مؤسسة دينية إسلامية في الهند تدعو المسلمين إلى عدم ترديد أغنية وطنية هندية

مؤسسات هندوسية يمينية طالبت بترحيل الرافضين إلى باكستان

طفل هندي مسلم يتناول الآيس كريم بينما ينتظر قريبه حتى يفرغ من أداء صلاة عيد الفطر بجامع في مدينة آغارتالا شمال شرق الهند (رويترز»)
TT

ساد جدل كبير قبل شهرين في أعقاب دعوة مؤسسة دينية إسلامية في الهند المسلمين هناك إلى عدم ترديد الأغنية الوطنية الهندية «فاندي ماتارام»، وفي المقابل دعت مؤسسات هندوسية يمينية إلى ترحيل من يرفضون ترديد الأغنية الوطنية إلى باكستان. في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ذهب عشرات الآلاف من الرجال إلى «دار علوم ديوبند»، وهي إحدى كبريات المؤسسات الدينية الإسلامية في جنوب آسيا داخل ولاية أوتار براديش، لحضور الاجتماع السنوي الثلاثين لـ«جمعية علماء الهند» وهي مؤسسة بارزة للعلماء المسلمين التابعين لطائفة «ديوبند» المحافظة. وكان هذا الاجتماع مقصورا على الرجال وحدهم.

وأصدرت «جمعية علماء الهند» فتوى ضد الأغنية الوطنية الهندية «فاندي ماتارام»، تقول إن بعض الأبيات في هذه الأغنية «ضد المبادئ الدينية الإسلامية». وحضر المؤتمر قرابة 10 آلاف رجل دين وأكاديمي إسلامي. وقالوا إن الأغنية الوطنية «فاندي ماتارام» وهي تعني: «الأم (الهند)، أنحني لك» تختلف عن النشيد الوطني «جانا غانا مانا». وكتب كلمات الأغنية بانكرماتاندرا تاتوباديا في مزيج من اللغة البنغالية واللغة السنسكريتية الأدبية القديمة. وكانت أول مناسبة تغنى فيها هذه الأغنية عام 1896 خلال جلسة للمؤتمر الوطني الهندي. وكانت الأغنية بمثابة صرخة وطنية من أجل التحرر من الحكم البريطاني خلال الحركة التحررية. ويقول مولانا معز الدين، من الجمعية: «بالطبع بعض سطور (الأغنية) ضد مبادئ الإسلام، حيث لا يمكننا أن ننحني أمام أحد سوى الله. والإسلام يعلمنا أن نعبد إلها واحدا هو الله. نحن هنود، وهناك وسائل أخرى للتعبير عن مشاعرنا الوطنية غير الانحناء أمامه، فحب الوطن لا يعني فقط أن ننحني أمامه. ونحن نحب أمهاتنا ولكن لا يبيح الإسلام الانحناء لهن. ونحن نحب الرسول ولكن غير مسموح بالانحناء أمامه».

ويقول مولانا سلمان، الذي يدرس في «دار علوم ديوبند»: «نحن مسلمون مخلصون للإسلام وهنود مخلصون للوطن. لا شك في ذلك، ولكننا لن نظل مسلمين عندما نصلي لأحد غير الله. والوطنية لا تعني ترديد الأغنيات فحسب. نحن هنود وسنبقى كذلك من دون ترديد أغنية (فاندي ماتارام)». ويعد الخلاف الدائر حول هذه الأغنية أقدم من الدولة الهندية المستقلة، ففي عام 1937، ناقش المؤتمر الوطني الهندي باستفاضة الأغنية. وقيل حينئذ إنه على الرغم من أن أول فقرتين من الأغنية بهما كلام رائع جدا عن الوطن، فإنه كانت هناك إشارات في الفقرات التالية تم خلالها تشبيه الوطن بالإلهة الهندوسية دورغا. واستاء المسلمون الذين يرفضون عبادة الأصنام من وصف الوطن بالأم دورغا. ولذا قرر المؤتمر أن يستخدم الفقرتين الأوليين فقط. وحتى اليوم الحالي، تتكون الأغنية الوطنية من هاتين الفقرتين فقط.

وبسبب تحفظات المسلمين على «فاندي ماتارام» أصبح النشيد الوطني أغنية أخرى وهي «جانا غانا مانا»، فيما أصبحت «فاندي ماتارام» أغنية وطنية هندية منذ عام 1950. ويفرض الدستور الهندي على كل مواطن الالتزام بالدستور واحترام مُثُله ومؤسساته والعلم الوطني والنشيد الوطني. وعلى الرغم من أنه لا توجد إشارة مباشرة أو خاصة بـ«الأغنية الوطنية» داخل فصل الواجبات الأساسية، فإنه يُنظر إلى أغنية «فاندي ماتارام» على أنها رمز للوطنية. وقبل الدخول في الآراء المتعارضة، من المهم وصف طبيعة القدسية التي أضفتها المحكمة العليا الهندية على الأغنية الوطنية، حيث أشارت المحكمة في مرات عديدة إلى أن النشيد الوطني والعلم الوطني عبارة عن رموز علمانية للوطنية، ولكن قالت المحكمة إنه لا يجب إجبار أي شخص على أن يردد الأغنية. ويستغرب كثير من المسلمين الهنود النظر إلى موقف المرء من أغنية (كلماتها من لغة يفهمها عدد قليل من الهنود) على أنه معيار على الانتماء الوطني. وفي الوقت نفسه، لماذا قررت «جمعية الهند» أن تثير خلافا حول أغنية «فاندي ماتارام» في هذا الوقت تحديدا وهو ما يعكس إلى أي مدى يتصرف رجال الدين داخل الجمعية بنهج محافظ متطرف تجاه وقائع اجتماعية معاصرة. وقال مجلس علماء الهند السني إنه يمكن للمسلمين أن يرددوا الفقرتين الأوليين من الأغنية. وقال رئيس المجلس مولانا المفتي سيد شاه بدر الدين قدري الجيلاني: «إذا انحنيت أمام أمك بدافع الاحترام، فهذا ليس شركا ولكنه نوع من الاحترام».

وقالت لجنة التحاور الإسلامية الهندية إن أغنية «فاندي ماتارام» عبارة عن دعاء للحفاظ على البلاد آمنة. وقال أوصاف شاميري خورام: «هذا ليس ضد الإسلام أو غير إسلامي. وهذا هو السبب في أن كثيرا من المقاتلين المسلمين من أجل انتزاع الحرية من البريطانيين فضلوا تقديم أرواحهم وهم يرددون (فاندي ماتارام)». وأضاف أن الأغنية ليست دعاء إلى إلهة. «إنه دعاء للرحيم بأن يحفظ الوطن آمنا، ولذا يجب ألا تكون ثمة مشكلة في ترديد الأغنية. وقد كان مولانا حسين أحمد المدني، جد رئيس جمعية علماء الهند محمود المدني، وأبوه أسعد المدني، الذي كان عضوا في البرلمان، يرددان الأغنية (فاندي ماتارام) في كثير من المناسبات». ويقول خورام: «ظهر الخلاف لأن المسلمين الذين يصدرون هذه القرارات لا يفهمون الأغنية. ويبدو أنهم غير واعين بالحقائق».

في هذه الأثناء، يريد مجلس الأحوال الشخصية الشيعي الهندي «ترجمة أردية رسمية للأغنية لإنهاء حالة الغموض التي تثير الغضب». وقام رئيس المجلس مولانا ميرازا محمد آثار بإرسال طلب عبر الفاكس إلى الرئيسة براتيبها باتيل ورئيس الوزراء مانموهان سينغ يدعو فيه إلى ترجمة الأغنية الوطنية «لمساعدة المواطنين الذين يشعرون بالارتباك على الوصول إلى قرار». ويقول آثار: «الخلاف الأخير حول ترديد أغنية (فاندي ماتارام) يطرح تهديدا حقيقيا لوحدة الوطن». وأضاف أن ذلك أتاح الفرصة لقوى محددة «كي تتدخل في الشؤون السياسية وأن تشوه صورة المسلمين عن طريق وصفهم بأنهم غير وطنيين»، مشيرا إلى أنه يجب إنهاء هذا الجدال غير المبرر. وقال: «نطلب من الحكومة أن تقوم بتوزيع النسخة المترجمة من الأغنية على مؤسسات الأقلية لمساعدتهم على الوصول إلى رأي مجمع عليه بخصوص القضية».

ودافع العضو السابق في البرلمان سيد شهاب الدين عن موقف جمعية علماء الهند تجاه أغنية «فاندي ماتارام»، وأدان التقدميين العلمانيين المسلمين لانتقادهم الجمعية. وقال سيد شهاب الدين في تصريح له: «يشوه التقدميون العلمانيون المسلمون المؤسسات الإسلامية من أجل تحقيق مكاسب ومنافع. وخلال ذلك يقومون بتعزيز القوى المعادية للإسلام».

وأشار كثير من الشخصيات الإسلامية البارزة إلى أنه ليس هناك ما يدعو إلى هذا الجدل الذي أحاط بأغنية «فاندي ماتارام»، وأضافت أن قضية ترديد المسلمين للأغنية الوطنية تم حلها بإجماع لعلماء الدين قبل 80 عاما تقريبا. وقالت هذه الشخصيات في بيان لها: «لقد صدمنا بالخطوة غير المبررة التي اتخذتها جمعية علماء الهند لإحياء الجدل حول أغنية (فاندي ماتارام)، فهناك حقيقة معروفة بأن الخلاف حول الأغنية تم حله في الثلاثينات بموافقة قيادة الجمعية حينئذ، حيث تمت الموافقة حينئذ على عدم ترديد الأجزاء المثيرة للجدل من الأغنية. واستمر الحال على هذا النحو». وأصدر البيان أكاديميون وناشطون مجتمعيون مثل ظافر أغا وشعبنام هاشمي وغوار رضا وسهيل هاشمي. ووقع على البيان أيضا الممثل البارز نصير الدين شاه وكاتب الكلمات جافد أختار والممثل شعبانا عاظمي والكاتب سعيد اختار ميرزا وأكثر من 100 آخرين من الشخصيات البارزة. وأضاف البيان: «لا نؤمن بأن أغنية (فاندي ماتارام) معيار على وطنية الفرد ولا نوافق أيضا على قول الجمعية بأن ترديد الأغنية يضر بعقيدة المرء. ولذا، نحن ندين بشدة قيام الجمعية بإثارة جدل غير ضروري حول الأغنية (فاندي ماتارام) في هذا التوقيت».

ولكن، يقول مجلس الشؤون القانونية الإسلامي إن القرار مبرر، حيث لا يمكن للمسلمين أن يصلوا لأي أحد سوى الله. وقال كمال فاروقي، وهو عضو بارز في المجلس: «نحب الوطن ولكن لا يمكن أن نعبده». واستغلت عناصر معادية للمسلمين حالة الغضب حول فتوى «فاندي ماتارام» للترويج لمزاعمهم بأن المسلين (غير وطنين). وقال أودوف ثاكراي، الرئيس التنفيذي للمنظمة الهندوسية «شيسفا سينا»، في تصريحات عنيفة: «إذا كنت لا تريد أن تحيي وطنك، فمن سوف يقوم بذلك؟ وما العيب في تحية الأم الهند؟ من لا يريدون تحية وطنهم عليهم الذهاب إلى باكستان أو بنغلاديش. لا مكان لمثل هؤلاء الخونة في الهند». ولكن، قالت أحزاب سياسية أخرى مثل حزب المؤتمر إن قضية «فاندي ماتارام» تتسم بالحساسية، ودعت قيادات سياسية إلى عدم الدخول في حالة من الجدل. وقال المتحدث باسم الحزب، شاكيل أحمد: «هذه قضية حساسة، فهذه هي أغنيتنا الوطنية. وتوجد أيضا عاطفة دينية لدى المواطنين. بالنظر في هذه الحقائق كلها، يجب ألا تصبح هذه القضية موضع خلاف».

وقال الحزب الاشتراكي إنه يجب ألا تسيّس مثل هذه القضايا، حيث إن المسلمين لديهم «التزامات جديدة» ضد ترديد الأغنية الوطنية. وقال سكرتير عام الحزب أمار سينغ: «يجب أن نصل إلى طريق وسط، فالمسلمون ليسوا ضد أغنية (فاندي ماتارام) ولكن الالتزامات الدينية تقف ضد ترديدها».

ويقول رئيس حزب جاناتا سوبرامانيا سوامي إن المسلمين يجب أن يدينوا القرار، فيما قال أمين عام التنظيم الهندوسي القومي «المجلس العالمي الهندوسي» (فيشفا هيندو باريشا) برافين توغاديا إن هذا القرار غير وطني. وقالت السكرتيرة العامة لحزب المؤتمر محسنة كيدواي، إنه لا حاجة إلى الجدل الدائر حول «فاندي ماتارام».

وأضافت أن الأمر متروك للمواطنين إن شاءوا رددوا الأغنية وإن شاءوا لم يرددوها. وقالت: «أخطأ كل من يقول إنه إذا رددت الأغنية فأنت غير مسلم، ومن يقول إنه يجب ترديد الأغنية لإثبات وطنيتك». وأشارت إلى أن أغنية «فاندي ماتارام» ليست أغنية دينية وأنها كانت تردد في جلسات اللجنة التنفيذية بحزب المؤتمر الهندي. وقالت: «ليست أغنية دينية، وقد انتهى الخلاف بحذف الفقرات المثير للجدل، وقد حكم القضاء بأن ترديد الأغنية ليس شيئا ملزما»، مشيرة إلى أنه يجب ترك الموضوع للمواطنين.