تتعدد أنواعه وتعود أسبابه إلى عوامل جينية وغذائية سرطان المعدة.. معضلة لتشخيص وإمكانات العلاج

TT

يعد سرطان المعدة من الأمراض الشائعة، لانتشار مسبباته. وعلى الرغم من خطورة المرض وصعوبة اكتشافه المبكر، فإن الكثير من الجهود البحثية تسفر عن حلول واعدة بعد أن ظل لسنوات مرضا مستعصيا على العلاج. وقد أمكن مؤخرا تطوير مزيج دوائي جديد أثبتت الأبحاث قدرته على مقاومة سرطان المعدة بشكل فعال يبشر بأمل جديد للمرضى الذين كانت حالاتهم ميؤوسا منها. وعلى الرغم من أن المزيج الدوائي الجديد لا يحسم معركة العلاج مع سرطان المعدة بنسبة مائة في المائة، لكنه يبشر بمزيد من الخطوات المهمة على صعيد تلك الجهود البحثية.

* سرطان المعدة لإلقاء مزيد من الضوء على هذا المرض، وأسبابه وأعراضه، وكيفية اكتشافه وعلاجه، والوقاية منه، فضلا عن مضاعفاته، التقت «صحتك» الدكتور شوقي بازارباشي استشاري طب الأورام ورئيس شعبة الأورام بمركز الملك فيصل للأورام في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، ورئيس السجل الوطني للأورام فكان الحوار التالي:

* ما هو سرطان المعدة؟

- يقسم سرطان المعدة من الناحية النسيجية إلى نوعين، هما: النوع المعوي intestinal type، والنوع المنتشر diffuse type، وعلى مدى نصف القرن الماضي حدث نقص منتظم في حدوث سرطان المعدة والوفيات بالولايات المتحدة. ومعظم هذا النقص حدث في النوع المعوي من سرطان المعدة، وبالإضافة إلى ذلك فإن السرطان الغدي بمنطقة الفؤاد بالمعدة قد زاد في الحقيقة بشكل تدريجي. وينشأ السرطان الغدي من الخلايا الغدية ببطانة المعدة، ويمكن تقسيمه حسب الوصف النسيجي إلى أنبوبي، وحليمي، ومخاطي، وخلايا ختمية، وخلايا غير متميزة. وتقسم أورام المعدة حسب الشكل إلى تقرحي، وسليلي، وصلد، والمنتشر سطحيا، ومتعدد المراكز، والسرطان الغدي المنزاح لباريت، وهناك أنواع نادرة مثل اللمفوما Lymphoma، والساركوما العضلية الملساء Leiomyosarcoma. يحدد مكان سرطان المعدة على أساس علاقته بالمحور الطويل للمعدة، ويحدث نحو 50% من سرطان المعدة في الجزء السفلي، و25% بمنطقة الانحناء الصغير، و10% بمنطقة الفؤاد، و10% بمنطقة قاع وجسم المعدة، و3 - 5% بمنطقة الانحناء الكبير للمعدة. وثمة مراحل لسرطان المعدة يتم تصنيفها حسب انتشار الورم موضعيا، وانتشاره بالغدد اللمفية، والانتشار البعيد لأعضاء الجسم، وتقييم مسار المرض.

* ما هي نسبة حدوثه عالميا ومحليا؟

- يعد سرطان المعدة ثاني أكثر الأسباب شيوعا للوفاة المتصلة بالسرطان في العالم، حيث يتسبب في مقتل نحو 800 ألف شخص سنويا، بينما يتم تشخيص المرض لدى مليون شخص سنويا. ويتفاوت التوزيع الجغرافي لحالات الإصابة بسرطان المعدة بشكل كبير مع انتشار أكبر في البلدان الشرقية يفوق انتشاره في الغرب، حيث تشير الإحصاءات إلى تسجيل أعلى نسب الإصابة بسرطان المعدة في دول كالصين وكوريا واليابان، بمعدل يتراوح بين 60 - 70 حالة جديدة لكل 100 ألف من السكان سنويا. وتقل نسب الإصابة بكثير عن هذا المعدل في الولايات المتحدة بواقع 7 - 8 حالات لكل 100 ألف من السكان سنويا. ويمثل سرطان المعدة في السعودية نسبة 3 - 4% من جميع حالات السرطان التي تشخص، ويعتبر عاشر أكثر الأورام انتشارا في المملكة، بواقع 3.3 حالة لكل 100 ألف من السكان سنويا.

ينتشر المرض بين الرجال والنساء مع احتمال أكبر لإصابة الرجال. ووفقا لآخر إحصاءات السجل الوطني للأورام، فإن معدل حدوث المرض بين الرجال مقارنة بالنساء يصل إلى 143: 100، أي إن كل 100 حالة من النساء المصابات يقابلها 143 من الرجال المصابين، وهو معدل قد يتغير بمرور الوقت. وتشير التقارير الطبية إلى أن نسبة حدوث سرطان المعدة تزيد مع التقدم في العمر، بعد سن الـ70 سنة.

ا* لأسباب والتشخيص

* * ما هي أسباب المرض؟

- هناك العديد من العوامل التي تساعد في زيادة فرص الإصابة بهذا السرطان، وتتغير وفقا للاختلافات الجغرافية والعرقية والاقتصادية والتوزيع الاجتماعي. وثمة شروط معينة إذا ما توافرت فإنها تزيد من فرص مخاطر الإصابة بالمرض، وتدعى شروط ما قبل الإصابة بالسرطان. وتنقسم تلك العوامل إلى:

* عوامل خارجية (تتعلق بالبيئة): تشمل الحمية العالية في مركبات النتروز والملح أو انخفاض في تناول الخضراوات، والتدخين، والكحول، والبدانة، والمستوى الاجتماعي والاقتصادي المنخفض.

* عوامل داخلية (تتعلق بالمريض): تشمل فئة الدم والاستعداد الوراثي، خاصة في الأسرة التي لديها تاريخ في الإصابة بسرطان المعدة.

وتظهر 16% من أورام المعدة، مستويات مرتفعة من «جين إيجابي هير2» وهو الجين المتسبب في أشد الأورام عدوانية. وتتساوى معدلات «جين إيجابي هير2» في أوروبا وآسيا. ولا تمهد قرحة المعدة في حد ذاتها لسرطان المعدة، لكن الاستثناء الوحيد هو في الارتجاع المريئي، حيث قد يساعد ارتداد العصارة المعدية عند تقاطع المعدة بالمريء على حدوث السرطان.

* كيف يتم التشخيص والاكتشاف المبكر؟

- يتم تشخيص نصف حالات الإصابة بسرطان المعدة تقريبا في مراحل مبكرة، والنصف الآخر في مرحلة متقدمة. وهناك صعوبة في اكتشاف المرض قبل أن يصل للمرحلة المتأخرة، لأن أعراضه تتشابه مع أعراض قرحة المعدة، ولذلك قد يختلط الأمر. وفي العادة، يعفى مريض قرحة المعدة من أدويته مؤقتا لتقصي الحقائق. ولهذا السبب، ينبغي للأطباء تأكيد أعراض القرحة عن طريق التنظير الداخلي وحتى إن كان هناك تحسن عند استخدام أدوية القرحة. وتشمل الأعراض النموذجية للمرض: عسر الهضم، الحموضة، التجشؤ، فقدان الوزن، فقدان الشهية، الغثيان، صعوبة البلع، فقر الدم، ودم في البراز.

وتعتمد نتائج الكشف المبكر على وجود أكبر عدد من الأعراض المذكورة لدى المريض خاصة إذا كان يحمل مؤشرات معروفة لمخاطر الإصابة. وفي الحقيقة، ليس هناك دور لمؤشرات الورم في آلية الاكتشاف المبكر أو عملية السيطرة، لأن هذا النوع من الأورام لا يعطي أي مؤشرات تساعد في الاكتشاف المبكر. ولكن بصفة عامة، لم يتوصل العلم حتى الآن إلى معرفة المسببات الأساسية لهذا النوع من الأورام. وقد تظهر علامات بعيدة عن الورم مثل التهاب الجلد والعضل، والشواك الأسود، أو حمامي متحلقة، وهي مؤشرات على سوء سير المرض. وقد يصاحب المرض أيضا التهاب خثاري للأوردة الطرفية وفقر دم تحللي بسبب اعتلال بالأوعية الدموية الدقيقة.

* فحوص واختبارات

* أما الفحوص التي تساعد على التشخيص فهي:

* فحوص مختبرية: مثل صورة الدم الكاملة التي تحدد وجود فقر دم يسبب النزف، واضطراب وظائف الكبد، ونقص الغذاء، حيث تقدر نسبة فقر الدم عند مرضى سرطان المعدة بنحو 30%. إضافة إلى فحص وظائف الكبد وتوازن الأملاح بالجسم.

* فحص المنظار: يساعد في التشخيص الدقيق، ويسمح بتصوير ملون للسرطان، وأخذ عينة وفحصها مجهريا.

* فحص الأشعة بالباريوم: لمعرفة مدى انتشار المرض، وذلك عند وجود انسداد بالمعدة، أو عند وجود ورم بالجزء القريب من المعدة يمنع مرور المنظار.

* أشعة إكس على الصدر: تكشف عن وجود انتشار للورم.

* الأشعة المقطعية أو أشعة الرنين المغناطيسي للصدر والبطن والحوض: لتقييم الورم، ومدى انتشاره بالغدد الليمفاوية أو الكبد.

* فحص الموجات فوق الصوتية المدمجة مع فحص المنظار: لتقييم مرحلة الورم.

* فحص مجهري لعينة من الورم: باستخدام تقنية الكيمياء النسيجية، وتحديد المستضد antigen بالخلية من خلال إضافة الجسم المضاد النوعي للمستضد إلى نسيج الشريحة. آفاق العلاج أوضح د. بازارباشي أن علاج سرطان المعدة يعتمد على عوامل مختلفة من بينها حجم وموقع الورم، مرحلة المرض، سن المريض وصحته العامة. وتشمل خيارات العلاج الحالية الجراحة، والعلاج الكيميائي وتعزيز خدمات الرعاية الملطفة. بالنسبة للعلاج في المراحل المبكرة، حيث لا يكون الورم قد انتشر إلى أعضاء أخرى، يعد الاستئصال الجراحي (البتر) بمثابة المعيار الذهبي للعلاج. ولأن فرص تكرار حدوث المرض تكون مرتفعة نسبيا، فيعطى العلاج الكيميائي بعد الجراحة، ويمكن إعطاؤه قبل أو بعد الاستئصال الجراحي، وتحديدا مع العلاج الإشعاعي. وبالنسبة للمرضى الذين يكون السرطان لديهم قد انتشر إلى أعضاء أخرى من الجسم، فإن العلاج لا يعتبر مفيدا بالنسبة لهم، وإنما يعطون علاجا للتخفيف من تأثير المرض وإطالة البقاء على قيد الحياة وتحسين نوعية الحياة. وليست هناك طريقة علاج تعتبر الأمثل في علاج سرطان المعدة، ولكن هناك من النظم العلاجية الجيدة ما يمكن استخدامه بالتبادل.

مزيج دوائي وفقا لبيانات وردت في دراسة «توغا» العالمية التي أجريت على 3800 مريض بينهم 594 مصابا بسرطان المعدة من نوع (هير2) الأشد عدوانية، فإن إضافة «هيرسبتين» إلى العلاج الكيميائي العادي يطيل من حياة المرضى في المتوسط بما يقارب 13.8 شهر. وهو ما أشير إليه مؤخرا على اعتباره مزيجا دوائيا مثاليا لعلاج هذا المرض. ويقدر متوسط البقاء على قيد الحياة بعد التشخيص بنحو 10 أشهر في ظل العلاجات المتوافرة حاليا. وبينت الدراسة العالمية أن «هيرسبتين» يقلل من مخاطر الوفاة لدى المرضى المصابين بالنوع إيجابي هير2 وكذلك سرطان المعدة غير الممكن استئصاله بالجراحة بنسبة 26% مقارنة بالمرضى الذين لا يتلقون «هيرسبتين». ويتألف عقار الهيرسبتين، الذي منح موافقة وكالة الغذاء والدواء الأميركية ووكالة الأدوية الأوروبية، من أجسام مضادة وحيدة النسيلة، وهو موجه ضد الخلايا السرطانية التي تحتوي على بروتين مولد الورم (هير2) الذي يوجد على سطح بعض الخلايا السرطانية. ويوجد هذا النوع من البروتين لدى 20% من مرضى سرطان المعدة، وبالتالي فإن خمس المرضى يمكنهم الاستفادة من هذا العلاج. ويمكن القول إن 35% من مرضى سرطان المعدة المتقدم لديهم قابلية للاستجابة للعلاج الكيميائي. وبالنسبة للمرضى الذين يكون لديهم سرطان المعدة من النوع هير2، فإن فرص الاستجابة للهيرسبتين مضافا للعلاج الكيميائي ترتفع إلى 45%. وهناك 30% من المرضى الذين تصبح حالتهم مستقرة مع العلاج الكيميائي. وهناك إجراءات وقائية ضد سرطان المعدة، تتمثل في تناول الطعام الذي يحتوي على الخضراوات والفاكهة، والغني بفيتامين «سي» الذي يمكن أن يكون له تأثير واق.

ويشير معد دراسة «توغا» البروفسور يانج جو بانج من مستشفى سيول الجامعي، إلى أن هناك ارتفاعا في الاحتياجات غير المتاحة طبيا خاصة على صعيد سرطان المعدة المتقدم، وأن هذه الدراسة تعتبر مؤشرا جيدا لتلبية هذه الاحتياجات. وقال إن الدراسة تعد نقلة نوعية في علاج سرطان المعدة، وتمثل في الوقت ذاته معيارا جديدا للعلاج في المستقبل، كخط دفاعي أول ضد هذا المرض.

وأكد د.بازارباشي على وجوب استشارة الطبيب مبكرا عند ملاحظة أي أعراض، ودعا إلى أهمية العلاج المبكر فور التشخيص.

مضاعفات العلاج لقد ثبت أن معدلات الوفاة خلال 30 يوما بعد جراحة سرطان المعدة، قد انخفضت على مدى الأربعين عاما الأخيرة لتصل إلى 1 - 2%. أما بالنسبة للمضاعفات المبكرة بعد الجراحة، فتتمثل في فشل التوصيل عند طرفي الجزء المستأصل من المعدة. وقد يحتاج المريض إلى جراحة إضافية لعلاج التسريب والنزف والتهاب المرارة، والتهاب البنكرياس، وإصابة الرئتين بالعدوى، والانصمام الخثاري. وهناك مضاعفات متأخرة، ومنها متلازمة الإغراق، ونقص فيتامين بي12، والتهاب المريء الارتجاعي واضطرابات العظم وخاصة هشاشة العظام. وأشار د.بازارباشي إلى الملتقى العلمي الذي عقد مؤخرا بهدف إطلاع الأطباء على آخر مستجدات سرطان المعدة، ومواكبة التطور الطبي المتسارع. وكان الملتقى قد تضمن ثلاث ندوات تدريبية ومعلوماتية عن سرطان المعدة نفذت بدءا من جدة ثم الرياض وأخيرا الدمام.

إن سرطان المعدة مرض صعب وخطير ومن أكثر أنواع السرطان عدوانية، لكن آليات التشخيص المبكر والمزيج الدوائي الجديد الذي أتاحته الأبحاث العلمية قدم آفاقا جديدة للتغلب على هذا المرض. وحيث إن عقار الهيرسبتين قد جرب من قبل في علاج سرطان الثدي وأثبت فاعلية في شفاء كثير من الحالات، فإن الأطباء يعلقون عليه كثيرا من الآمال في أن يكون له الفاعلية نفسها في علاج سرطان المعدة.