الروبوتات الحديثة المصممة لأغراض الاستكشاف، مثل مسبار «كوريوسيتي» من «ناسا»، هي أدوات مذهلة. إنها آلات قوية قادرة على التجوال، والحفر، وجرف الأتربة، وحتى الرمي والتسديد بأشعة الليزر في العوالم الأخرى. لكن الجيل المقبل من هذه المسابر التي تنتقل بين الكواكب، ستكون أكثر ذكاء بنظم كومبيوترية، وكاميرات متطورة، تتيح لها التعرف على الأماكن الجديدة غير المألوفة، أو التي تثير الفضول، بغية تسجيل اكتشافات علمية مأثورة.
* روبوتات مستقلة
* منح الروبوتات الاستقلالية الذاتية كان ولا يزال المسرح الكبير الخاص بالأبحاث. فعربة «كوريوسيتي» مثلا تتمتع على القدرة على التجول بمفردها في كوكب المريخ، إذ يقوم مهندس في مركز السيطرة والتحكم بإبلاغها إلى أين تتوجه لتقوم هي بإيجاد أفضل السبل لتفادي العقبات والعراقيل، للوصول إلى هدفها. بيد أن جميع التفاصيل الخاصة بالأجندة العلمية لا تزال تحضر بدقة بالغة من قبل البشر على الأرض. ومع ذلك، تعمل فرق أبحاث كثيرة جاهدة لتغيير ذلك. «نحن راغبون في روبوت يدرك المرغوب في مراقبته، بغية التدرج من آلة تدار عن بعد، إلى مساعد فعلي في العمليات الميدانية»، كما يقول عالم الكومبيوتر والجيولوجي كيري واغستاف، الذي يعمل في مختبر الدفع النفاث «جي بي إل» التابع لـ«ناسا». «واغستاف» هو جزء من فريق في «جاي بي إل» يؤسس للخوارزميات التي تجيز للروبوتات في العوالم البعيدة التعرف على الأشياء التي تستقطب الاهتمام علميا، لتلتقط لها المزيد من الصور، وإرسالها إلى مركز السيطرة والتحكم على الأرض.
وقد قام الفريق بتشييد نظام يدعى «تيكستشر كام» يلتقط صورا ثلاثية الأبعاد للتضاريس الأرضية، وبالتالي يقوم بإعداد تخمينات علمية حول أي الصخور التي تثير اهتمام الجيولوجيين. وهذا من شأنه توفير كثير من الوقت نظرا لأن الاتصالات مع المريخ جيئة وذهابا تستغرق 40 دقيقة، كما أن القيود المفروضة على النطاق العريض، تحصر بث البيانات والمعلومات بعملية واحدة يوميا.
وبدلا من إرسال صور عدة وانتظار العلماء لكي يحللوها، وبالتالي إرسال المزيد من التعليمات إليها، فإن الروبوت المستقبلي المجهز بأداة مثل «تيكستشر كام» TextureCam يمكنه أن يقطع الطريق على الشخص المتوسط، وبالتالي معرفة وتبيان ما هو مهم ولافت للنظر بذاته. فالأمر يشبه كاميرا «آي فون» الجديدة التي تلتقط سيلا من الصور السريعة، ثم تختار ما تعتقده أفضلها. ولكن كيف تعلم الروبوت أن يكون موضوعيا فيما يختار تصويره؟
الجواب: «نعلمه ما إذا كانت الصورة مشابهة للصور السابقة التي التقطها على صعيد الألوان والتركيب وغيرها، أو إذا كانت تتضمن شيئا جديدا من ألوان وغيرها»، كما نقل موقع «وايرد» الإلكتروني عن عالم الكواكب باتريك ماك غواير من جامعة «فرييه» في برلين الذي يعمل مع فريق آخر يقوم بتطوير كاميرا ذكية خاصة بالروبوتات العاملة بين الكواكب.
* نظام دقيق
* ومثل هذا الأمر يؤدي مهمته فعلا، إذ يستخدم ماك غواير ورفاقه كاميرا لهاتف جوال ولابتوب يشغلان ثلاث نسخ مختلفة من خوارزميات المشاهد والصور الكومبيوترية لتحديد المميزات غير العادية في الصور. وخلال التجارب التي أجريت في منجم سابق للفحم في ولاية فيرجينيا بأميركا، تمكنت كاميرتهم من التقاط مواضع نمت فيها «الأشنة» الصفراء فوق الصخور ومناجم الفحم من دون الالتفات إلى الأماكن الأخرى الطبيعية المتجانسة. وبلغت دقتها نسبة 91 في المائة. ودعا ماك غواير نظامه هذا باسم «سايبورغ أستروبايولوجيست» (الروبوت السيبرناتيكي الفضائي البيولوجي» أملا في أن يساعد مستقبلا في التعرف على ما إذا كانت المياه موجودة سابقا في الكوكب الأحمر، أو حول وجود دلائل للحياة هناك. ومن شأن الخوارزميات هذه، التي يجري تطويرها في «جاي بي إل»، أن تستخدم أيضا لأغراض متعددة أخرى، منها التعرف على الوجوه وتقلبات الطقس.
ويركز علماء «جاي بي إل» ومهندسوه حاليا على المريخ، لكن في حساباتهم المستقبلية، هنالك أبعد من ذلك، مثل المشتري وأقماره، حيث الاتصالات تستغرق ساعات، مما يتطلب روبوتات تقوم بأعمالها بعيدا عن مساعدة الأشخاص بقدر الإمكان، بغية الاستفادة إلى أقصى الحدود من العائدات العلمية.