«أم القرى»: الصحيفة الرسمية للدولة السعودية لأكثر من 80 عاما

مطبوعة عجوز تترقب إعادة شبابها مجددا

TT

إثنان وثمانون عاما هو عمر أقدم صحيفة سعودية، اختار لها الملك عبد العزيز آل سعود ملك السعودية اسم «أم القرى»، واختار لها مقرا أيضا أم القرى «مكة المكرمة»، ميزة هذه الجريدة أنها تنشر كل ما يصدر عن الدولة من قرارات وبيانات حكومية وتخص المواطن، أم القرى ــ الصحيفة ــ لم تتوقف عن الصدور سوى ثمانية أسابيع فقط في عام 1942، العام الذي شهد فيه العالم أجمع أزمة عرفت بـ«أزمة الورق» بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وحينما صدرت الأوامر بايقاف جميع الصحف الصادرة في السعودية آنذاك لمواجهة هذه الأزمة، استثنت تلك الصحيفة التي يصفها البعض بـ«المدللة» من قرار الايقاف بسبب استثنائها، حتى بعد ان علم الملك عبد العزيز طيب الله ثراه بتوقف الجريدة بسبب انتهاء المخزون الورقي في مخازن الجريدة وعدم وصول الدفعات الورقية المقرر وصولها الى المطبعة، بادر الملك بارسال الشيخ عبد الله السليمان وزير المالية في ذلك الوقت لتأمين الورق من بعض الدول المجاورة على وجه السرعة، وبالفعل عادت أم القرى للصدور من جديد، ولكن بحجم صغير وبصفحتين فقط طيلة مدة الحرب، ومن الملاحظ في هذه الجريدة انها لا تحمل اسما لرئيس تحرير أو مدير تحرير وحتى محررين باستثناء يوسف ياسين الذي كان أول ظهور لاسمه في رأس الجريدة في العدد الثالث للجريدة في 26 ديسمبر 1924 مديرا مسؤولا عنها، وكان اسمه يظهر تارة ويختفي تارة حتى 20 أغسطس 1926 حيث رفع اسم المسؤول من الجريدة واستمرت كذلك حتى يومنا الحالي، بينما تحمل أعدادها الحالية اسم مدير الجريدة فقط في الصفحة الأخيرة منها، ويرى عدد من النقاد والاعلاميين أن جريدة أم القرى لا تخضع لمنهج معين في الترتيب والتبويب، الا أنها كانت تتبع ميول رئيس تحريرها دائماً، فتارة تتميز بالمقالات السياسية، وتارة بالمقالات الدينية والرحلات، وتارة تتميز بالبحوث التاريخية، وأحيانا تتميز بالمقالات والبحوث التي تتناول الأدب والتاريخ، أو تنتقد بعض العيوب الاجتماعية وطرق التعليم البالية. جريدة أم القرى لم تكن مختلفة في ذلك وحسب وانما بدت مختلفة حتى في اعلاناتها، فعلى خلاف ما تنتهجه بقية الصحف من حرصها على الاعلانات التجارية تبقى أم القرى تضم بين صفحاتها الاعلانات الحكومية فقط، كمنح الجنسية أو اسقاطها، وطرح المشاريع والمناقصات الحكومية، واستئجار بعض المباني والاعلان عن مزايدة ما.

أما على الصعيد الخبري والأخبار فقد اهتمت الجريدة في الوقت الحالي بنشر أخبار القيادة السعودية، وكل ما يتعلق بالدولة ونشاطاتها السياسية والاقتصادية وخلافه، أي على نفس النهج الذي اختطته الجريدة في سياستها العامة في طريقة أدائها، فيما كانت هذه الجريدة تنفرد في السابق ببعض الأخبار الطريفة والغريبة في ذلك الوقت، ومن هذه الأخبار «ظهور ما يعرف بأول مسجلة للصوت في السعودية»، و«استخدام الآلة الكاتبة في أحد المرافق الحكومية»، وخبر تحت عنوان آلة تبيع الصحف تثني على قرائها جاء فيه «من أعجب المخترعات التي اهتدى اليها الألمان آلة عجيبة وضعوها في حديقة من الحدائق الكبرى لبيع الصحف بطريقة اتوماتيكية فانك اذا وضعت في ثقب هذه الآلة قطعة من النقود الألمانية تبلغ قيمتها ثمن الصحيفة العادي خرجت اليك من فوهتها الصحيفة التي تريدها ثم تسمع صوتا من فونو غراف داخل الآلة يقول لك «انني شاكر لك سيدي».

هناك شيء آخر كانت جريدة أم القرى اشتهرت به في وقت مضى، وهو الاسماء المستعارة التي كان يستخدمها بعض الكتاب والشعراء كتوقيع يظهر تحت مقالاتهم وقصائدهم، وأشهر تلك الاسماء «عربي مسلم»، «لكاتب خبير»، «صاحبكم»، «وطني»، و«أديب فاضل».

اثنان وثمانون عاما أدخلت هذه الجريدة في جدل داخل الأوساط الاعلامية والثقافية والأدبية، فالبعض يصفها بــ«العريقة» كونها النواة الأولى للصحافة السعودية، والقاعدة الأساس بعد جريدتي «القبلة» و «الحجاز»، مستشهدين في ذلك بما تشهده الصحف الغربية القديمة، التي كلما طال عمرها كلما زادت مهنيتها وشعبيتها، بينما يصفها آخرون بــ «العجوز» التي أهملت مع العلم بأنها الجريدة الرسمية للدولة، الأمر الذي دفعهم الى المطالبة بتحديثها واعادة روح الحيوية لهذه الصحيفة، وهو ما وعد به وزير الثقافة والاعلام السعودي اياد مدني خلال الندوة التي نظمت اخيرا في مكة المكرمة للاحتفال بمرور أكثر من ثمانين عاما على صدورها بقوله «أنا المسؤول عن وضعها الحالي، وأنا المعني بتطويرها».