«أبواب عمرو»

صالح المغامسي

TT

حسن أن تسفر الوقائع عن عظات، والحوادث عن ملهمات وأكمل من ذلك أن تنجلي عن البابين أبواب.

حي «بابا عمرو» حي من أحياء مدينة حمص، به مسجد ينسب للصحابي الجليل عمرو بن معد يكرب فارس العرب المشهور، وهذا المسجد يطل على بابين من أبواب مدينة حمص الثمانية، فقيل به: «حي بابا عمرو» أي بابان وحذفت النون للإضافة وفق قواعد لغة الضاد.

لكن هذا الحي بهذين البابين فتح لنا أبوابا مشرعة من الآمال والمدركات والعظات، كان الحي إلى عهد قريب حيا منسيا إلا من ساكنيه، فإذا به اليوم شامة في جبين الأيام، وتاج في مفرق الأعوام، هبت درعا وتبعتها إدلب وتوالت النذر في مدن الشام وأريافه، وانتهى شكر الزمان إلى حي بابا عمرو.

وفي ثباتهم اضطر النظام البعثي إلى أن يكشف قناعه ويخرج خبيئته، فلم يستطع لدناءته أن يرضي أحدا وأصبح حالهم كما قال شاعر النيل:

ودعا عليك الله في محرابه الشيخ والقسيس والحاخام

تقوى النظام البعثي بالدب الروسي وقراراته، وأعانه المد الصفوي بماله ورجالاته، وعما قريب سيقول أحدهما بل كلاهما: «إني أرى ما لا ترون».

* لم يحمل شرفاء سوريا رايات طائفية، بل جعلوا شعارهم ودثارهم «لن نركع إلا لله» «الله مولانا ولا مولى لكم» فبهت الذي ظلم، وازداد أهل الإيمان يقينا.

لقد قال رسولنا - صلى الله عليه وسلم - من قبل: «عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده».

فأنى لهؤلاء أن يغيروا خبر السماء، لكن في صدور طغاة البعث كبر ما هم ببالغيه، وفي قلوب الصفويين حقد ما هم بتاركيه.

* في صحيحه المبجل روى الإمام مسلم حديثا عن عمرو بن العاص أحد الصحابة الأجلاء والدهاة النبهاء يثني فيه على الروم، ويقول عنهم في صفات عدها، ومحاسن سردها: «.... وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك».

فتقتل الصحافية «ماري كولفين» عند أعتاب حي بابا عمرو، وهي تحاول أن تنقل للعالم صورا ومشاهد مما تراه من سيوف البغي ومواطن الظلم كما كان دأبها من قبل في مواضع شتى من العالم.

وإن من الإنصاف أن تحمد سيرتها ويشكر صنيعها فربنا تبارك اسمه يقول: «ولا تبخسوا الناس أشياءهم».

* عظم شأن الخليل إبراهيم عليه السلام عند ربه، فلما حاربه قومه وأبوه لم يأذن الله لأحد من خلقه أن يكون سببا في نجاة إبراهيم، لا لملك مقرب ولا لجنود مسومين بل قال الله: «يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم»، وبالأمس حال الفيتو المزدوج بين مجلس الأمن ونصرة أهلنا في الشام، ولعل في ذلك إيذانا أن الله وحده سينصرهم، فيقتل الطغاة على أيدي المؤمنين، فلا يكون للغرب عليهم فضل، وذلك مقام رفيع وموئل كريم، واصطفاء هذا العدد من الشهداء مؤذن بوقوعه.

* ثمة رجال من أهل الشام وعلمائه تأخروا في موضع التقدم وأبطأوا عن مواطن النزال، ونقل عن بعضهم أحاديث لا تتفق مع ما عرف عن سيرتهم، فلعل لهم عذرا لم يبلغنا، أو تأويلا لم نقف عليه بعد، فمن الديانة الكف عنهم حتى يتبين لنا خيط النفاق من خيط الإيمان حفاظا على ديننا وصونا لأعراضهم.

* ما حدث في بلاد الشام أسقط كثيرا من الأقنعة فقام بعض من أسقط في أيديهم يخطبون هنا وهناك، يحاولون عبثا أن يستروا عورة من فضحه الله وأن يقطعوا حبل من وصله الله، وقد كان بعضهم حينا من الدهر يلبس رداء المواطنة وينادي بثقافة الحوار، والآخر كان وما زال يوهم نفسه أنه في عداد الذائدين عن الحمى والممانعين للعدو، فلما ضاق الخناق كشف كل عن سوءته، وفاء كل إلى ضغينته، ولم يكن ذلك إلا كما قالت العرب من قبل:

ولو أنني داريت عمري حية إذا استمكنت يوما من اللسع تلسع

* على أنه ينبغي أن يعلم أن ما وقع ويقع إنما هو إرهاصات لأمر أعظم وحال أكبر «ويستنبئونك أحق هو؟ قل إي وربي إنه لحق».