المنتصر بالله لـ «الشرق الأوسط»: لم أركب طائرة مبارك سوى مرتين.. وأتعاطف معه إنسانيا

الممثل المصري من فوق سرير الأمل: خذلني الكثيرون والبعض وقف معي بشهامة في محنة المرض

المنتصر بالله
TT

بين صراع الفن والحياة ومنذ أربع سنوات خلت يكابد الفنان الكوميدي المصري المنتصر بالله محنة المرض من فوق سرير الأمل بمنزله، ومع إشراقة كل صباح يتأمل جسده الواهن، ويعيد ترتيب الأشياء وقراءتها من جديد بصمت تختلط فيه أحيانا خطوط البداية والنهاية. فالرجل الذي طالما أضحك الملايين، وانتزع من همومهم ضحكة امتزج فيها الفن بالبراءة الإنسانية، لم يحسب حساب هذه اللحظة الموجعة، التي جعلته طيلة هذه السنوات أسير هذا المربع الصغير، بعد أن داهمته جلطة حادة في المخ، واكتشف خلالها معادن الرجال والأصدقاء.

بخفة الدم والظل يتأمل المنتصر بالله خط البداية في نهاية ستينات القرن الماضي، ويحاول أن يمسك ببسمة واحدة من ملايين البسمات التي رسمها على شفاه محبيه في مصر والعالم العربي، عبر 54 عملا فنيا تنوعت ما بين أفلام ومسلسلات ومسرحيات، منها: «سواق الأتوبيس»، «الشيطانة التي أحبتني»، «أنا وأنت وبابا في المشمش»، «أرابيسك»، «علشان خاطر عيونك»، «شارع محمد علي».. وغيرها.

رغم ظروفه الصحية خص المنتصر بالله «الشرق الأوسط» بهذا الحوار في القاهرة، في أول ظهور إعلامي له منذ سنوات ليرد على الكثير من الأقاويل والشائعات التي ربطت بينه وبين الرئيس السابق حسني مبارك، ويفند مزاعم الكثيرين حول أنه كان «مضحكاتي» مبارك، وأنه حصل منه على الكثير..

ضحك المنتصر طويلا متساميا على آلامه وهو يرد على شائعة أنه سافر مع مبارك في 250 رحلة على طائرته الخاصة، ثم صمت لفترة وقال بابتسامة منكسرة «الوسط الفني وحش». ثم تحول إلى طفل وهو يذكر التفاف الناس من حوله، وحرصهم على التقاط الصور الفوتوغرافية معه في الشارع حتى اليوم وهو مريض.. إنها «من أبهى حالات الفرح التي أعيشها كإنسان وفنان، فحب الناس بات زاده الحقيقي في الحياة». فالي نص الحوار الذي تم معه من القاهرة..

* ماذا كان انطباعك عند قيام ثورة 25 يناير؟

- أؤمن بالثورة وأهدافها العظيمة لدفع مصر نحو الأفضل ولقد تابعت بفخر ما فعله هؤلاء الشباب لأجل مستقبل مصر ومستقبل أبنائها.

* هل رفضت العلاج على نفقة الدولة؟

- لم يعرض علي العلاج على نفقة الدولة من الأساس، وأنا والحمد لله لا أريده ومتكفل بعلاجي على نفقتي الخاصة تماما منذ 4 سنوات تقريبا.

* ماذا عن موقف نقابة الممثلين؟

- صرفوا لي خمسة آلاف جنية مع بداية الأزمة الصحية ومن يومها لم يرفع علي أحد من النقابة سماعة التليفون ويسأل عني.

* مع ذلك شاركت في التصويت على انتخابات نقيب الممثلين مؤخرا! - نعم، لأن هذا واجبي وعلاقتي بالنقابة ليست علاقة منفعة ولقد انتخبت الفنان أحمد ماهر ولكن للأسف لم يفز.

* ألم يتواصل معك أحد من رموز النظام السابق خاصة أنك كنت من الفنانين المقربين كما يقال؟

- اتصل بي جمال مبارك مرتين أثناء وجودي في الغيبوبة وسأل زوجتي «عايزين حاجة» فشكرته ولم يحدث أكثر من ذلك.

* أشيع أن هناك العديد من الأثرياء العرب طلبوا علاجك على نفقتهم الخاصة؟

- وجهت الشكر لكل منهم ولكل من اتصل بزوجتي أثناء محنتي، ولم أتقبل أيا من هذه العروض بالمرة.

* ما طبيعة المحنة الصحية التي تعرضت لها تحديدا؟

- جلطة في المخ نتج عنها الدخول في غيبوبة طويلة تركت أثرا على الجانب الأيسر، ولقد أشرفت على الموت وقتها نتيجة موت ثلاثة فصوص من المخ، وقال الأطباء لزوجتي «لقد قدمنا له ما نستطيع، لكن تبقى كلمة الله في أن تكتب له النجاة من الموت»، وأحمد الله أنني كنت في غيبوبة عميقة، فلم أستمع لكلام الأطباء، وإلا لساءت حالتي النفسية بشدة، فلم أكن أستطيع عبور هذه الأزمة إلا بالصبر والرضا بالقضاء والقدر. وما زلت أتلقى العلاج حتى الآن منذ يناير (كانون الثاني) عام 2008.

* هل صحيح أنك كنت مرافقا دائما للرئيس السابق مبارك على طائرته الخاصة ويقال إنها أكثر من 250 رحلة؟

- ضاحكا من قلبه كطفل: ده على اعتبار أن الرئيس كان مقضي حياته في الطيارة؟ لا لم يحدث وكل ما قيل من هذا الكلام مبالغات لا أساس لها من الصحة، أنا لم أركب الطائرة مع مبارك في حياتي كلها غير مرتين، مرة عند افتتاح مدينة الإنتاج الإعلامي ومرة في زيارة ميدانية لتوشكى.

* لكن مبارك كان يخصك بالحديث في لقاءاتكما لخفة ظلك المعروفة.

- هذا صحيح ولكن ليس بالصورة التي تتخيلها الناس، فقد كان رئيس جمهورية وهناك قواعد في التعامل وخطوط عامة للاحترام والتقدير.

* إلا تذكر «إفيها» كوميديا خاصا دار بينك وبين الرئيس السابق مبارك؟

- أثناء زيارتنا لتوشكى، أحضر المرافقون لمبارك سمكا كبير الحجم جدا نتاج المزارع السمكية هناك، فقلت له: «هل هذا سمك حقيقي يا ريس»، فقال لي «أيوه»، فقلت له بعفوية «إذن هذا سمك والله العظيم» فضحك بشدة وقال لي «خد لك منه سمكتين وأنت راجع مصر» فقلت له: طيب حضرتك تعرف حد الطيارة على الوزن؟ فضحك مجددا من قلبه.

* ولكن أشيع عنك أنه كانت تأخذك سيارة خاصة لزيارته في قصر العروبة لكي تروي له الحكايات المسلية والنكات.

- عيب أن يقال هذا الكلام في حقي بعد كل هذا العمر، ولقد استغل الكثيرون ابتعادي عن الظهور الإعلامي لكي يروجوا شائعات ضدي، والحقيقة أنه كانت تتم دعوتي في بعض المناسبات العائلية الخاصة بالرئيس السابق مبارك وتحديدا في عيد ميلاده، ولم أكن وحدي في هذه المناسبات العائلية فقد كان هناك عدد من الشخصيات من دفعته في القوات الجوية وبعض الوزراء المقربين للعائلة، ولكني كنت بالفعل الوحيد من الوسط الفني وهذه الدعوات كانت قائمة على علاقة ود واحترام ليس أكثر.

* قيل إنه كان يشاركك أيضا في هذه السهرات الفنان الكوميدي أحمد بدير.

- أحمد بدير كان معي في افتتاح مدينة الإنتاج الإعلامي يوم قابلنا الرئيس أول مرة وسلم علينا نحن الاثنين، هذه هي الواقعة الوحيدة التي ممكن أن أقول إن أحمد بدير كان متواجدا فيها معي، وللعلم بدير استاء جدا من الشائعات التي طلعت علي وعليه ويفكر جديدا في رفع دعاوى قضائية على الصحف التي ادعت هذه الأقاويل عليه.

* وماذا كنت تهديه في أعياد ميلاده؟

- ولا مرة أحضرت لمبارك هدية عيد ميلاد!

* لماذا؟

- حتى لا يعتقد أني كنت أتملقه، أو أريد منه شيئا خاصا في المقابل، وبالفعل الحمد لله طوال عمري لم أحصل منه على شيء خاص بالمرة.

* هل شاهد لك مسرحيات أو أفلام بشكل شخصي؟

- لم يشاهد مسرحيات، ولكن شاهد لي فيلم «يا تحب يا تقب» مرتين.

* وماذا كان رد فعلك بعد إعلان مبارك التنحي؟

- أنا مع الثورة، ولكني تعاطفت مع مبارك وتأثرت من الناحية الإنسانية في أن يعامل بطريقة لا تليق مع الأخذ في الاعتبار المرض وكبر السن.

* كيف ترى مصر في المرحلة المقبلة؟

- «الأمل خبز الفقير»، إنها المقولة الخالدة لشكسبير والتي أؤمن بها في الحياة، فلا يمكن أن نتصور حياتنا من غير أمل.

* هل ندمت اليوم على اقترابك من الرئيس السابق مبارك؟

- أكون إنسانا متحولا ولا ضمير لي إذا قلت ذلك، فعلى المستوى الإنساني لا يمكن ادعاء كرهي له.

* كمسيحي كيف رأيت أحداث الفتنة الطائفية ما بعد الثورة؟

- للأسف هي أحداث مدبرة وليست من نسيج الشعب المصري وهناك من يعمل على إثارة مثل هذا النوع من الفتن لزعزعة استقرار المجتمع المصري، وأقول هنا إن مساعدي الخاص على مدار (25) عاما ويرافقني كظلي ويعد ابنا لي وأخا لبناتي اسمه «محمد»، وأيام إصابتي بالشلل ورغبتي في الذهاب إلى الكنيسة للصلاة هو الوحيد الذي كنت أتوكأ عليه حتى عتبة المذبح!

* هل طلبت من وزير الثقافة أن يسند لك دورا مسرحيا عام 2010 لكي تعود للعمل بعد فترة انقطاع؟

- فاروق حسني صديق عزيز من قبل أن يكون وزيرا للثقافة، ولقد رحب كثيرا بطلبي هذا وقتها خاصة أني كنت معينا في المسرح الكوميدي، فقد كنت أريد أن اخرج من دائرة المرض وأعود للحياة كما كنت قبل الجلطة.

* أربع سنوات ما بين غرف العناية المركزة والعلاج الطبيعي والعقاقير وزيارة الأطباء.. كيف يعيش المنتصر بالله اليوم؟

- لا يوجد برنامج معين ليومي العادي، ولكني أقضيه ما بين العلاج الطبيعي ومشاهدة التلفزيون واللعب مع أحفادي فهم من يملأون علينا الحياة.

* هل صحيح أن الأزمة الصحية أثرت على قدرة التذكر عندك كما قيل (لدرجة أنك كنت لا تتعرف على زوجتك السيدة عزيزة)؟

- يعاود خفة دمه ويرد: عزيزة «أنا متلخبط فيها من يوم ما تزوجتها!» ولكني لا أنكر أن هذا حدث بالفعل في بداية العلاج من الجلطة، خاصة أسماء الأشخاص والبعض كان يتعاطف مع هذا النسيان والبعض الآخر كان يزعل.

* وسط هذه الأزمة الصعبة، كيف تعيد ترتيب أوراقك في الحياة من جديد؟

- طبعا، فقد أعدت تقييم قائمة الأسماء التي كانت تدعي أنها مقربة مني وبينا «عشرة عمر وسنين مشتركة من التواصل» وعرفت من يحبني ومن لا يعنيه أمري.

* إلى أي مدى يمكن أن تسامح من لم يتصل بك أثناء محنة المرض خاصة من أصدقائك؟

- كل من لم يتصل بهي فهذا حقه، وألتمس له العذر في أن سعر التكلفة للمكالمة الهاتفية ممكن يكون «غالي عليه شويه»، والحمد لله أنه لم يكلمني حتى لا أشعر بذنب أنه أصبح مسرفا بسببي!

* من أكثر إنسان خذلك في محنة المرض؟

- الكثيرون ولكن الذي صدمت فيه حقيقة هو السيناريست والمؤلف يوسف معاطي، فلقد قالت لي زوجتي إنني كنت أنادي عليه في الغيبوبة، وطلبته على الهاتف أكثر من مرة هي وابنتي، ومع ذلك لم يسأل عني أو يحضر لرؤيتي، على الرغم من العشرة الكبيرة التي بيننا.

* لكن من وقف بشهامة إلى جانبك في هذه المحنة؟

- رجاء الجداوي، شويكار، دلال عبد العزيز، عمر عبد العزيز، وحيد سيف.

* إذا أردت أن تعترف بفضل أحد طوال الفترة الماضية عليك بعد الله فمن يكون؟

- أحمد الله كثيرا على نعمة زوجتي عزيزة التي دونها بعد الله ما كانت لي حياة.

* ما أكثر ما يفرحك اليوم؟

- المنتصر بالله (ضاحكا): عندما يكسب النادي الأهلي وعندما يلتف من حولي أحفادي الأربعة من بناتي.. أيضا التفاف الناس حولي وأنا في الشارع ومريض، وحرصهم على التقاط الصور التذكارية معي. إنها لحظات الفرح.