قبل عشر سنوات كنا لنفاجأ بوجود هاتف جوال مثل «آي فون» يملك قدرة معالجة كومبيوترية مع ذاكرة تزيد بكثير على جهاز كومبيوتر «بي سي» عادي كان موجودا في عام 1999، ناهيك عن تصميم كاميرا مبيتة داخله، وبرامج لإدارة كل مناحي حياتنا. ولكن بعد عشر سنوات من الآن سيصبح الجوال «آي فون» هذا مع الأصناف الأخرى من الهواتف الجوالة الشبيهة له.. من الآثار.
وفي العقد المقبل سينتج تطور الكومبيوتر والإنترنت أجهزة أكثر سرعة وذكاء، كما أن محتوياتنا وأغراضنا ستتضمن مستشعرات تقوم بتسجيل نشاطاتنا كلها، وتحضر ملفات رقمية تعزز مذكراتنا، وتوسعها، وتجعلنا قادرين على اتخاذ قرارات، وترتيب المعلومات المتواترة. وقد تبدو مثل هذه الأفكار من الأمور المستقبلية الزائدة على الحد، خاصة أن التوقعات التقنية لا ترتكز على أساس ثابت عادة، لأن التنبؤات قصيرة الأمد تميل إلى افتراض الكثير من التغييرات، في حين أن طويلة الأمد منها تقلل من إمكان حصول التغيرات المفاجئة الكبيرة.
* قفزة كبرى
* وعلى الرغم من ذلك كله، فإن تصور وجود أجهزة متصلة ببعضها تقوم بإنتاج وترشيح كميات كبيرة من المعلومات في العقد الذي سيبدأ مع العام الجديد هذا، هو التقدم والتطور المنطقي للشبكة وأجهزة الكومبيوتر، والمعدات الأخرى التي برزت خلال منعطف القرن الأخير، إذ يبدو أن «قانون مور» القائل بأن قدرة المعالجة تتضاعف كل عامين لا يزال سائدا.
هل تتذكرون الكومبيوتر الشخصي «سيركا 2000» الذي كان بسرعة الساعة، وهو مقياس سرعة تنفيذ الأعمال، أي سدس سرعة كومبيوترات اليوم؟
وكان كومبيوتر «آي ماك» من «أبل» في العام 1999 يأتي بذاكرة عشوائية (رام) تبلغ 64 ميغابايت التي تساعد على التنقل بين البرامج المختلفة. لكن جهاز اليوم من الطراز ذاته يأتي بـ60 مرة أكبر. وكان «آي ماك» القديم مزودا بقرص صلب 10 غيغابايت لتخزين الصور الرقمية والملفات الأخرى. واليوم تملك أجهزة «آي بود» سعة أكبر من ذلك، في حين أن «آي ماك» الجديد يبدأ بـ500 غيغابايت.
وفي عام 2000، كانت نسبة 10 في المائة فقط من المنازل الأميركية موصولة بالنطاق العريض. لكن، واستنادا إلى «فوريستر ريسيرتش»، بلغت النسبة 61 في المائة في عام 2008. ونقوم حاليا بملء أقراصنا الصلبة ذات السعة الكبيرة بالموسيقى والصور، لأن المنازل التي باتت تملك كاميرات رقمية قفزت من نسبة 10 في المائة عام 2008 إلى 68 في المائة في العام الماضي، أما المنازل التي تملك مشغلات «إم بي3»، فقد قفزت من أقل من 2 في المائة في عام 2000 إلى 41 في المائة في عام 2008، استنادا إلى «فوريستر» أيضا. كما توسعنا في الأساليب التي تتيح لنا البقاء متواصلين مع بعضنا. فغالبيتنا بات يملك اليوم هواتف جوالة، وهواتف ذكية، و«آي فون». كما اشترينا المزيد من أجهزة الكومبيوتر المحمولة (اللابتوب)، وشرعنا نتوقع التواصل مع الإنترنت في أي مكان نحن موجودون فيه.
وحلت المدونات محل الصفحات الأولية الأساسية، التي يمكن إعدادها خلال ثوان، والتي من شأنها أن تتيح لأي شخص يملك كومبيوترا، مع وجود الإنترنت، إمكان الوصول إلى مجموعة من الناس أكثر بكثير مما تقدر عليه الكثير من الصحف. وكان الجيل الأول من الشبكات الاجتماعية، الذي هو ليس أكثر من دفاتر عناوين على الشبكة، قد أفسح المجال أمام مواقع مثل «فيسبوك»، أو «تويتر»، حيث يمكننا إضافة كلماتنا وصورنا وروابطنا ومواقع الفيديو الخاصة بنا ليطلع عليها الأصدقاء.
* انفجار معلوماتي
* وبالنسبة إلى الشبكة، فقد تخطينا الخط الفاصل بين الخاص والعام. فقد شرعنا نتشارك المعلومات الخصوصية مع شبكة أصدقائنا، وحتى المعلومات الحميمة منها، بحيث تتجاوز أحيانا المعقول، لا سيما إذا كان رئيسنا في العمل من القراء. هذه التغيرات والتطورات كلها قد حصلت بسبب الانفجار الكبير في القدرة الكومبيوترية، والاتصال، التي من المتوقع توسعها في العقد المقبل. ومع مسيرتنا الحياتية هذه سنترك المزيد من الرواسب الرقمية، بعضها سيشبه ما نشارك فيه اليوم على الشبكة، والبعض الآخر ما تبثه أجهزتنا بسكوت، تماما مثل الهواتف الجوالة التي تفشي مواقعها.
وسيمكننا الوصول أيضا إلى المزيد من المعلومات حول العالم الذي يحيط بنا، ومعرفة أسعار البورصة في الزمن الحقيقي، والإحصاءات التي تقوم بها الحكومة، وقواعد المعلومات العلمية، وغيرها من المعلومات المتوافرة اليوم.
وفي العقد المقبل، ستكون جميع هذه المعلومات، كما يستحضر جيمس ماكويفي المحلل في «فوريستر ريسيرتش»، متوافرة فورا في أي مكان تكون فيه. وهو يتخيل مقابلة أحد المعارف في أحد المؤتمرات ليصل إلى آخر أبحاثه عن طريق لمسة واحدة من طرف إصبعه، إضافة إلى اسم زوجته، أو زوجها إن كان سيدة.
ويقول ماكويفي، في حديث نقلته «أسوشييتد برس»، إن البرمجيات ستتذكر كل شيء، وستقرأ الشبكة، وتشاهد آخر الأفلام التلفزيونية، وتقترح الكتاب التالي الذي ستقرأه، أو العرض الذي تود مشاهدته، أو الطبق الذي ستتناوله في العشاء، عن طريق الاستعانة بخياراتك الماضية. وسيكون ذلك نسخة قوية من أسلوب «أمازون» و«نيتفليكس» للتوصية بشراء كتاب ما، أو فيلم سينمائي. وهو يعتقد أيضا أننا سنستخدم هذه التقنية لتسيير جميع أمور حياتنا اليومية، تماما مثل الآلات الحاسبة الصغيرة في صفوف الرياضيات التي منعها الأساتذة في البداية، لكنها باتت من الضروريات اليوم. فإن تركتها في المنزل يوم الامتحان تكون قد ارتكبت خطأ كبيرا.
* إيماءات ولمسات
* ويعتقد كريغ موندي، كبير الباحثين والاستراتيجيين في «مايكروسوفت»، أننا بتنا قرب عصر تستجيب فيها الكومبيوترات إلى الكلام والإيماءات والكتابة اليدوية. وهو يتصور رؤية تساعدنا فيها برامج «المساعد الرقمي» على تذليل مشكلات معينة. تصور نفسك تنتقل للإقامة في مدينة جديدة، وترغب أن تعثر فيها على سكن جديد، ليقوم برنامج «مساعد إعادة التموضع» بالإصغاء إلى متطلباتك التي تتلوها، أو تسردها صوتيا، حول ما إذا كنت ترغب في قيادة سيارتك من المنزل إلى العمل مثلا، أو ركوب الحافلة، وما أفضلياتك بالنسبة إلى مدارس الأولاد، وقيمة منزلك الحالي. وبينما أنت تتناقش مع البرنامج هذا، يقوم بالكشف عن لوائح من هذه الأمور وعرضها على الخريطة.
وستستفيد الأجهزة الصغيرة أيضا من التواصل السريع مع شبكات الكومبيوتر القوية التي تنجز الخدمات من بعيد. وتخيل خلال عقد من الآن، كما يقول ماني فارا كبير الباحثين في مختبرات «إنتل»، إنك تسخر قوة السحاب في رحلاتك إلى البلدان الأجنبية، حيث تتحدث عبر الهاتف الجوال إلى الآخرين بلغاتهم عن طريق الترجمة التي تظهر على شاشته خلال ثوان.
وفي سيناريو آخر، يتصور فارا أننا جميعا نعلق كاميرات صغيرة على ثيابنا التي تستطيع التقاط صورة للشخص الجالس بقربك، الذي تشتبه أنه قد يكون صديقا قديما لم تره منذ سنوات، وإرسالها إلى السحاب لتحليلها. فإن جاءت النتيجة مؤكدة عن طريق همسة صغيرة عبر سماعة الأذن، يمكنك القيام بالخطوة التالية منعا للإحراج. «وستكون جميع الأجسام والأشياء الطبيعية محاطة بسحابة رقمية حولها»، كما تقول مارينا غوربيس المديرة التنفيذية لمعهد «المستقبل».