حلول مبتكرة ضد الانعزال والفردية في المجتمع الأميركي

حبة «بتوسين» لمواجهة التفكك العائلي

TT

خلال احتفالات أعياد الميلاد، قدمت قناة تلفزيونية أميركية برنامجا لتحليل مشكلتَي الفردية والانعزالية في المجتمع الأميركي. قالت القناة إن عائلات أميركية كثيرة تجتمع وتأكل وتحتفل بمناسبة الكريسماس، لكنها لا تجتمع خلال بقية أيام السنة، حيث يبدو الناس انفراديين، والعائلات مفككة. وسأل البرنامج سؤالين: الأول، هل لهذا صلة بهرمون «أوكسيتوسين»؟ والثاني، هل لهذا صلة بحبة الـ«بتوسين» المستخرجة من الهرمون؟

ظهر في البرنامج أناس انفراديون وانعزاليون، وظهر أناس اجتماعيون ودودون. وظهرت عائلات تتبادل الكلام والنكات في أثناء تناول وجبة الديك الرومي، وأخرى تأكل بصمت ولا تتكلم. وظهر خبراء وأطباء حللوا كل ذلك وقالوا إن الهرمون لا يؤثر فقط على عاملين نقيضين: الطمأنينة والقلق، ولكن أيضا، على عامل الخوف. وربط الأطباء بين الهرمون والخوف الذي اجتاح المجتمع الأميركي بعد هجوم 11 سبتمبر (أيلول) والحروب التي دخلت فيها أميركا، ولا تزال.

ما «أوكسيتوسين»؟ أول مرة اكتُشف «أوكسيتوسين» وسط النساء، خصوصا وقت الحمل والوضع والرضاعة. ثم اكتشف تأثيره على جوانب عائلية واجتماعية مثل: تضامن العائلة، وترابط الأصدقاء، والثقة بين الناس، والحب الطبيعي. فكلما ارتفع هذا الهرمون، ازداد التواصل. ويعتبر الأميركي فينسنت فينغنود «أبا الأوكسيتوسين» (واختصاره أوكسي)، لأنه اكتشفه سنة 1953، ونال بفضله جائزة نوبل في الكيمياء. كان فينغنود قد أجرى أبحاثا على نساء حوامل ومرضعات، ووجد أن العلاقة ذات اتجاهين: يرتفع «أوكسي» كلما رضع طفل ثدي أمه. وفي المقابل، يؤثر «أوكسي» على عقل الأم ليجعلها تضغط على ثديها، وتعطي حلمتها للطفل، وتحضنه وتلمسه، وتقبله. لكن، حتى الآن لم تحسم التجارب الطبية صلة «أوكسي» بالجنس. قالت أبحاث إن زيادته تقود إلى الرغبة الجنسية، ومن جانب آخر، قالت أبحاث إنه يضيف إحساسا إلى الجنس. أي يجعل العملية الجنسية هادئة وطبيعية لا تحتاج إلى فلسفة وتنظير.

وربطت الأبحاث الأخيرة بين «أوكسي» والإحساس بالراحة والطمأنينة بعد العملية الجنسية، وقالت إن هذا يوضح أن «أوكسي» له صلة بالحب والود أكثر من صلته بالجنس. وقارنت الأبحاث بين «أوكسي» عند البشر وعند حيوانات مثل الفئران والطيور. وأن الطيور مثلا، لا تمارس الجنس ممارسة مثيرة، ولكن ممارسة «طبيعية»، حيث إنها لا تفتخر به، أو تحلله. وحب الطيور يمكن أن يسمى «حبا فطريا» أو «حبا طبيعيا». وكتبت د. ديكسي ماير، أستاذة في جامعة ميسوري، في «فاميلي جورنال» (دورية العائلة) أنه «تأكد أن (أوكسي) يزيد الإحساس بالقناعة والرضا والطمأنينة، ويقلل الخوف والقلق». وقالت إن تفاعله في المخ يزيد تبعا لعدة عوامل، مثلا: كلما اقترب إنسان من إنسان يطمئن إليه، وكلما ازداد عدد الناس حول إنسان يطمئن إليهم.

وقللت ديكسي ماير من دور «أوكسي» في العلاقة بين الزوج والزوجة، على اعتبار أنها، أصلا، علاقة غريبين لا يربط دم بينهما. لكن، تعتمد قوة العلاقة على الحب بينهما. وكررت ماير أن «أوكسي» ليس هرمون إثارة، لكنه هرمون «طمأنينة». وقالت إن الأبحاث الطبية لم تحسم هل الهرمون وراثي أم لا. أي إن كانت توجد عائلات أكثر تماسكا من عائلات أخرى. وأيضا، لم تحسم الأبحاث الطبية التأثير الثقافي، مثلا: هل لأن الشرقيين أكثر عاطفة وتماسكا عائليا من الغربيين، تزيد عندهم نسبة «أوكسي»؟

في السنة الماضية، وفي دورية «أميركان ساينتست»، نشرت ماريا فاشيك بحثا عن الإخلاص الزوجي وسط «فئران البراري» (نوع من الفئران الكبيرة في ولايات الغرب الأوسط الأميركي). وقالت إنها مشهورة بالإخلاص الزوجي، أي أن الفأر والفأرة عندما يبدآن ممارسة الجنس لا «يخونان» بعضهما بعضا مع فأر أو فأرة أخرى، حتى الموت. وقالت إنها وجدت كمية كبيرة من هرمون «أوكسي» في هذه الفئران. وخلصت إلى أن «أوكسي»، كما قال غيرها، يزيد ود الإنسان نحو الآخر، بصرف النظر عن أي عامل جنسي، أو تجاري، أو منفعي.

وقالت إنه، أيضا، يزيد التالي: أولا الثقة. ثانيا الكرم. ثالثا الصبر والتحمل. في الجانب الآخر، يؤدي عدمه، أو القلة منه، إلى الانعزالية والفردية والحسد والكراهية.

وفي البرنامج التلفزيوني أيام أعياد الميلاد، قال أناس إنهم يتناولون حبة «بتوسين» (حبة مستخرجة من الهرمون)، ويحسون بأنهم صاروا أقل فردية وخوفا، وأكثر ودا وشجاعة. لكن، قال خبير في البرنامج إن الحبة ليست هي الحل، وإن هرمون «أوكسي» يتفاعل حسب الظروف. إذا وجد إنسان نفسه وسط أناس لا يثق بهم، لا يقدر المخ على ضخ الهرمون، وإذا وجد نفسه وسط أناس يرتاح لهم، مثل زوجة أو زوج، أو أولاد أو أصدقاء، يضخ المخ «أوكسي»، فيحس هو، ويحس الآخرون، بالطمأنينة. وقال: «إن هرمون أوكسي يمنح الإنسان شيئا من الصفاء الروحي».