انتحال الهوية جريمة تهدد أصحاب العقارات

حاول الساكن بيع عقار بعد انتحال شخصية مالكه ولم تنكشف الحيلة إلا في آخر لحظة

TT

انتحال الشخصية او سرقة الهوية جريمة منتشرة بكثرة هذه الايام، وتقول الاحصاءات انها في زيادة متواصلة، ولها ضحاياها من كل الفئات خصوصا من بين مستخدمي بطاقات الائتمان. لكنها تترصد بشكل خاص اصحاب العقارات وتؤثر عليهم اكثر من غيرهم، لانها يمكن ان تصيبهم في ناحيتين: فالساكن المحتال يمكنه ان يحاول انتحال شخصية مالك العقار، وهناك حالات معروفة لسكان باعوا العقارات التي يسكنون فيها وهربوا بثمنها وكان مالك العقار الأصلي هو آخر من يعلم. هناك ايضا خطر فئة اخرى من السكان الذين ينتحلون شخصيات وهمية ويسكنون بمقتضاها في عقارات وفق وثائق موقعة ولا قيمة لها. ومعظم هؤلاء لا تكون لديهم النية على دفع اي ايجار، كما ان اخلاءهم من العقار يكون صعبا.

ووفقا لشروط البنوك والشركات المالية فان المقترض او طالب بطاقات الائتمان عليه ان يقدم اثباتا لمقر اقامته مثل فواتير الكهرباء والغاز المثبت عليها اسم الشخص والعنوان المنزلي. وهذه عملية سهلة لاي محتال يمكنه الحصول على فواتير تصل الى العقار بريديا باسم صاحبه او باسم الساكن السابق فيه. وهذه نقطة ضعف خطيرة في الاجراءات المالية لا بد من معالجتها بإثباتات اضافية مثل جواز السفر او بطاقة الهوية التي لا تستخدم بعد في بريطانيا. ولا يكتفي المحتال في العادة بالاعتماد على وصول البريد، انما يبحث عن مصادر معلومات اخرى منها فحص المخلفات المنزلية التي يلقي اصحابها فيها بالوثائق التي يمكن سرقتها، مثل رسائل البنوك وبطاقات الائتمان وفواتير الشراء والفواتير المنزلية. واحيانا يلجأ المحتال الى الانترنت لتعقب اي معلومات عن الاشخاص الذين ينوي انتحال شخصيتهم.

وفي حالة واحدة على الاقل قدم مستثمر عقاره للايجار لساكن وترك في المنزل في غرفة مغلقة كل متعلقاته الشخصية بما فيها صكوك الملكية، فما كان من الساكن الا محاولة بيع العقار بعد انتحال شخصية مالكه ولم تنكشف الجريمة الا في آخر لحظة لعودة المالك المفاجئة من سفر. وكشفت التحقيقات ان الساكن المحتال سكن العقار اصلا بشخصية وهمية وكان من المستحيل الوصول اليه لو انه اتم بيع العقار بالتزوير. وهناك العديد من الحالات التي كانت فيها محاولات التحايل صغيرة بحجم التهرب من دفع الايجار او عدم دفع اقساط بطاقات الائتمان او فواتير مشتروات.

هناك بعض الخطوات التي يمكن اتباعها لتقليل خطر الوقوع ضحية لمثل هذا الاحتيال واهمها جمع اكبر نسبة من المعلومات عن الساكن قبل الموافقة على منحه مفاتيح العقار. من هذه الاجراءات طلب تعبئة بيانات الساكن الكاملة، بما في ذلك اسماء اشخاص يمكن سؤالهم عن شخصيته، بالاضافة الى عناوين السكن السابق للاستفسار عنه، وعنوان العمل للتحري عنه ايضا. وكلما زادت المعلومات عن الساكن كلما كان ذلك افضل، لان مثل هذه المعلومات تمثل الوسيلة الوحيدة المتاحة لتعقب الساكن قانونيا اذا ما ارتكب مخالفات، خصوصا في ما يتعلق بانتحال الهوية.

ولا بد من اجراءات التحري الحقيقية وعدم الاكتفاء بالنظر الى الوثائق، فمن السهل تزوير خطابات تحمل اسماء شركات وهمية، ولا بد من اجراء الاتصالات واستكمال الاجراءات القانونية عبر العديد من الوسائل. ويجب السؤال عن الحسابات المصرفية وفواتير الهاتف الجوال والتأكد من مصادر الدخل.

وتقول تجارب العديد من اصحاب العقارات ان الجهد المبذول في البداية قد يكون وقاية من مشاكل تقع في ما بعد. ويصر بعض اصحاب العقارات على مشاهدة تقارير حسابات البنوك للأشهر الاربعة الاخيرة للمستأجر، للتأكد من ان الحساب يتبعه فعلا. فمن السهل سرقة تقرير شهري واحد، لكن من الصعب تجميع اربعة اشهر متتالية، كذلك لا بد من التحدث مع الاشخاص الذين استشهد بهم الساكن للدلالة عى حسن سلوكه، فأحيانا يغير هؤلاء رأيهم في فارق واضح بين الحديث وبين كتابة خطابات التوصية.

واحيانا يكون الاصرار على تقديم الوثائق المطلوبة مفيدا في حد ذاته لانه في معظم الاحوال يقنع المحتال على الانسحاب بهدوء والبحث عن ضحية اخرى اسهل منالا.

ولا بد من الاشارة الى ان الحماية من جرائم انتحال الشخصية لا تقتصر على العلاقة بين السكان واصحاب العقار، فالعديد من الحالات تقع يوميا من اشخاص لا تربطهم اي صلة بالضحية. وفي هذا الصدد، ولأهمية هذا الجانب، ينصح خبراء الحماية الشخصية ببعض الاجراءات التي يمكن بها تأمين المعلومات الشخصية ومنع الوقوع ضحايا لجرائم انتحال الشخصية. من هذه الاجراءات:

> التحقق من المعلومات التي ترد في فواتير بطاقات الائتمان وحسابات البنوك والتعرف على كل التعاملات فيها والبحث عن تعاملات غير عادية. واحيانا يلجأ المحتالون الى صرف مبالغ صغيرة تمر بين سطور الحساب وكأنها مصروفات عادية، لا بد من التأكد شهريا من ان كل نواحي الانفاق حقيقية.

> لا بد من تمزيق كل الوثائق التي تحمل اسم وعنوان صاحبها باجهزة تمزيق الوثائق Shredders، والتخلص منها ضمن نظم جمع القمامة الرسمية وعدم ترك القمامة في مواقع عرضة للسرقة، حيث تمثل القمامة في العادة اهم مصادر معلومات مجرمي انتحال الشخصية.

> لا تستخدم كلمات سر بديهية في بريدك الالكتروني وتعاملاتك مع الشركات على الانترنت وغير هذه الكلمات بين الحين والآخر. وينصح الخبراء باستخدام مجموعة من الحروف والارقام وعدم الاكتفاء بالحروف فقط، فالارقام تجعل من الصعب فك الشفرة آليا.

> عند الانتقال من موقع اقامة لآخر لا بد من ابلاغ الشركات والبنوك والجهات التي تتعامل معها بتغيير العنوان، واطلب تغيير وجهة البريد الى المقر الجديد، كذلك اطلب من السكان القدامى تغيير وجهة بريدهم ايضا. وهناك خدمات تقدمها بعض ادارات البريد لتحويل البريد من مكان لآخر خلال فترات زمنية معينة حتى يستقر العنوان الجديد لدى كل المتعاملين مع الشخص المعني.

> لا بد من اجراء الكثير من التمحيص والتحري عن السكان الجدد قبل تأجير العقارات لهم.

وتقول احصاءات هيئة سيفاس Cifas، التي تكافح الاحتيال في بريطانيا ان عدد ضحايا جرائم انتحال الشخصية في بريطانيا وحدها بلغ 50 الفا في العام الماضي صعودا من 43 ألفا في عام 2002. وتقدم هذه الهيئة، التي تأسست عام 1988، العديد من الخدمات للحماية من الاحتيال ويدخل في عضويتها معظم البنوك والمؤسسات المالية.

وتعمل الهيئة كموقع مركزي للمعلومات حول حوادث الاحتيال بغرض حماية المؤسسات المالية الاعضاء. فلو تلقت شركة عضو بيانات اتضح انها مزورة، فإنها تعلن على شبكة المعلومات الداخلية فورا اسم وعنوان الشخص المزور، وخلال دقائق تكون هذه المعلومات متاحة لكل الشركات الاعضاء. ولا تعني هذه المعلومات المنع التلقائي للأسماء الواردة، حيث ان بعضها قد يكون منتحلا من المحتال الحقيقي، لكن البنوك والمؤسسات المالية تتخذ المزيد من الحذر عند التعامل مع اسماء وعناوين مشكوك فيها وتجري المزيد من التحريات. في الحالات العادية قد لا تستغرق عملية الموافقة على صرف قرض او استخراج بطاقة ائتمان عدة ساعات، لكنها في الحالات المشبوهة قد تستغرق عدة اشهر وقد ترفض. وتحتم اجراءات سيفاس الداخلية ابلاغ الضحايا فورا بأن اسماءهم او عناوينهم تستخدم من اطراف ثالثة حتى يقوموا باجراءات حماية لانفسهم. هذا وتستخدم الكثير من الهيئات الحكومية ايضا خدمات سيفاس لمنع تعرضها لعمليات احتيال، خصوصا في ما يتعلق بانتحال الشخصية. ومن الجهات الناشطة في استخدام خدمات سيفاس كل من ادارة الهجرة والجوازات ومصلحة الضرائب والجمارك ومصلحة البريد والجامعات والمعاهد العليا.

وبعد نجاح الهيئة في تخفيض نسب الاحتيال في بريطانيا عملت بعض الدول الاخرى على تطبيق نماذج مشابهة لها قي كل من جنوب افريقيا والمانيا وايرلندا، وهي هيئة تصلح بالتأكيد لكي تكون نواة لهيئات عربية مشابهة. وتقوم الهيئة بنشاطها الذي لا يهدف للربح، عن طريق اشتراكات مالية من البنوك والمؤسسات الاعضاء فيها، التي تستفيد من خدماتها. وقد ساهمت الهيئة في تخفيض خسائر الاحتيال بنسب كبيرة خلال فترة عملها السابقة.

وكانت احدى القضايا التي نظرتها الهيئة اخيرا لمواطن فوجئ بقرار رفض منحه بطاقة ائتمان وعندما تحرى الامر اكتشف ان ساكنا في المنزل الذي كان يقيم فيه قبل انتقاله انتحل اسمه واستخدمه في الحصول على العديد من بطاقات الائتمان والقروض التي لم يسددها. واستغرق الامر عدة اشهر لاعادة الامور الى نصابها الصحيح واستخراج بطاقة ائتمان جديدة للضحية الذي استعاد بصعوبة تاريخه الائتماني الناصع.