السعودية: جولة جديدة في معركة القرصنة.. القضاء والتعويض

القرصنة تكلف الاقتصاد السعودي خسائر تتجاوز 10 مليارات ريال > اختتام الندوة الثالثة لقوانين الملكية الفكرية في جدة بمشاركة 500 خبير

قرصنة الانترنت هي الأكثر هدرا للملكية الفكرية وحقوق الأفراد
TT

تضيف الندوة الثالثة لقوانين الملكية الفكرية، التي اختتمت أمس في جدة (غربي السعودية)، ورعاها وزير الثقافة والإعلام السعودي، عبد العزيز خوجة، زخما كبيرا للجانب التشريعي السعودي يكفل سد الفجوات القانونية في موضوع حقوق الملكية الفكرية، والتصدي لعمليات القرصنة التي تقول مصادر الندوة إنها تكلف السعودية وحدها أكثر من 10 مليارات ريال كخسائر مباشرة. فضلا عن أنها أحد أبرز المعوقات أمام جذب الاستثمارات الخارجية للسوق المحلية.

وتحمل الندوة اسم «القضاء والتعويض في حقوق الملكية الفكرية»، وقد أقامها مركز القانون السعودي للتدريب، وشاركت فيها وزارة الثقافة والإعلام، بالتعاون مع الغرفة التجارية بجدة، وشهدت مشاركة نحو 500 خبير ومهتم، وناقشت عبر 20 ورقة عمل إجراءات التسجيل والحماية لحقوق الملكية الفكرية في مختلف الأجهزة الحكومية، وإقرار التعويضات إلى جانب الغرامات.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، اعتبر عبد الرحمن الهزاع، الناطق الرسمي باسم وزارة الثقافة والإعلام السعودية، أن هذه الوزارة تشدد اهتمامها «لتفعيل حماية الملكية الفكرية في الاتجاهات كافة»، مبينا أن اهتمامات وزارته «تركز على جانب حقوق المؤلف، وحماية المصنفات الأدبية والفنية والتراثية من السطو والقرصنة الذي شاع في العالم، وسبب أضرارا كبيرة لأصحاب الحقوق المنتجين والمؤلفين، بالإضافة إلى المتلقي والمستهلك في آن واحد».

وأضاف الهزاع أن هناك «تنسيقا بين وزارة الثقافة والإعلام والجهات الحكومية، بمشاركة القطاع الخاص، بغرض الحد من القرصنة التي يمتد أثرها ليشمل الاستثمارات، من أجل الوصول إلى آلية تعينهم على حماية الاستثمارات الأجنبية التي تدخل السعودية بمختلف توجهاتها».

* التصدي للقرصنة

* من جانبه، يؤكد عبد الله العصيمي، نائب مدير إدارة حقوق المؤلف بوزارة الثقافة والإعلام السعودية، لـ«الشرق الأوسط» أن الوزارة «تعمل حاليا على إقرار نظام للإعلام الإلكتروني لحفظ حقوق المؤلف من أي انتهاكات محتملة»، وقال إن مواجهة مثل تلك الانتهاكات سيتم «بالتوقيف والمحاسبة اللازمة».

كما أكد أن إدارته تتصدى لأي نوع من القرصنة تتعرض له المصنفات الأدبية والفنية والتراثية «لحفظ حقوق المؤلفين والمنتجين، مع تطبيق العقوبة اللازمة حال وقوع أي تجاوزات أو انتهاكات لحقوق المؤلف».

وقال العصيمي إن إدارة حقوق المؤلف تعمل على التأكد من سلامة جميع المصنفات الفنية والكتب، وخلوها من أي اعتداء على حقوق المؤلف، ابتداء من دخول المواد عبر المنافذ، وانتهاء بتسويقها، موضحا أن هناك فرقا تقوم بالرقابة الميدانية بشكل مستمر داخل الأسواق والمجمعات التجارية، للتأكد من خلوها من أي مخالفة للمصنفات الفنية، ويشمل ذلك برامج الحاسب الآلي، مشيرا إلى أنه تم خلال العام الماضي مصادرة مئات الآلاف من النسخ غير الأصلية والمخالفة، كما تم إيقاع عقوبات «رادعة» على أصحاب المحال ممن ثبت تورطهم في القيام بأعمال النسخ لمصنفات دون موافقة أصحابها، حتى لا تتكرر مرة أخرى.

* تصنيف قانوني

* الخبير القانوني الدكتور فهد بن حمود العنزي، عضو مجلس الشورى السعودي، يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن حقوق الملكية الفكرية تتضمن ثلاثة مجالات مهمة: العلامات التجارية، وبراءات الاختراع، وحقوق المؤلف، مؤكدا أن ثلاث جهات حكومية في السعودية تتولى تطبيق التزامات المملكة فيما يخص تطبيق قوانين الملكية الفكرية، وهذه الجهات هي: وزارة التجارة والصناعة، وأسندت إليها العلامات التجارية. ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وأسند إليها موضوع براءات الاختراع. ووزارة الثقافة والإعلام، وهي معنية بتنظيم وحماية حق المؤلف.

وفي ما يتعلق بالعلامات التجارية، قال العنزي إن النظام أعطى الاختصاص لديوان المظالم، وخوله صلاحيات واسعة في هذا المجال، سواء من حيث العقوبات، أو من حيث تعويض المتضرر نتيجة الاعتداء على علامته التجارية. وأجاز النظام الحق لكل من أصابه ضرر نتيجة اعتداء على علامته التجارية أن يطالب المسؤول بالتعويض المناسب.

كما أجاز النظام للديوان، بحسب العنزي، أن يحكم بمصادرة الأشياء المحجوزة بعد خصم ثمنها من التعويضات أو الغرامات، أو للتصرف فيها. وأجاز النظام كذلك للديوان إيقاع عقوبة التشهير على المخالف بالصحف، والأمر بإتلاف العلامات التجارية المزورة، أو المقلدة، أو الموضوعة، أو المستعملة بغير حق. كذلك أسند النظام لهيئة التحقيق والادعاء العام تمثيل الحق العام في الدعوى الجزائية المرتبطة بالعلامات التجارية.

وبالنسبة لوزارة الثقافة والإعلام، أوضح العنزي أن نظام حماية حقوق المؤلف نص على عدد من العقوبات الصارمة، مثل: الغرامات المالية، والتشهير، والسجن، وتعليق أنشطة المنشأة التجارية، والإغلاق المؤقت، وشطب الترخيص، وكذلك تعويض أصحاب الحقوق.

وبرأي العنزي أن أضرار الاعتداء على الملكية الفكرية، التي غالبا ما تتمثل في: النسخ، والتقليد، والتحريف، والتشويه، والاستغلال من دون إذن صاحب الحق، تنتج عنها خسائر مادية كبيرة «فمثلا، قرصنة البرامج الحاسوبية سجلت ارتفاعات كبيرة يقدر حجم الخسائر المتولدة عنها في المملكة بنحو 800 مليون ريال).

* مَن المسؤول؟

* وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، طالب الدكتور فؤاد أمين بوقري، رئيس اللجنة الوطنية للمكاتب الاستشارية، عضو اللجنة الدائمة لحماية الملكية الفكرية، وزارة التجارة والصناعة، ووزارة الثقافة والإعلام، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ومصلحة الجمارك، والغرف التجارية، وغيرها، بالإضافة إلى المواطن والمستهلك، العمل بمسؤولية للحفاظ على حقوق المصنعين والمنتجين والمستهلكين، مشيرا إلى أن الغرف التجارية معنية بكيفية المحافظة على المنتجات الأصلية، وسلامتها من الغش والنسخ.

وقال بوقري إن السعودية قدمت نموذجا متقدما في عمليات حماية الملكية الفكرية، ومواكبة مستلزماتها، أسوة بالدول المتقدمة التي قطعت شوطا كبيرا في هذا الاتجاه، مشيرا إلى أن وزارة الثقافة والإعلام قامت بجهد مقدر فيما يعنيها في مجالات حقوق المؤلف، والمصنفات الأدبية والفنية والتراثية.

وأشار بوقري إلى أن بعض الجهات الحكومية بدأت تطبق نظام الحماية من خلال مراقبتها لنشاطات المنتجين والمسوقين في المطارات والجوازات، وتوعية السعوديين من الوقوع ضحية القرصنة في الخارج، التي راح ضحيتها عدد لا يستهان به من السعوديين، حيث تمت محاكمتهم خارج البلاد.

* تطور نوعي

* يؤكد الدكتور خالد بن سعد الصالح، المشرف على برنامج الملكية الفكرية وترخيص التقنية بجامعة الملك سعود، أن ثمة تطورا نوعيا في المجتمع السعودي في الاهتمام بحقوق الملكية الفكرية بكل مجالاتها التي تشمل: حقوق النشر، وحماية العلامات والأسماء التجارية وبراءات الاختراع، مشيرا إلى أن هذا النمو كذلك ينطبق على الجانب الحكومي والتشريعي في السعودية.

ويشير الصالح إلى التشريعات السعودية الهادفة لسد الثغرات القانونية في هذا المجال، ومنها صدور قرار مجلس الوزراء بتاريخ 14/12/2009 بالموافقة على انضمام السعودية إلى معاهدة التعاون في شأن البراءات (PCT)، ولائحتها التنفيذية، التابعة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، وكذلك الموافقة على انضمام السعودية إلى معاهدة قانون البراءات، ولائحتها التنفيذية، التي اعتمدها المؤتمر الدبلوماسي في 1/6/2000.

ويرى الصالح أن انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية، وكذلك إلى المعاهدات الدولية في جميع مجالات الملكية الفكرية يؤكد الالتزام بحفظ حقوق المخترع، كما أنه يساهم، بشكل مباشر، في جذب الاستثمارات الأجنبية وتوطينها، مؤكدا أن التوعية والتثقيف في مجال حقوق الملكية الفكرية، التي تشمل الاختراعات، لا يقل أهمية عن سن التشريعات، ومتابعتها، وتطبيق الجزاءات في حالات التعدي على الحقوق.

ويعترف الصالح أنه لا أحد يختلف على وجود انتهاكات لحقوق الملكية الفكرية في السعودية، تقدر تكلفتها بمليارات الريالات سنويا، مشيرا إلى أن هذه الانتهاكات أثرت بشكل سلبي على التقدم التقني في كثير من المجالات، «ولعل ندرة وجود تطبيقات تدعم اللغة العربية في كثير من البرامج الحاسوبية يدل على إحجام الكثير من الشركات عن الاستثمار في الدول التي يوجد فيها انتهاكات لحقوق الملكية الفكرية».

وبحسب محمد الخميس، مدير العمليات ببرنامج الملكية الفكرية وترخيص التقنية بجامعة الملك سعود، فإن 60 في المائة من اقتصاد العالم يعتمد على مفهوم الملكية الفكرية، أو ما يسمى الأصول غير المنظورة (Intangible Assets). وأكد الخميس أن حفظ الحقوق لا يتأتى إلا بتنفيذ، وتفعيل، أنظمة الملكية الفكرية والمحاسبة، وأقر أن تفعيل قوانين حماية الملكية الفكرية في السعودية لا يزال ضعيفا، مشيرا إلى أن الخسائر المباشرة تعد بالمليارات، أما الخسائر غير المباشرة فلا تقدر بثمن.