرتهم من البادية، والى المدينة، بحثا عن حياة هانئة ووثيرة.

شبكة إمدادات المياه والصرف الصحي والكهرباء والهاتف، إلى جانب تعبيد الطرق وتسويتها، جلها خدمات حجبتها الأمانة العامة لمدينة الرياض عن الحي الشعبي وقاطنيه، استناداً على قرار حكومي، فالأرض تعود ملكيتها لجهة حكومية، والسكان سكنوا فيها قبل أن يصل العمران إليها، وبالتالي رفضوا الخروج بعد علمهم بملكية الأرض لجهة رسمية، وما زال الوضع عالقاً حتى اللحظة.

وعقب أن استأنس أهالي الحارة لـ «الشرق الأوسط»، في الوقت الذي سعد فيه الأطفال بالسيارة الزائرة ولعبوا بها كإحدى الدمى التي حلموا بها، شرعوا في التجمهر والتجمع للبوح بما يعانونه، متوسلين الجهات المسؤولة، ضرورة الإسراع في إعادة النظر بأحوالهم المعيشية، وبالأخص قبيل هطول أمطار فصل الشتاء المقبل، والتي تتسبب، كما الأعوام السابقة، باجتياح مياه الأمطار لمنازل المئات من القاطنين وإغراقها، حتى لا يجد رجال الدفاع المدني سبيلا سوى تعويض الأهالي بخيم للإقامة فيها بشكل مؤقت.

إلى جانب افتقارها للجانب الأمني، يصعب على رجال الأمن دخول المنطقة دون أي دعم أمني كبير حفاظا على سلامتهم، وكما أوضحوا فكثيرا ما تشكو المنطقة من تعدد السرقات والاعتداءات، تطلب بسببه اعتماد الجهات الأمنية في حال البلاغ عن أي مطلوب على عدد من التحريين بلباس وسيارات مدنية، أو الاعتماد أثناء المداهمات على عدد كبير من سيارات الشرطة الخاصة، ليكون التساؤل هنا، ماذا عن أهالي المنطقة أنفسهم، إذا كان يعجز رجل الأمن عن دخول المنطقة منفردا؟·وتمتد معاناتهم بتحذير الدفاع المدني للأهالي أخيرا بعدم ملاءمة المنازل للسكن، واحتمالية انهيارها وسقوطها في أي لحظة على قاطنيها، ورغم ما دونته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على بوابة المسجد الوحيد الذي تستمع الحارة لأذانه ليلا ونهارا، وهي أن «المسجد آيل للسقوط، يمنع الصلاة فيه»، غير أنه لا زال يحتضن بين جنباته العشرات من سكان الحي خمس مرات يوميا لانعدام البديل·وتعود أحداث القصة التي طرفاها أهالي الحي وآخر الجانب الحكومي ممثلاً في وزارة الدفاع والطيران إلى سنوات عديدة، حيث استوطنها السكان بوضع اليد عليها منذ بداية تأسيس الوزارة، واقتصار العمار السكاني على وسط الرياض القديم (البطحاء)، إلا انه وعقب ما لحقت بهم المدينة، بدأت مطالبة الوزارة بأحقيتها في استعادة الأراضي·ومع رفض الأهالي إخلاء المنطقة وإصرارهم على البقاء، لانعدام البديل ولبساطة أوضاعهم المالية والمعيشية، احتدم النزاع ما بين الأطراف كافة، ليقرر عدم إمداد الحارة بالخدمات الحكومية من مياه وكهرباء وصرف صحي إلى جانب إبقاء الطرق دون تعبيد أو تسوية. ويشبه وضع حي »الجبس« في جنوب الرياض، وضع حارة «المغتصبة»، أيضا له ذات المعاناة والمأساة إلا أنها بدأت في التلاشي عقب صدور الأمر السامي منذ عام 1405هـ برقم 99م/2024 والذي مضمونه حصر الاحداثات وتعويض القاطنين ما يقابلها، إلا انه ورغم قدم صدور القرار، لا زال يواجه بعض المعيقات لتطبيقه حتى اليوم الحالي.

واكد تركي المطيري شاب في العشرين من عمره تملكه هو وأسرته منذ عام 1402هـ لمنزلين يحتوي الواحد منهما على 4 غرف، تتوزع فيهما أسرته المكونة من 10 أشخاص بعد شراء أحدهما بقيمة 90 ألفا والآخر 32 ألف ريال، حرموا فيهما رغم ذلك من الماء و الكهرباء والهاتف وحتى المدارس إذ لا يتوفر في الحي أي مبنى مدرسي سواء أكان حكوميا أم مستأجرا.

وأعرب لـ «الشرق الأوسط» عن قلقه من الفيضانات التي يتوقع حدوثها في فصل الشتاء الحالي، تماما كما العام الماضي لعدم توفر المصارف الصحية بالإضافة إلى امتناع الأمانة من تعميد الطرق الرئيسية للحي بأسره.من جهتها ذكرت «أم مقرن» دفعها لأجرة المنزل وشهريا لأحد الملاك، يدعى (مناحي)، بقيمة 1000ريال أي ما يعادل 12 ألف ريال سنويا، منوهة على عدم تمكنها هي وأسرتها لضيق الحال من مغادرة الحي رغم الأوضاع القاسية التي أجبروا على تحملها لما يقارب العشرين عاما وهي مدة قدومهم إلى الحي. بثلاث غرف تحوي 15فردا تقضي «أم مقرن» ما تبقى لها من سنوات عمرها، وكما وصفت معاناتها بأنه لا يمكن احتمالها لغياب المباني المدرسية على مختلف مراحلها إلى جانب ما يعانونه من مصاعب لتدبير أمر المياه حيث عادة ما يلجأون إلى تعبئة خزانات المياه مرة كل يومين وبقيمة 30 ريالا، لا تحتملها معاشاتهم المتواضعة التي تتطلب إعالة 13 طفلا.

ولم تختلف معاناة «أم رشاد» و«أم محمود» عن جارتهما السابقة بل زادتا عليها بخشيتهما على أطفالهما عقب تفاقم الحال سوءا جراء انتفاء الجانب الأمني وكثرة السرقات والتعديات وسط الحارة، إلى جانب المشاحنات فيما بين الصبية و التي يعود سببها إلى ضيق الحال الذي أرغم الشباب على قضاء جل وقتهم خارج المنزل.

وللاطلاع أكثر على سوء الأحوال المعيشية التقت «الشرق الأوسط» الشيخ عبد الله الحربي، والذي يعمل سائقا لقطاع خاص، خلال جولة في منزله لملامسة تواضع الحال الذي يعيشه هو ومن جاوره عن قرب، 4 غرف و10 أطفال في مساحة لا تتجاوز 150 مترا.هكذا بدأ عبد الله الحربي حياته بعد أن استبدل بيت الشعر الذي نصبه منذ 40 عاما كما ذكر وأكد بالبناء المتواضع، الذي لا يزال يستخدم فيه جرة الماء ويستمع إلى العالم من خلال أول جهاز مذياع تم تصميمه والذي هو بحجم التلفاز الآن، وعلى عكس ما نشاهده من لواقط للقنوات الفضائية في المنازل الحديثة، كان «لابي محمد» لاقط وإنما من نوع آخر، وذلك لالتقاط الخط الهاتفي والذي يطلق عليه باللهجة المحلية بـ «الساقط».

من جانبه، أكد أحد القضاة تحتفظ «الشرق الأوسط» باسمه، أن من يتصرف بأرض ما لمدة تصل حتى الثلاثين عاما يعد بعد ذلك مالكا لها ولا يمكن لأي كان إخراجه منها.وأوضح انه من حق السكان المتضررين اللجوء إلى المحاكم لطلب رفع الضرر عنهم جراء حرمانهم من الخدمات الحكومية، مؤكدا أنه ليس للأمانة الحق في حرمانهم من الخدمات تبعا للأمر السامي الذي أوجب إيصال وتوفير كافة الخدمات لكل من يقطن ويبني مسكنا له في أي موقع.وأضاف انه في حال ثبت تصرفهم بالأراضي كملاك فليس للجهة الرسمية الحق بإخلائهم سوى في حال تعارض سكناهم مع تنظيم البلدية وتخطيطها للمنطقة أو تخصيصها لمشاريع حكومية لتباع لهم بهذه الحالة بالثمن الذي تسعر فيه ذات الأرض في الوقت الحالي.

وعلى الصعيد ذاته أوضح المحامي خالد المطيري أن الأراضي الحكومية تعتبر من الأموال العامة التي لا يجوز تملكها دون إذن من المقام السامي، وفقا لما نص عليه البيان الملكي في عام 1397هـ والذي يقول بضرورة إزالة أي احداث يقع في أراض سكنية دون دفع أي تعويض ما لم يكن ذلك بإذن مسبق من المقام السامي.

وأشار إلى أن الجهة الإدارية عادة لا تلجأ إلى القضاء لإثبات حقوقها وإنما تقوم بالتنفيذ وعلى المتضرر من ذلك اللجوء للقضاء وفي حالة هؤلاء الساكنين فللإدارة الحق بإصدار قرار يقضي بإزالة جميع المباني الموجودة ووضع يدها على الأرض ـ متى ما كانت مملوكة لها ـ وللمتضرر من ذلك الحق في إقامة دعوى قضائية بطلب إلغاء القرار والتعويض عما لحقه من أضرار.

وفي حالة كان الساكنون يدعون ملكية الأرض وإنما دون أوراق تملك شرعية فانه يحق لهم التقدم بطلب إثبات للملكية وإصدار صكوك شرعية بها إلى المحكمة العامة وفقا لنص المادة 251 من نظام المرافعات الشرعية، وفي حال وجود جهة إدارية معترضة على هذا التملك تنظر في دعوتها أمام قاضي طلب الاستحكام.

ونوه المطيري إلى أن عدم قيام الإدارة باتخاذ قرار بإزالة هذه الاحداثات طوال هذه المدة الزمنية الطويلة دون أي عذر شرعي يسقط هذا الحق بالتقادم وان كان حق التقادم لا يعتبر سببا صحيحا من أسباب التملك أو سقوط الملكية في الشريعة الإسلامية إلا انه يعد سببا في منع سماع الدعوى.

برر مصدر مسؤول في أمانة مدينة الرياض طلب عدم ذكر اسمه عدم تقديم الخدمات الحكومية بإقامة الأهالي مساكنهم خلف المساحة العسكرية عن طريق التعدي على الأراضي الحكومية دون امتلاك أية صكوك ملكية، مؤكدا انه لا يمكن للأمانة مساواة السكان النظاميين بمن هم غير ذلك من خلال توفير احتياجاتهم الحياتية. وارجع المصدر نشوب الخلاف إلى بداية نشوء المساحة العسكرية والتابعة لوزارة الدفاع والطيران، والتي تزأمن قيامها مع تعدي بعض الأفراد العاملين في المساحة ذاتها على جزء من الأراضي ووضع اليد عليها، واعمارها بالبناء السكني بعد ذلك، مضيفا أنه ورغم غياب صكوك الملكية أتم البعض مبايعاتهم وتأجيرهم للأراضي بأوراق مزيفة. وحول الحل المطروح من قبل الأمانة وتفاديا لتراكم إشكاليات أخرى أكد المصدر صدور أمر سام منذ ما يقارب الأعوام الأربعة، ينص على حصر التعديات وتعويض الأهالي بقطع أراض تماما كما هو الحال مع حي «الجبس» الذي كان قد سبقه بقرار سام آخر منذ عدة أعوام.

وفيما يتعلق بتأخر تطبيق القرار الخاص بحي »الجبس« لسنوات عديدة عقب صدور القرار، نوه إلى أن ما قام به بعض الأفراد من تجاوزات في التعدي على ما تبقى من أراضي المنطقة المحيطة طمعا في التعويض المقرر لقاطني الحي الذي صدر القرار لأجلهم، كان السبب الرئيس في اختلاط الأمر على حقيقة المستحقين فعليا.

وفيما يتعلق بالأمر السامي والذي أقر الاستحكام والحيازة نفى مسؤول الأمانة انطباق القرار بحالهم حيث نص على أن الاستحكام لا ينظر فيه سوى في حال كان منذ عام 1387هـ، وهذا ما لا ينطبق على أهالي حي «الغلابة» كون مدة استيطانهم للأراضي لا تعادل الفترة المقررة رسميا.

* وجهة نظر حقوق الإنسانفي ذلك أكدت الدكتورة سهيلة زين العابدين عدم إلمام جمعية حقوق الإنسان بحقيقة كل من حي الغلابة أو حي الجبس، موضحة انه لا بد على الجمعية الاطلاع في الأيام المقبلة على حقيقة أوضاع الساكنين وإيجاد حل لهم، حيث إن لكل إنسان الحق بالعيش بكرامة وتوفير كافة الخدمات له.وأفادت بضرورة إيجاد حل ما لإنهاء المشكلة القائمة ما بين القاطنين والمساحة العسكرية وبصورة قانونية ترضي كل الأطراف المعنية.

وحتى ذلك الحين يبقى مئات المواطنين في منازل مهددة بالسقوط في أي لحظة، وتبقى حارة الغلابة بظلامها تثير قلق ومخاوف الأحياء المجاورة.