ليلى مريود لـ«الشرق الأوسط»: أطرح موضوعات فنية وليس مجرد موضة

قال عنها أدونيس إنها تقدم جدلا بين الفن والسوق وبين الإبداع والقطيعة

TT

قبل ثلاثين عاما غادرت السورية ليلى مريود مدينتها دمشق إلى عاصمة النور والأناقة، باريس، لتواصل دراساتها العليا في المدرسة الوطنية لفن الديكور بعد أن أنهت دراستها الجامعية في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق. في المقابل، استهواها في باريس عالم الموضة والأزياء، مما جعلها تتحول إلى تصميم المجوهرات والحلي، التي حققت فيها نجاحا واضحا، خصوصا أنها تعاونت مع مجموعة من المصممين من أمثال، جون لوي شيرير، كريستيان لاكروا، تورانت، كما خلقت في الوقت نفسه مجموعاتها الخاصة من المجوهرات قدّمتها في باريس ضمن عروض أدائية. مع الوقت أصبحت حليّها المشكّلة من اللآلئ، الريش، الريزين، المرايا والدانتيل، دروعا حقيقية، تخلق وهما هو امتداد للجسد أو استمرارية للعواطف، أو بالأحرى، دروعا ترتدى ثمّ تصوَّر ضوئيا لكون بعضها يتلون. وكان من الطبيعي أن يصبح لها اسم مميز بعالم التصميم في أوروبا. في صحيفة «التايمز» اللندنية، كتبت إريكا فاغنر: «لأعمال ليلى مريود مظهر متجانس تطرقه بوسائل تعبير متعددة الوجوه. فصورها وحليها المنحوتة تستطلع الحدود بين الجمال والرغبة، وبين العنف ومقاومة العنف.. تلك الأعمال هل هي دروع؟ هل هي حليّ؟ إنها أشياء لمكافأة النظر في كل مرة يرنو إليها».. مريود أيضا دعت الشاعر المعروف أدونيس، للتحدث عن أعمالها فقال: «إنها تقدم جدلا ما بين الفن والسوق، وبين الإبداع والقطيعة»، داعيا إلى التأمل طويلا في أعمال ليلى مريود وإلى الحوار معها طويلا طويلا. ليلى مريود، زارت مؤخرا مسقط رأسها دمشق لبضعة أيام حضرت من خلالها افتتاح معرضها الفني في المركز الثقافي الفرنسي وتحدثت لـ«الشرق الأوسط» حول تجربتها الباريسية في مجال تصميم الحلي قائلة: «قبل أي شيء أنا فنانة تشكيلية وحفارة، الطباعة على المعدن، حيث كان هذا تخصصي في كلية الفنون الجميلة بدمشق وفي باريس. توجهي لتصميم الحلي كان نوعا من الرغبة في أن أعالج المواد بطريقة مختلفة، وأن أوجد طريقة لمشاهدة خاصة لما أراه، ولعلاقتي بالمادة والضوء وبالمرأة وجسدها. لم يكن يهمني تصميم حلية مصنعة من مواد ثمينة لكي أوصلها للسوق لبيعها، فهذا لم يكن همي مطلقا، فالمهم بالنسبة لي، كان إيجاد حلية لها علاقة ببشرة المرأة وأن تكون امتدادا لجسدها، باستخدام مواد غير ثمينة وتحويلها لعمل فني. كان همّي أيضا أن أوجد عملا يمزج النحت والتصوير، ويكون بعيدا عن مفهوم الحلية التقليدية». وتتنهد ليلى مريود وهي تتحدث بإسهاب كيف تمكنت من الصمود لأعوام كثيرة وما زالت في عاصمة الموضة العالمية وهي المرأة الشرقية الدمشقية: «أنا امرأة ولدت في بلد شرقي، لهذا فأنا متشربة وباللاوعي والوعي أيضا، بكل ما له علاقة بهذه البيئة من تقاليد ومفاهيم تعودنا عليها، إضافة إلى رؤيتنا للأشياء وخلطنا للمواد وكيف تعودنا أن نحب المجوهرات التي تلمع». وتتابع: «لا يمكن فصل الإنسان عن عالمه الداخلي، وبالنسبة لي هو امتداد لعالمه الخارجي، وهنا تكمن أهمية أن يترجم عملي الفني حياتي ومفهومي للأشياء والحياة.

أما التحديات التي واجهتني بعد سفري لباريس فكانت تتمحور حولي كامرأة. فمن خلال وجودي في عالم مختلف، كانت التجربة قوية بالنسبة لي غذت مفهومي للحياة وساعدتني على رؤية الدنيا بشكل صحيح. علمتني أيضا فن المواجهة والإصرار على أن ما أعمله هو الصح. ولذلك كانت وما زالت علاقتي مع دور الأزياء، تعتمد على مفهومي الخاص، الذي يختلف عن المفهوم التقليدي للموضة، التي أراها عملا منتهيا بسبب مفهومها التجاري. ما أطرحه، في المقابل، هو عبارة عن موضوع فني». وتوضح ليلى أن الأثرياء ليسوا وحدهم من يقتنون مجوهراتها، وأن لائحة زبائنها تشمل جيلا شابا، قائلة: «الأمر بالنسبة لهذه الشريحة من صغار السن مرتبط بالثقافة التي أصبح لها منظور مختلف، ومرتب بالوعي البصري، ولكن من الضروري أن تتوفر الإمكانيات المادية التي تسمح للناس بشراء هذه الأعمال». وتتابع: «شاهدت أناسا ليس لديهم إلا الحد الأدنى من المال، ومع ذلك يفضلون شراء ولو عمل فني واحد، حتى وإن استدعى اقتناؤها الشراء بالتقسيط».

أما عن التقنيات التي تستخدمها ليلى في عملها وبراعتها فيها فترجعها إلى كونها تخصصت منذ البداية في أسلوب الحفر مما ساعدها على إتقان الحفر بالأسيد وبالشكل الغائر والنافر. تعلق: «ما يهمني هنا هو كيفية استخدام مواد غريبة ليس من المعتاد صناعة الحلي منها، مثل الحديد والنحاس والريزين والزجاج وصور ولوحات تدخل بجزء من أعمالي، بهدف إعطائها خصوصيتها. السبب هنا أنني لم آت من عالم الموضة، بل من عالم الفن وهذا يؤثر على رؤيتي للأشياء، فكل مجموعة صممتها كان لها خط خاص، مثل مجموعة كان لها علاقة بالدفاع عن النفس تجسدت في خاتم يمكن أن يتحول لعنصر دفاعي لوجود جزء حاد به، كما هناك اسورة بشكل الجسم ويمكن رؤيتها كامتدادا له، وفي الوقت ذاته، يمكن أن تأخذ بعدا فلسفيا، فتظهر وكأن ما هو داخل الجسم يخرج للخارج. هذه بعض أفكاري التي كانت ولا تزال تثير تساؤل مرتادي عروضي، والتي كان مردها أنني امرأة قادمة من الشرق». بحكم ميلها إلى الأشكال الكبيرة، فإن الخاتم يعتبر أصغر تصميماتها، رغم أنها تعترف بأن لديها نماذج لخواتم تأخذ شكل اليد، أما أكبر تصميماتها، فيأتي على شكل درع استغرق صنعه حوالي الشهرين، علما أن معظم التصميمات التي تقدمها تأتي أقرب إلى الدروع، وتعتمد دائما على مبدأ الحماية والدفاع عن النفس من دون أن تتنازل عن الناحية الجمالية. ووصل ثمن أحد هذه الدروع إلى 300 ألف يورو. ولا يبدو أن ليلى، ورغم ما حققته من نجاحات ورغم قوتها، انها ستبتعد عن مفهوم الحماية وإعطاء القوة للمرأة في تصميماتها، وإن كانت تؤكد أن الناحية الجمالية لا تقل أهمية: «الجمال ضروري وأعتبره بابا لدخول عوالم الإبداع. ما يحفزني هو أن أبدع أعمالا تكمل المرأة ولا تكون هجينا أو غريبا عليها».