اكتشاف مادة مضادة.. تقضي على فيروسات قاتلة

من ضمنها الإيدز والالتهاب الكبدي

TT

تمكن علماء أميركيون مؤخرا من التوصل إلى مضاد فيروسي جديد واسع المجال بإمكانه مكافحة زمرة من الفيروسات القاتلة مثل فيروس نقص المناعة المكتسب، والالتهاب الكبدي الفيروسي «سي»، وفيروس الإيبولا، وغيرها من الأمراض القاتلة. وقام الباحثون بجامعة كاليفورنيا، بالتعاون مع جامعات تكساس وهارفارد وكورنيل ومعهد البحوث الطبية للجيش الأميركي، تحت إشراف البروفسور بينهور لي، أستاذ علم الأمراض الإكلينيكية، بالتوصل إلى استخلاص مادة أسموها «LJ001»، لديها القدرة على إذابة الغلاف الخارجي للفيروسات ذات الجدران الدهنية، ونشر البحث هذا الأسبوع في «موقع أبحاث الأكاديمية الوطنية للعلوم» Proceedings of the National Academy of Science.

* مادة مضادة للفيروسات

* كانت بداية البحث عندما حاول العلماء البحث عن مادة مضادة لفيروس النيباه Nipah)) القاتل، الذي ينتشر على فترات في جنوب شرق آسيا ويتسبب في الإصابة بمرض تنفسي عصبي عضال. وعندما عثر العلماء عن المادة المطلوبة الـ«LJ001»، استمروا في البحث عن طريقة قضائها على الفيروس، فوجدوا أنها تقوم بإذابة الجدار الدهني الخارجي الذي يغلف الفيروس.

وهنا طرحت الفكرة ذاتها على العلماء العاملين في التجربة، فأخذوا يجربون هذه المادة على فيروسات أخرى، تشترك مع فيروس «نيباه» في كون جدارها الخارجي يحتوي على الدهون، مثل فيروسات الإيبولا، والالتهاب الكبدي الفيروسي (سي)، ونقص المناعة المكتسب، وحمى غرب النيل، والحمى الصفراء، وغيرها. وقد اكتشف العلماء أن استجابة هذه الفيروسات للمادة المكتشفة كانت جيدة جدا. فعند الإخلال بالغلاف الخارجي للفيروسات، فإنها لا تتمكن من الالتصاق بسطح الخلايا الحية، كما أنها لا تتمكن من إصلاح ذلك الخلل أو رتق تلك الثقوب التي خلفها تفاعل المادة مع جدرانها لأنها ليست خلايا حية، وبالتالي يقضي عليها.

* مقادير محسوبة

* لكن التجربة أوضحت عيبا مهما، حيث قامت المادة المكتشفة بإذابة جدران الخلايا الحية ذاتها، والتي تتكون جزئيا من الدهون أيضا. ولكن البروفيسور لي، أوضح أن استخدام هذه المادة بمقادير محسوبة، لن يتسبب في الإضرار الكامل بجدران الخلايا الحية في الوقت ذاته الذي سيتمكن فيه من القضاء على الفيروس، كما أن الخلية الحية لديها قدرة أخرى لا تملكها الفيروسات، وهي القدرة على التجدد ورتق الثغرات التي يمكن أن يحدثها العقار في جدرانها.

وتبشر الدراسة بأمل قريب للغاية في القضاء على كثير من الأمراض الخطيرة جدا التي تتسبب فيها الفيروسات ذات الأغلفة الخارجية، إذ إن العلاج لا يؤثر بالطبع في الفيروسات التي لا جدران دهنية لها، وإن كان الأمر يتطلب مزيدا من الأبحاث حول كمية العقار التي يجب أن تستخدم حتى لا تضر بالخلايا الحية ضررا جسيما.

ومن المعروف أن اكتشاف المضادات الحيوية قد مَثَّل قفزة علمية وطبية، بل وإنسانية، عظيمة، منذ أن حلم العالمان القديران لويس باستور وروبرت كوخ بالتوصل إلى مادة تقتل الميكروبات في نهايات القرن التاسع عشر، مرورا بـ«برونتوسيل» أول مضاد حيوي يتم تسويقه، والذي حصل مكتشفه البروفيسور جيرهارد دوماك على جائزة نوبل في الطب لاحقا عام 1939، مكافأة على جهوده، إلى أن أتم ألكسندر فليمنغ هذه الجهود بالتوصل إلى أول مضاد حيوي واسع المجال «البنسلين» في عام 1928.

إلا أن هذه الجهود المتلاحقة والإنجازات العظيمة قد وقفت حائرة وعاجزة أمام قوى ميكروبية أخرى تعرف بالفيروسات. فالمضادات الحيوية لا علاقة لها بمكافحة الفيروسات، وذلك لأن الفيروسات تتميز بكونها تقع في المنطقة الفاصلة بين الحياة والموت، فهي ليست خلايا حية بالمعنى المعروف، رغم أن جزيئاتها تحمل رموزا وراثية، كما أنها تستطيع إصدار الأوامر للخلايا الحية بتنفيذ المتطلبات التي لا تقدر عليها.

واستطاع العلماء في الربع الأخير من القرن الماضي إنتاج كثير من المواد المضادة للفيروسات، ولكن هذه المواد كانت دائما ما تحمل كثيرا من المخاطر والآثار الجانبية الناجمة عن استخدامها، بالإضافة إلى عدم تمكنها من مكافحة كثير من الفيروسات، كما أن إنتاجها صعب للغاية.