تجنب عوامل الخطر.. وعش طويلا

مؤثرات سيئة أواسط العمر تؤثر على صحة الرجال في أعمارهم المتقدمة

TT

كيف حالك؟ هذا السؤال البسيط ربما سيصبح قريبا من تراث الماضي، فقد يتحول إلى عدد من الأسئلة المتطورة: ما هو مستوى الكولسترول لديك؟ ما مقدار ضغط الدم لديك؟ ما وزنك؟ وما هو مؤشر اختبار «مولد المضادات الخاص بالبروستاتا» PSA لديك؟

ومع انتشار الوعي الصحي فإن هذه الأسئلة وغيرها تبدو وكأنها غريبة وشاذة، مثل السؤال عن مستوى الكولسترول منخفض الكثافة LDL أو مرتفع الكثافة HDL، وعن الضغط الانقباضي والانبساطي للدم، ومؤشر كتلة الجسم، وطول محيط الخصر.

وللرجال الذين عاشوا في عصر أكثر بساطة من عصرنا هذا، فإن مثل هذه الأسئلة تبدو وكأنها تجسد «ديكتاتورية الأرقام». وهم يتساءلون كما يتساءل الباحثون أيضا: هل أن هذه الأرقام، أو المؤشرات، مهمة لصحة الرجل الجيدة في مستقبل حياته؟ والإجابة هي أن المؤشرات الجيدة تبشر بأنباء طيبة لصحة الرجال، خصوصا أولئك الذين يداومون على العادات الصحية. والأنباء الطيبة الأخرى أن الرجل لا يحتاج إلا لإجراء قياسات بسيطة ومزاولة عادات صحية كي يحصل على نتائج جيدة في أواسط حياته، تتيح له العيش طويلا بهناء.

* عوامل الخطر

* في ما مضى، وفي عام 1999، قيمت دراسة كبرى موسعة تأثيرات ثلاثة عوامل فقط: مستوى الكولسترول الكلي الأقل من 200 مليغرام لكل ديسيلتر (ملغم/دسل)، ضغط الدم بقيمة 120/80 مليمتر (ملم) زئبق أو اقل، وعدم تدخين السجائر. ودققت الدراسة في حالات 360 ألفا و430 مشاركا من الرجال بين أعمار 18 و59 سنة. وظهر أن معدل الوفيات انخفض لدى الرجال الذين تمتعوا بكل هذه الصفات الثلاث - أي قلت لديهم عوامل الخطر - بنسبة تراوحت بين 50 و58 في المائة مقارنة بنظرائهم الذين لم يتمتعوا بهذه الصفات.

كما أظهرت دراسة صغيرة على 6342 شخصا في منطقة شيكاغو، قوة أربعة عوامل خطر بسيطة على صحة القلب والأوعية الدموية. وكان كل المشاركين فيها بصحة جيدة عند بدايتها. وتابع الباحثون المشاركين على مدى 26 سنة للتعرف على تأثيرات عوامل الخطر في أواسط أعمارهم على التوقعات بجودة حياتهم في أعمار متقدمة. وكانت عوامل الخطر الأربعة في هذه الدراسة هي: ضغط الدم المرتفع، مستوى مرتفع للكولسترول الكلي، التدخين، ظهور نمط غريب في تخطيط القلب الكهربائي. وكان الأشخاص الخالون من عوامل الخطر هذه أصحاء في ستينات القرن الماضي وفي بداية السبعينات فيه، وظلوا أصحاء على الدوام عند انتهاء الدراسة في عام 1996. كما ظهر أنه كلما كانت هناك عوامل خطر أكثر في أواسط العمر، كان خطر المرض أعظم بعد مرور 26 سنة على ذلك.

وإضافة إلى ذلك فقد ظهر أن الذين لديهم عوامل خطر أقل، ظلوا يمارسون وظائف بدنية وعقلية أفضل في سنوات أعمارهم المتقدمة، وتمتعوا بحياة جيدة أثناءها. وأشارت دراسة مصاحبة لتلك الدراسة أجريت على المجموعة نفسها من المتطوعين إلى أن مؤشر كتلة الجسم (حاصل قسمة الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر) يمكنه التنبؤ بالصحة: فالأشخاص الذين كانوا رشيقين في أواسط عمرهم كانوا أصحاء أكثر وتمتعوا بحياة أجود في أعمارهم المتقدمة. وقد شملت دراستا شيكاغو أعدادا من الرجال والنساء. إلا أن دراسة في هاواي ركزت بشكل صارم على الرجال، وشملت 5820 من المتطوعين أعمارهم بين 45 و68 سنة. ولكي يحدد الباحثون عوامل الخطر لدى المشاركين فقد خضع كل منهم إلى فحوص طبية شاملة ضمت اختبارات لـ29 من العوامل الشخصية. وتابع الباحثون الرجال للتعرف على مدى تنبؤ عوامل الخطر لديهم بصحتهم المقبلة. وجاءت النتائج مبهرة: فقد ظهر أن الرجال الخالين من عوامل الخطر سجلت لديهم نسبة 55 في المائة من فرص وصولهم إلى عمر 85 سنة من دون حدوث أي مرض أو إعاقة كبيرين، بينما لم تصل النسبة إلا إلى 9 في المائة فقط لدى الرجال الذين رصدت لديهم ستة عوامل خطر أو أكثر.

وكانت أسوأ عوامل الخطر: ارتفاع مستوى سكر الدم، ضغط الدم المرتفع، التدخين سابقا، تناول الكحول بكثرة. وتضاف إليها مخاطر أخرى مثل البدانة، ارتفاع مستوى الشحوم الثلاثية، العزوبية، تدني المستوى التعليمي، وتدني قوة قبضة اليد.

* قبضة محكمة

* قوة قبضة اليد، ليست من الأرقام التي تثير قلق الرجال في أواسط اعمارهم. إلا أن قيمتها يمكن أن تتنبأ بالصحة المقبلة. فقد قيمت دراسة يابانية قوة قبضة اليد لـ4912 شخصا أعمارهم بين 35 و74 سنة عند بداية انخراطهم في الدراسة بين عامي 1972 و1974. وتابع الباحثون المشاركين حتى عام 1999. وظهر أن الرجال الذين تميزوا بقوة قبضة اليد عند بداية الدراسة انخفض لديهم معدل الوفيات بنسبة 48 في المائة مقارنة بنظرائهم من الرجال من ضعيفي قوة قبضة اليد، حتى بعد أخذ عوامل أخرى مثل الكولسترول، ضغط الدم، مؤشر كتلة الجسم، التدخين، تناول الكحول، في الاعتبار.

رقم، أو مؤشر، آخر لا ينشر عنه الكثير، يمكنه التنبؤ بصحة المستقبل، هو طول الرجل. فقد قاس باحثون بريطانيون طول 4213 رجلا كانت أعمارهم بين 40 و59 سنة، ثم أعادوا القياس بعد 20 سنة. وظهر أن الرجال الذين فقدوا 1.2 بوصة (البوصة 2.5 سم تقريبا) من طولهم تعرضوا لنسبة 64 في المائة أعلى من الوفيات بعد مرور 20 سنة، مقارنة بالذين فقدوا 0.4 بوصة من طولهم. وحدثت غالبية الوفيات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. ويظل فقدان طول الجسم عامل خطر مهما حتى بعد أخذ عوامل الخطر الأخرى على القلب والأوعية الدموية في الاعتبار. وتظل قوة قبضة اليد والطول مؤشرات، ولو غير أصيلة، على صحة الهيكل العظمي العضلي والنشاط البدني. وبالفعل، فإن الكثير من الدراسات تتفق على أن التمارين المنتظمة واللياقة البدنية يمكنها التنبؤ بطول العمر والصحة الجيدة.

* العقل والجسد

* رغم أنه من الصعب وضع العوامل الفكرية على هيئة أرقام، فإنها تسهم بالتأكيد في طول العمر والصحة. فمثلا، أفادت دراسة استمرت 13 سنة على 2761 من الرجال المسنين في كونيكتيكت بأن النشاطات الاجتماعية والإنتاجية قللت الوفيات بنفس معدلات تقليل النشاط البدني لها، حتى مع الأخذ بعين الاعتبار الإصابة بالأمراض، الحالة العقلية، السمنة، الدخل المادي. وكما أن النشاط العقلي أو الفكري يبدو أنه يحسن الصحة الجسدية، فإن العوامل الجسدية الجيدة تحمي العقل. وقد أفادت دراسة أخرى على 9704 من النساء المسنات بأن انتفاء الإصابة بمرض السكري، وبضغط الدم المرتفع، وعدم التدخين، وعدم تناول الكحول، يتنبأ بالحفاظ على الصحة العقلية.

* التاريخ العائلي

* العادات الصحية الجيدة تؤدي إلى مؤشرات جيدة. إلا أن الوراثة تلعب دورها أيضا. وقد سنحت لـ«دراسة فرامنغهام للقلب» (Framingham Heart Study) فرصة فريدة لتقييم جيلين من الناس: 5209 أشخاص سجلوا عام 1948، وكذلك 1697 من أبنائهم الذين سجلوا عام 1971. وكان أولاد الآباء، الذين عاشوا لأعمار طويلة، يتمتعون بعوامل خطر في القلب والأوعية الدموية أفضل من غيرهم عند وصولهم إلى أعمار متوسطة، مقارنة بأولاد الآباء الذين توفوا مبكرا. وقد ظلت هذه الأفضلية موجودة على الدوام.

* تغيير العادات

* وبما أننا لا نختار آباءنا فإن أفضل طريقة للحصول على مؤشرات جيدة هي تغيير عاداتنا. ويظهر أن الكثير من الرجال يحصلون على أرقام جيدة في أواسط اعمارهم عندما يبدأون باتباع عادات صحية في شبابهم.

وقد قيم باحثون في كارولينا الجنوبية 15708 من المشاركين في دراسة «خطر تصلب الشرايين في المجتمعات المحلية» (ARIC) (Atherosclerosis Risk in Communities) كانت أعمارهم بين 45 و64 سنة. وفي بداية الاختبارات كان 8.5 في المائة من المشاركين يتمتعون بأربع من هذه العادات الصحية: لا يمارسون التدخين، يتناولون خمس حصص أو أكثر من الفواكه والخضراوات يوميا، يمارسون الرياضة يوميا، ولديهم وزن عادي أو بدينون (ليسوا سمينين).

وبعد تقييمهم الثاني بعد مرور 6 سنوات، اكتسب نسبة 8.4 في المائة إضافية منهم عادات صحية. ولدى مقارنتهم بالآخرين الذين لم يغيروا عاداتهم، فقد تمتع «الإصلاحيون الجدد» هؤلاء بانخفاض عوامل الخطر المؤدية إلى الوفاة خلال أربع سنوات لاحقة بنسبة 40 في المائة. اما الأشخاص الذين اكتسبوا ثلاث عادات صحية فقط فقد حصلوا على مكاسب أقل وهي انخفاض نسبة الوفاة بـ 25 في المائة.

* الأدوية ونمط الحياة

* الأدوية بمقدورها تحسين قيمة ضغط الدم وسكر الدم ومستوى الكولسترول. ولذلك فإنها تقي من حدوث النوبات القلبية والسكتة الدماغية وفشل الكلى والمشاكل الأخرى. ولكن هل يجب على الرجال متناولي الأدوية اتباع نمط حياة صحي؟

في دراسة متابعة للعاملين الصحيين في هارفارد، تم عام 1986 تقييم 42847 رجلا أعمارهم بين 40 و75 سنة خالين من الأمراض. وتابع العلماء خمسة عوامل لنمط الحياة لكل رجل: التدخين، مؤشر كتلة الجسم، النشاط البدني، تناول الكحول، الغذاء. وعندما أعاد الباحثون تقييم الرجال عام 2002 وجدوا أن تقليل أخطار هذه العوامل بمقدوره أن يدرأ بنسبة 62 في المائة حدوث النوبة والسكتة القلبيتين. وحتى بين الرجال الذين كانوا يتناولون أدوية لعلاج ضغط الدم، الكولسترول، فإن تقليل عوامل الخطر كان له مزايا كبرى في خفض مشاكل القلب بنسبة 57 في المائة. إن المؤشرات الجيدة والعادات الصحية في أواسط العمر تترجم نفسها إلى مزايا كبيرة تتجسد في حياة صحية أفضل مع تقدم العمر.

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل» .. خدمات «تريبيون ميديا»