الشباب يعيد اكتشاف المسرح في سورية

التجارب الجديدة تؤسس لانطلاقة مبنية على الحوار

TT

بعيدا عما يُشاع حول وجود أزمة في المسرح السوري على صعيد النص والإخراج، ثمة تجارب مسرحية جديدة تتسم بالاختلاف على صعيد الشكل والمضمون.

هذا الطرح الفني الجديد بِتنا نلاحظه مع فرق مسرحية، يرى مؤسسوها أنها ستمنح دماء جديدة للمسرح السوري المتعثر، فيما يرى البعض الآخر أنها مجرد «طفرة» لشباب مندفع يسعى لتأكيد مقولة «قتل الأب»، وتكريس نفسه كبديل مخلص جديد للمسرح السوري.

ويرى الفنان باسم قهار أن «هؤلاء الشباب يملكون طموحا كبيرا ودخلوا المسرح كعصاميين يؤسسون لأنفسهم، وأنا أتوسم الكثير فيهم - خلال 5 إلى 10 سنوات - لتأسيس مسرح مهم جدا، وأعتقد أنه سيكون في طليعة المسارح العربية»، مشيرا إلى أن الدعم المعنوي متاح من خلال الجمهور المتعطش لمشاهدة المسرح، «ولكن لا بد من الدعم المادي من المؤسسات الرسمية وأصحاب رؤوس الأموال، لدعم الحركة الثقافية في سورية».

ويضيف قهار: «الآن بدأ الاهتمام بالمسرح كحقيقة بصرية، كما بدأ الشباب يشاركون في مهرجانات كثيرة ويحتكون بفنانين كبار، وهناك عروض كبيرة تجري في سورية وهذا يغذي الشباب، ويجعلهم يتمثلون هذه الحركة الخارجية وينتجونها».

من جانبه، يرفض الفنان حسام الشاه الكلام عن وجود فرق مسرحية شابة، لأن مفهوم الفرقة في سورية ما زال مفهوما جنينيا موجودا على الورق فقط، «أي أنه ليس هناك مقر لأي فرقة أو أشخاص دائمين»، لكنه يعود ليؤكد أن هذه التجمعات، كما يسميها، أحدثت «شبه نهضة مسرحية»، مشيرا إلى أنها تقدم عروضا تناقش هموم الشباب بلغة فنية عالية.

في حين يؤكد الفنان رامز الأسود، مؤسس فرقة الخريف المسرحية، وجود فرق جديدة، رافضا تسميتها بـ«فرق شابة» لأنها قد توحي بضعف الخبرة، ويضيف: «خلال السنوات القليلة الماضية، أصبح هناك حراك من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية ليكوّنوا فرقا، وهذا جاء نتيجة محاولة دعم من وزارة الثقافة والمهتمين بالشأن المسرحي، الدنيا تنفتح والشباب يشعرون بالضيق وعروض المسرح القومي لا تكفي للكل، وأنت يجب أن تجد طريقك الخاص في النهاية».

الناقد الفني أيهم ديب يعتقد أن صناعة مسرح جديد في سورية تحتاج بالدرجة الأولى إلى دراسة متأنية للمتفرج، مشيرا إلى أن المسرحيين إذا ما أرادوا تقديم مسرح جماهيري، لا بد أن ينطلقوا من «نقطة الاعتراف بالقضية المحلية، أي أن المسرح يجب أن يخرج من الجمهور ويعود إليه»، ويضيف: «على سبيل المثال (كاسك يا وطن) هذه المسرحية في لحظة وجدانية وسياق جامع تحولت إلى مسرحية جماهيرية، بينما ما يفعله المسرحيون اليوم هو تقديم أدب مترجم نتحدى الجمهور به، يجب أن نفرق بين النخبة والعامة، اليوم معظم جمهور المسرح - الجاد - هو من المسرحيين وأصدقائهم، وهم كثر بفضل المعهد العالي وروافده»، ويضيف ديب: «انظر إلى الأثر الذي تركته مسرحية (تيامو) للمخرجة الشابة رغدة شعراني على الجمهور، الاستعراضية وعدم الدخول في لغة مترفة جعل من العرض تسلية للعامة ورفضه الكثير من المثقفين»، ويعتقد ديب أن علينا عدم الوقوف «عند حدود التبشيرية التي تمارسها المؤسسات الغربية».

ويضيف: «في مصر، ثقافة الشارع تفرض نفسها بقوة على الفن، لا تستطيع أن تتجاهل هذه الهوية الفذة للشارع المصري (الضحك، والسخرية، والموسيقى)، لكن في سورية نحن مخبريون دون أن نمتلك مختبرا وانتقائيون دون أن يساعدنا هذا في بلوغ آفاق حرفية عالية».

فيما يشير الفنان أسامة حلال، مؤسس فرقة كون، إلى وجود أسماء كبيرة في المسرح السوري، لكنه يؤكد بالمقابل أنه «لولا الفرق المسرحية الشابة لم يكن لدينا نوع مسرحي جديد»، ويضيف: «نحن بدأنا نعمل عروضا جديدة، هناك المسرح الحركي ممثلا بـ(نورا مراد) وفرقة (ليش) والمسرح الراقص مثل فرقة (علاء كريميد)، وهناك أيضا المسرح التفاعلي مثل فرقة (استوديو المسرح)، وفرق أخرى، بمعنى أنك قد تجد عرضا مسرحيا في ساحة أو نفق مشاة، وهذا ما قمنا به من خلال (فرقة كون)، وهذه أشياء لها أهمية ودلالات كبيرة»، ويرى حلال أن فرق الشباب أسست لنمط جديد في الخط المسرحي السوري، «لكن علينا أن ندعمهم، هناك شباب لا يقلون أهمية عن أشخاص لهم 50 سنة على المسرح، نحن جيل لديه سلاح الحوار، وآخر 5 سنوات تأسست أكثر من 5 فرق مسرحية تمول نفسها بنفسها ولديها روح التجريب».

الناقد المسرحي جوان جان ينتقد لجوء بعض المخرجين إلى أسلوب «أقل ما يقال فيه أنه انتحاري»، من خلال صياغتهم لنصوص أدبية أو مقالات فلسفية تحوي بعض الحِكم والمواعظ على هيئة نص مسرحي هش، ويضيف: «من يريد تحويل خشبات المسارح إلى مكان يمارس فيه نزواته الفنية التي تنعكس وبالا على علاقة الجمهور بالمسرح، يجب ألا يكون له مكان على الخارطة، فالمسرح لم يُخلق للخطابات والأشعار والحكم والمواعظ وألعاب السيرك».

ويلفت جان إلى تطور الحركة المسرحية في الآونة الأخيرة، «من خلال قيام بعض التظاهرات المسرحية في دمشق وعدد من المدن السورية، فضلا عن ولادة مسرحيين شباب موهوبين ومؤمنين بأهمية المسرح»، ويضيف: «لم تتوقف حركة المسرح السوري عند جيل من الأجيال أو مرحلة من المراحل، فشباب المسرح السوري اليوم هم امتداد طبيعي لجيل السبعينات والثمانينات، الذين يعتبرون الجيل الحالي محظوظا، توفرت له إمكانية دراسة المسرح أكاديميا من خلال المعهد العالي للفنون المسرحية».