موسم التنزيلات.. موسم الصيد

الأزمة الاقتصادية تصب في صالحك فاستغليها باقتناص قطع راوغتك طويلا

TT

مصائب قوم عند قوم فوائد، مقولة تنطبق هذه الأيام على حال السوق والتسوق. فالركود الاقتصادي وحالة عدم الثقة التي سادت طوال العام، وأثرت بشكل كبير على طريقتنا في التسوق ومن ثم على حركة الشراء، صب في صالح المستهلك. فالعديد من المحلات الكبيرة، إن لم نقل كلها في بريطانيا على الأقل، بدأت موسم التنزيلات الشتوية في وقت مبكر مقارنة بالسنوات الماضية، وبشكل سخي من حيث نسبة التنزيلات. محلات «سيلفريدجز» الواقعة في «اكسفورد ستريت» مثلا، بدأت تنزيلاتها منذ يوم 26 من شهر ديسمبر (كانون الأول) على الساعة التاسعة، بتخفيضات تقدر بـ50% وأحيانا بـ75%. كذلك محلات أخرى في كل من «ريجنت ستريت» و«بوند ستريت» وغيرها من شوارع الموضة، التي لم تعد تتنافس على تقديم الجديد والمتميز فحسب، بل أيضا على أكبر نسب من التخفيضات لإغراء المتسوق بدخولها. فبعد أكثر من عام من المعاناة والمخاوف من انخفاض مبيعاتها، بسبب عزوف الناس عن الشراء، لم تعد هذه المحلات قادرة على تحمل المزيد من الخوف أو الخسائر، وباتت تعمل كل ما في جهدها لتحريك السوق كيفما كان، حتى وإن تطلب الأمر تقديم تنازلات كبيرة. فكل شيء في البيع والشراء إيجابي ومقبول ما دام هناك دوران. ولحسن حظها أن أسلوب الإغراء هذا أتى بنتائج إيجابية، فلا البرد القارس ولا الثلوج المتساقطة في أماكن مختلفة من العالم، ولا ازدحام حركة السير، أوقفت الباحثين والباحثات عن قطع «لقطة» عن الخروج منذ الصباح الباكر إلى وقت متأخر من الليل، لاسيما أن العديد منهم كان يتوقع الأمر، وبالتالي اقتصد وادخر لهذه الأيام.

ونظرة إلى ما يجري في هذه المحلات هذه الأيام، تؤكد لك مدى حاجتنا للشعور بذكائنا التسوقي، والذي توقظه غريزتنا الدفينة في الصيد، أو تصيد الفرص. فحتى الانتظار الطويل سواء في طوابير غرف التغيير لتجربة ما إذا كانت هذه الأزياء على المقاس أم لا، أو في طوابير الدفع، التي تقسم الظهر إلى أكثر من قسمين، لم تصب العديدين بالملل أو التعب. فما لا يختلف عليه أي مراقب لأحوال السوق، أن الإحساس بالانتشاء والفرح بالحصول على قطع كانت منذ أسابيع فقط مثل الحلم وبعيدة المنال، مضاد قوي لأي شعور سلبي يمكن أن يتسرب للنفس أو الجسد، وبأن أي شيء يهون عندما تحضن الأيادي حريرا أو جلدا أو صوفا ناعما، على شكل معطف أو فستان أو حقيبة يد أو حذاء، وغيرها مما تشتهيه النفس وتحبه العين وتقدر عليه اليد. ولا شك أن هذه من المرات القليلة التي تقدم فيها المحلات تخفيضات مهمة بسعة صدر، وتشعر بالسعادة وهي ترى نظرات الرضا في عيون المستهلك المتلهفة على ما تقدمه. ففي وقت الأزمات يصبح رضا الزبون هدية لا يستهان بها ومغازلته واجبا.

وحسب دراسة قامت بها شبكة «ريتايل غلوبال» فإن معظم المحلات الكبيرة خفضت منتجاتها بنسبة 50% في وقت مبكر، لأن الوضع الاقتصادي المتردي وتعثر حركة البيع والشراء، جعلت الكثير من المنتجات مكدسة في المحلات تبحث عن زبائن، لهذا كان لا بد من أسلوب ترويجي قوي للتخلص من الفائض منها. وهذا يعني أن تخفيضها بنسبة 75% لا يشكل خسارة بقدر ما يمثل استراتيجية تسويق ضرورية على الأمد البعيد، انطلاقا من قناعة بأن نصف خسارة أفضل من خسارة كاملة. ثم إذا كان المستهلك قد بدأ يكتسب بعض الثقة ونفسه تفتحت على الصرف، فلم لا يستغلون هذه الثقة لصالحهم، خصوصا أنه أظهر تقشفا وبخلا في الأشهر الماضية، بما في ذلك شهر ديسمبر، الذي كان يعرف حركة نشيطة في أيام العز، بسبب أعياد رأس السنة؟ الطريف هذا العام أن معظم الناس لعبوا لعبة القط والفأر مع المحلات والشركات المنتجة. فموسم الأعياد الذي يتميز عموما بشراء هدايا قيمة للغير، بغض النظر عن سعرها، سجل هذا العام ميلا إلى تقديم قسائم تخول المهداة إليه أن يصرفها خلال موسم التنزيلات، وهكذا يشتري ما يشتهيه بنصف السعر. الطريف أيضا أنه عام سجل إقبال المرأة على شراء هدايا خاصة بها أكثر من شرائها للغير، أحيانا لإدخال السعادة عليها والخروج بها من حالة الاكتئاب أو التوتر، وأحيانا للاستثمار في قطع كلاسيكية، لاسيما المجوهرات. محلات «سيلفريدجز» مثلا، التي عرفت انتعاشا وارتفاعا في مبيعاتها، لاحظت أن العديد من النساء يقبلن على شراء قطع مجوهرات أو ملابس نوم أو إكسسوارات لأنفسهن. «ثيو فينيل» مصمم المجوهرات المعروف، أيضا توصل إلى نفس الملاحظة، موضحا أنها أكثر من يشتري خواتم وساعات يد باهظة الثمن.. لنفسها. أما كيف توصل إلى هذه النتيجة فسهل، فعندما كانت البائعات يسألنها ما إذا كانت تريد تغليف القطعة كهدية، كانت ترفض وترد أنها خاصة بها ولا تنوي تقديمها لأحد. في نفس السياق، سجلت مبيعات محلات «بالنسياجا» للملابس الداخلية التي يقدر بعضها بأكثر من 500 جنيه إسترليني للقطعة الواحدة، نفس الحالة. البعض يرجع الأمر أيضا إلى الوضع الاقتصادي، لكن من منظور مختلف. ففي مناسبات الأعياد ورأس السنة، كان تبادل هدايا قيمة من الأحباب والأصدقاء يدل على مدى المحبة مع بعض الاستعراض للجاه والقدرات الشرائية، وهو أمر بات غير مقبول، لأنه ما من أحد يشعر بالراحة وهو يقدم هدايا باهظة الثمن لأشخاص لم تعد ظروفهم المادية واضحة. بعبارة أخرى، لا يعرف ما إذا كانوا يقدرون على رد الهدية بأحسن منها أم لا، ومن ثم تولد نوع من الخجل من استعراض الجاه والثراء لتفادي الإحراج لأنفسهم وللغير، مما ولد شبه إجماع ضمني على تقديم هدايا بسيطة في موسم رأس العام، وادخار المال لصرفه على النفس، وهكذا يحصل كل واحد على الهدية التي يتمناها فعلا وحسب إمكانياته.

* كيف تتسوقين كمحترفة

* - ضعي نصب عينيك أن بداية 2010 لا تعني نهاية 2009، على الأقل في ما يتعلق بالموضة، فالجميل أننا سنرث الكثير من العام الماضي ولن نحتاج إلى تغيير جذري. لكن في الوقت ذاته، انتبهي أن بعض القطع المخفضة بشكل مغر جدا، قد تكون صرعة آنية لن تستفيدي منها على الإطلاق. - في ما يتعلق بالأزياء، ركزي على القطع الكلاسيكية مثل تنورة مستقيمة، فستان ناعم بألوان محايدة، كنزات من الكشمير. - من المفضل أن تقتصر الألوان الصارخة على بعض الإكسسوارات مثل الإيشاربات، أو القفازات أو القبعات.

- لا تشتري قطعة تعرفين أنك لن تستفيدي منها فقط لأنها مخفضة، أو تحمل اسم مصمم عالمي معروف. الذكاء هنا ليس شراء قطعة بنصف ثمنها الأصلي أو أكثر بل قطعة تتوفر على ثلاثة عناصر مهمة: أن تناسب أسلوبك ومقاييسك، أن تبدو راقية من حيث خاماتها وتصميمها، وأن تكون كلاسيكية حتى تستفيدي منها في مناسبات عديدة ومواسم قادمة وفي كل مرة تلبسينها تشعرين بالثقة والزهو. - الفستان قطعة مهمة في خزانتك، لهذا استثمري في مجموعة تكون بتصميمات متميزة، مثل فستان أسود ناعم أو بلون هادئ، أو فستان منسدل بنقوشات فنية لا يخفت توهجها مع انتهاء الموسم، أي بأن تكون من مصمم معروف بالرسم على القماش، مثل تصميمات الثنائي «بيتر بيلوتو» مثلا أو «ماريوس شواب» أو «إيرديم».

- المعطف أيضا من القطع التي يعتبر ثمنها فيها، لهذا لا بأس أن تستثمري في واحد بتصميم رائع وخامة مترفة يبقى معك لسنوات.

- ابحثي عن الجودة، مع العلم أن هذه فرصتك أيضا في الحصول على ذلك الحذاء الذي طالما حلمت به لكنه راوغك بسبب سعره، سواء كان من كريستيان لوبوبان أو مانولو بلانهيك أو من جوناثان كيلسي. هذا الأخير مثلا خفض أسعاره في محلات «سيلفريدجز» بـ50%، لكن مثل الأزياء يفضل أن تشتري حذاء يميل إلى الكلاسيكية بحيث لا تذهب موضته سريعا ويمكنك أن تستفيدي منه طويلا وفي مناسبات عدة، خصوصا إذا لم تكن إمكانياتك تسمح بشراء مجموعة كبيرة.

- قبل التوجه إلى السوق حددي الميزانية التي تريدين صرفها وحاولي التقيد بها، وبنفس الالتزام حددي الوقت الذي ستقضينه في كل محل، لأنه من السهل أن تنسي نفسك وتبقي في محل واحد طوال الوقت فتفوتي على نفسك فرصا أخرى ذهبية.

لأن السوق يوفر لك خيارات كثيرة والمنافسة على نيل ودك على أشدها بين المحلات والمصممين، لا تتسرعي بشراء قطع ليست على مقاسك. مثلا إذا كانت ضيقة لا تضحكي على نفسك وتمنينها بأنك ستنقصين وزنك عما قريبا، وإذا كانت واسعة أو كبيرة بأنك ستأخذينها إلى أقرب خياط لتصغيرها. فهذه حسبة مغلوطة تكلفك أكثر مما تفيدك.