شريهان.. سيدة الثروة والنجومية والأحزان

نجمة فوازير رمضان تفكر في العودة عبر الأدعية الدينية

TT

سرت منذ ايام قلائل، شائعة في مبنى اتحاد الاذاعة والتلفزيون في مصر، مفادها عودة النجمة الاستعراضية شريهان إلى ميكرفون الاذاعة في رمضان المقبل، من خلال عمل جديد ومتميز.

البعض قال ان شريهان ستقوم بتسجيل ادعية دينية بصوتها لتذاع قبل الافطار على احدى محطات الاذاعة، واخرون اكدوا ان عودة شريهان ستكون من خلال مسلسل اذاعي على شبكة البرنامج العام الشبكة الرئيسية للاذاعة. رئيسة الاذاعة المصرية الاعلامية ايناس جوهر رفضت الادلاء بأي تصريح حول الموضوع لحين إتمام الاتفاق مع النجمة شريهان، الا ان بعض المصادر القريبة من شريهان أكدت صحة الخبر، غير انها أكدت عدم اعطاء شريهان موافقة نهائية حول الموضوع.

كما ولدت فينوس من صدفة على شاطئ البحر، ولدت شريهان وفي فمها ملعقة من ذهب. وفي كلتا يديها جمرة من نار، وتحت قدميها بساط من الشوك ظل يدميها حتى في أقصى لحظاتها بريقا وتوهجا. فشريهان نجمة أعطتها الأيام كل شيء، ولكنها أخذت منها السعادة، فلم يستطع المال أن يمنحها الهناء، ولم تشعرها الشهرة والأضواء بالطمأنينة وراحة البال، وظلت مفتقدة للأمان حتى وهي في أحضان الثروة والنجومية.

عرفت شريهان أحمد عبد الفتاح الشلقاني، المولودة في السادس من ديسمبر (كانون الأول) 1964، المآسي منذ مجيئها للحياة. فوالدتها السيدة الراحلة عواطف اضطرت للزواج من عبد الفتاح الشلقاني أحد أثرياء القاهرة زواجا عرفيا لا لسبب الا كي تمنع التحاق ابنها الوحيد الفنان عمر خورشيد من الالتحاق بالخدمة العسكرية بصفته العائل الوحيد لها.

وأثمر زواج السيدة عواطف من أحمد الشلقاني عن ميلاد ابنتهما شريهان، التي دفعت ثمن هذا الزواج العرفي عبر مشوار طويل أمام المحاكم لإثبات نسبها للأب الذي رحل فجأة تاركا ابنته لتواجه مصيرها مع عائلته، التي رفضت الاعتراف بنسب الابنة وشككت فيه طمعا في ثروة الاب، وفي محاولة لحرمان الابنة منها. ولم تحسم هذه القضية الا في العشرين من يونيو (حزيران) 1980، أي عندما كان عمر شريهان 16 سنة.

ولم تكن رحلة العذاب التي خاضتها شريهان في المحاكم هي المأساة الوحيدة التي تعرضت لها، فقد كان الفراق الدائم عمن تحب جزءا آخر من مآسي حياتها، وكان الرحيل المفاجئ لأخيها الموسيقار عمر خورشيد، الذي كان شديد القرب منها ومن أكثر المهتمين بموهبتها، أكبر صدمة تعرضت لها شريهان في سنين عمرها الاولى، وظلت آثارها عالقة بشريهان لسنوات طويلة، وكانت تردد دائما «الحياة بدون عمر ليس لها طعم، فقد كان أخي وأبي وصديقي». وقبل أن تفيق شريهان من هذه الأزمة فوجئت بوفاة والدتها، لتفقد سندها الأول في الحياة. وقتها كانت شريهان ملء السمع والبصر بعد نجاحها الكبير في تقديم فوازير رمضان في التلفزيون المصري.

مرة أخرى كانت شريهان على موعد مع مفاجآت القدر، ففي الرابع والعشرين من مايو (أيار) 1989، عاشت تفاصيل حادث مأسوي كاد ان ينهي حياتها الفنية تماما، كان ذلك عندما تعرضت للحادث الشهير الذي سجله محضر الشرطة برقم 13 أحوال سيدي جابر الإسكندرية، باعتباره حادث سير.

ورغم الروايات الكثيرة التي تحدثت عنه وما شابه من ملابسات غامضة والربط بينه وبين عدد من الشخصيات الهامة في المجتمع المصري، الا أن شريهان خرجت من هذا الحادث بإصابات بالغة في العمود الفقري استدعت سفرها إلى الخارج وبقاؤها لسنوات طويلة تحت الإشراف الطبي لتعود بعدها إلى ممارسة نشاطها الفني بقوة وتحد وكأنها كانت ترسل رسالة إلى شخص ما لتقول له «مازلت أحيا وسأبقى واعيش مهما حدث». وقتها قدمت شريهان مسرحية «شارع محمد علي» وفوازير رمضان لذاك العام.

وقبل أن تفيق شريهان من هذه الأزمة، ارتبطت بزيجة فاشلة مليئة بالمشاكل والمشاحنات، كان طرفها الآخر الثري العربي علال الفاسي، ليتم طلاقهما بهدوء بعد العديد من الازمات. ظلت شريهان بعدها بدون زواج حتى اقترنت في سرية تامة من زوجها الحالي علاء الخواجة رجل الأعمال الأردني ووالد ابنتها الوحيدة.

أما سبب سرية هذا الزواج الذي تسبب الاعلان عنه في أزمة كانت حديث الوسط الفني وقتها، فكان رغبة علاء الخواجة في عدم جرح مشاعر زوجته الفنانة اسعاد يونس، التي ثارت ثائرتها عند معرفتها بالخبر واعلنت الحرب الشعواء على شريهان في الصحف والمجلات. الا ان شريهان وزوجها علاء التزما الصمت حتى هدأت رياح الغضب الآتية من الفنانة اسعاد يونس، التي تقبلت الامر الواقع في النهاية.

ومن بين الأزمات التي عاشتها الفنانة شريهان أزمتها الشهيرة مع نقابة المحامين التي رفضت قيدها في جدول النقابة بعد حصولها على ليسانس الحقوق في مايو 2001، وبررت النقابة موقفها بتعارض العمل الفني لشريهان مع العمل بمهنة المحاماة، مما دفع شريهان إلى إقامة دعوى قضائية لقيدها في النقابة ومازالت القضية منظورة أمام القضاء حتى الآن. شريهان بررت موقفها بقولها: «علمتني الحياة أن اسبق الأحداث، وعلمتني كلية الحقوق التمسك بكل حق لي في الحياة».

وعندما أنجبت شريهان ابنتها الوحيدة «لولوة»، ظن الجميع أن المآسي ودعتها وان الحياة ابتسمت لها، ولكن في نفس اللحظة التي لمعت فيها عيون الكثيرين بالفرحة وهم يصفقون لفوزها بجائزة أحسن ممثلة في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي في عام 2002، عن دورها في فيلم «العشق والدم» لمعت العيون بالدمعة وهم يسمعون عبارات رسالتها القصيرة التي أرسلتها لتبرر بها اعتذارها عن عدم الحضور لتسلم الجائزة.. كلمات ربما كانت بسيطة، الا انها كانت شديدة التأثير في كل من سمعها، حيث قالت فيها: «إنني أمر بأزمة صحية تمنعني من الحضور، ولكن كل شكري لكم ولتقديركم للفيلم ولدوري فيه، واطلب منكم الدعاء». وعلي الرغم من تلك الرسالة التي اوضحت انها في محنة، الا ان شريهان لم تفصح وقتها عن طبيعة مرضها ولا حجمه، الا ان الحقيقة سرعان ما تم الاعلان عنها حيث إضطرت شريهان لإجراء جراحة في الجانب الأيمن من وجهها بعد استئصال ورم خبيث هدد حياتها، ولتمر بعدها برحلة علاج طويلة استمرت على مدى السنوات الأربع الأخيرة، كان أخرها عندما ذهبت في الاسابيع القليلة الماضية إلى باريس للاطمئنان على استجابة جسدها للعلاج، وقد طمأنها الأطباء على حالتها واستجابتها الكبيرة للعلاج.

وبعيدا عن الازمات، وما اذا اقتربنا من شريهان كحالة فنية نجد انها درست الرقص التعبيري وهي طفلة في احدي مدارس باريس، وفي عام 1973 أنتجت لها والدتها مسلسل «المعجزة» ثم شاركت بعده في فيلم «نصف دستة اشرار» ثم في فيلم «قطة على نار» ضمن مجموعة من الأطفال مع بوسي ونور الشريف. وفي عام 1983 أنتجت لها والدتها فيلم «الخبز المر» من إخراج أشرف فهمي، لتقدم بعده 24 فيلما أهمها: «العذراء والشعر الأبيض»، و«قفص الحريم»، و«خللي بالك من عقلك»، والفيلم التونسي «كش ملك». وكان آخر أفلامها قبل أزمتها المرضية الأخيرة فيلم «العشق والدم»، أما انضج أعمالها السينمائية فكانت «الطوق والأسورة» مع خيري بشارة، و«عرق البلح» مع المخرج رضوان الكاشف.

وفي المسرح قدمت شريهان خمس مسرحيات هي: «المهزوز» و«إنت حر» مع الفنان محمد صبحي. و«سك على بناتك» و«علشان خاطر عيونك» مع الفنان فؤاد المهندس و«شارع محمد علي» مع فريد شوقي.

أما على شاشة التلفزيون فقد كانت الفوازير وحلقات «الف ليلة وليلة» التي قدمتهما مع المخرج الراحل فهمي عبد الحميد، أهم ما صنع شهرة شريهان وقربها من الجماهير، حيث نجحت في تقديمها على مدي عدة سنوات إلى جانب تقديمها عددا من الاعمال الدرامية التي لم يتذكرها الجماهير بعد ذلك، ومنها «رحلة هادئة»، «دعوني أعيش»، «بطل الدوري»، «الامتحان»، «نار ودخان»، «رحمة»، «حسن ونعيمة».

تقييم شريهان كممثلة ليس بالشيء اليسير، فالبعض رأى فيها نجمة استعراضية أكثر منها ممثلة، مبررين ذلك بأن تمثيلها فيه نوع من الاصطناع والبعد عن الطبيعي، والبعض الآخر رأى ان خبرتها القليلة وصغر سنها لم يتح لها تقديم اعمال تتطلب إظهار موهبتها في التمثيل، والدليل الذي يستند اليه هذا الفريق هو ابداعها في فيلميها الاخيرين «العشق والدم» و«عرق البلح».

أما شريهان كفنانة استعراضية فلا خلاف على موهبتها، فعلى الرغم من اتهام البعض لها عند بداية ظهورها بتقليد الفنانة نيللي، الا ان شريهان سرعان ما اثبتت انها موهبة مستقلة بذاتها لا تحتاج إلى تقليد أحد.

ورغم الشهرة والنجومية التي حققتها شريهان خلال مشوارها الفني إلا انه أتت عليها لحظات كرهت فيها هذه الشهرة والنجومية، وهو ما دفعها إلى القول: «من الجميل أن تكون إنسانا شهيرا، ومن يدعي غير ذلك فهو كاذب، لكن العيب أن الشهرة تجتاح حياة الفنان الخاصة، بحيث لا يستطيع أن يتنفس كالآخرين، وإذا كان كل إنسان يحب أن يعيش مع نفسه في بعض الأوقات بدون رتوش أو تمثيل فان هذا المطلب البسيط يبدو في حالة الفنان صعبا، وفي حالتي أصعب ، فقد وصلت إلى درجة إنني أحيانا اشتاق إلى رؤية ملامح الناس الحقيقية، هذه هي الضريبة، مع الأسف لا بد أن ادفع الثمن وان اختار ما بين الشهرة والحرية».

ومن أقوال شريهان: «لم أعشق الفن كالأخريات، ولا أدعي أن المواهب كانت تتدفق في دمائي، بل أعترف بأنني أصبحت فنانة بالمصادفة وبدون أي قصد، كنت في طفولتي سريعة البديهة وأتعلق بأخي عمر خورشيد اينما ذهب، وعندما عرض علي البعض أن امثل فوجئت بعد أن جربت هذا بأنني تحولت إلى نجمة شهيرة، هذا كل ما حدث لا أكثر ولا أقل».

وتضيف شريهان: «مازلت أتذكر اليوم الذي ظهرت فيه في التلفزيون وأنا طفلة مع شقيقي عمر خورشيد في برنامج المذيعة الراحلة أماني ناشد وقتها تمنيت أن أكون فنانة مثل أي طفلة وعندما تسألني ما الذي انكسر في هذا الحلم الجميل بعد أن تحولت إلى نجمة استعراضية.. يبدو السؤال وكأنه نوع من الجرح العميق».

لقد ملأت شريهان الحياة الفنية بهجة وشقاوة وانطلاقا قدمت أفلاما ناجحة وحصدت الجوائز وانطلقت على خشبة المسرح وتألقت على الشاشة الصغيرة ولم تستطع أي فنانة أخرى أن تملأ مكانها لذلك ندعو لها بالشفاء وننتظر عودتها لفنها وجمهورها.