رؤية مثقفين روس للسعودية

اثنا عشر بحثا تتناول الأوضاع في السعودية خلال العشرين عاما الأخيرة

TT

صدر عن دار «التقدم» الروسية كتاب بعنوان «الملك المصلح.. رؤية المثقفين الروس» يتضمن اثني عشر بحثا تتناول الاوضاع في السعودية في فترة العشرين عاما الاخيرة بعد تولي الحكم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز. وتكمن اهمية هذا الكتاب الذي اعد باشراف الدكتور ماجد التركي، في انه يقدم بحوثا علمية موضوعية لمختلف جوانب الحياة في السعودية، وهو ما تفتقر اليه المكتبة الروسية حاليا.

ويستهل الكتاب المؤلف من اكثر من 200 صفحة بمقالة د. الكسندر فيلونيك رئيس القسم الاقتصادي في مركز الابحاث العربية بمعهد الاستشراق حول العملية الثقافية ـ الحضارية في السعودية وتحديات العصر، يتناول الكاتب فيها القفزة التي قامت بها البلاد في الأخذ بمقومات التطور الحضاري المعاصر مع تكييفها للواقع الاجتماعي السعودي. ويرى المؤلف ان السعودية في مرحلة تحديث مستمرة تخلو من الهزات والمضاعفات التي طرأت على المجتمعات الاخرى. ويرتبط هذا بصورة اساسية بالنهج السياسي للقيادة السعودية التي اعتمدت الاسلوب «الارتقائي» وليس «الثوري» في التحديث. ويجري هذا في ظروف زحف العولمة التي تغير العلاقات الاقتصادية والانتاجية، وهذه بدورها تؤثر في العلاقات الاجتماعية والثقافية. وحسب قول الكاتب، فإن المجتمع السعودي يبدي صلابة في حماية قيمه الثقافية والحضارية، ويعزى ذلك الى تمسكه بجذوره ومنابته واعتزازه بأصالته. وتمارس دورا رئيسيا في ذلك مكانة البلاد الدينية التي تتوجه اليها انظار العالم الاسلامي بأسره، ولهذا فإن العولمة في السعودية تشكل وسيلة للتلاحم مع المنظومة الاقتصادية العالمية بدون ان تمس السمة المتفردة لوجه البلاد الحضاري.

ويتحدث د. جورجين جوكاسيان في بحث بعنوان «النظام السياسي في المملكة العربية السعودية» عن العوامل المؤثرة في وجود كيان الدولة القائم على الجمع بين عنصر المركزية في القيادة والانطلاق في رسم السياسة الداخلية والخارجية من مصالح المجتمع بأسره. ويتناول الباحث الاصلاحات السياسية التي شهدتها الدولة السعودية في غضون عقدين من الزمان.

اما د. قسطنطين بولياكوف الخبير في مركز الابحاث الاستراتيجية والسياسية، فيتناول في بحثه «العنصر الاسلامي في عملية تشكيل العلاقات الروسية ـ السعودية» جانبا مهما من نشاط السعودية على الصعيد الخارجي. ففي فترة «الصحوة الاسلامية» التي اجتاحت روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي لعبت المنظمات والهيئات ووزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف في السعودية دورا مهما في دعم هذه البحوث بنشر الفكر الاسلامي وبناء المساجد واقامة المؤتمرات والندوات الاسلامية وفتح المجال امام الشباب المسلم في روسيا لتلقي العلوم الشرعية في السعودية والدول العربية والاسلامية. ويتناول الباحث ايضا النشاط الاغاثي وآثاره الايجابية والسلبية. ففي الظروف المعقدة لروسيا الجديدة ودخول المنظمات الاسلامية السعودية مجالا جديدا للعمل وعدم توفر خبرة التعامل مع الدول المستقلة الجديدة، حدثت اخطاء، لكن جرى اصلاحها في الوقت المناسب. ويعترف الباحث بوجود صعوبات في طريق تطبيع العلاقات الروسية ـ السعودية، ولكنه يرى بأن وجود مصالح لروسيا في العالم العربي ومصالح للسعودية في روسيا يساعدان على تطوير العلاقات بين البلدين في المستقبل.

ويشير د. ليونيد سيوكيانين في بحثه «الملك فهد بن عبد العزيز ـ زعيم دولة دستورها القرآن والسنة» الى ان اعتماد السعودية على الشريعة الاسلامية كأساس لبناء الدولة، مارس دوره في تطورها وازدهارها. فالشريعة تشكل سند ومنبع سياسة الدولة على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ويرى د. الكسندر رودريجيس الخبير في الشؤون السعودية في بحثه «اصلاحات الملك فهد في المملكة العربية السعودية» ان عملية الاصلاحات في البلاد بدأت بصورة تدريجية منذ اوائل الستينات وشارك فيها رئيس الوزراء الامير فيصل (آنذاك) والملك خالد والامير فهد (آنذاك)، وانعكست في قرارات اللجنة برئاسة الامير نايف في عام 1980، لكن عملية الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بلغت ذروتها في التسعينات ولا سيما بعد حرب الخليج. ومارست دورا رئيسيا فيها بعض الهيئات مثل مجلس التخطيط الاعلى ومجلس الدفاع الاعلى والمجلس الاعلى للدفاع المدني وغيرها، بالاضافة الى مجلس الشورى. وقد شملت الاصلاحات المؤسسات السياسية والاقتصادية والقضائية والثقافية وحتى العسكرية.

ويتناول د. جريجوري كوساتش من معهد آسيا وافريقيا ود. يلينا ميلكوميان من معهد الاستشراق في بحثهما «المساعدات المالية للمملكة العربية السعودية كعنصر في السياسة» جانبا مهما في مكونات السياسة الخارجية السعودية، وتأتي هذه المساعدات انطلاقا من موقع السعودية القيادي في العالم الاسلامي. ويرى الباحثان بأن هذه المساعدات تركت تأثيرا ملموسا في معالجة الازمات في افغانستان والبوسنة وكوسوفو والشيشان.

ويبحث د. احمد حسينوف في مقالته «مشاكل مجمع النفط والغاز في المملكة العربية السعودية ومحاولات تنويع اقتصادها في التسعينات من القرن العشرين» الاصلاحات المهمة التي جرت في القطاع الاقتصادي الذي يعتبر مجمع النفط والغاز المحور الاساسي له. ويتناول الباحث تاريخ نشوء صناعة النفط والغاز في المملكة ووضع سيطرة الدولة عليها تدريجيا، وتأثيرها على تطور البلاد عموما في العقود الاخيرة من السنين باعتبارها اساس نهضة السعودية حاليا. كما يتناول الباحث علاقات السعودية مع شركات النفط العالمية، ودورها في منظمة «اوبك» وتحديد اسعار النفط العالمية.

ويشير د. يوري زينين في بحثه «الدفاع والقوات المسلحة والامن الوطني في المملكة العربية السعودية» الى الجوانب الطبيعية والجغرافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية الاستراتيجية لسياسة السعودية في مجال الدفاع. ونظرا لتأزم الاوضاع المستمر في الشرق الاوسط في العقود الاخيرة من السنين، فإن السعودية مضطرة الى تكوين جيش قوي حديث يشكل الحرس الوطني نواته الرئيسية.

ومن جانب آخر، يتحدث الشيخ نفيع الله عشيروف رئيس الادارة الدينية لمسلمي القسم الآسيوي في روسيا الاتحادية في بحثه «بسم الله الرحمن الرحيم» عن توطيد مكانة السعودية باعتبارها زعيمة العالم الاسلامي ودورها في التضامن الاسلامي ومساعداتها الكبيرة الى مسلمي روسيا. ويشير الكاتب الى ان الشؤون الاسلامية في روسيا مثل شجرة نامية ترعاها وتنميها الهيئات الاسلامية في السعودية.

ويتناول د. الكسندر ياكوفليف الباحث الاقدم في معهد الاستشراق بموسكو في بحثه «اقتصاد المملكة العربية السعودية وتطوره» القرارات الاساسية التي صدرت في عهد الملك فهد بن عبد العزيز في مجال تحديث الاقتصاد السعودي والخطط الخمسية التي شكلت نقلة نوعية من التخلف الاقتصادي الى اقتصاد السوق الحديث.

اما د. دميتري جانتييف من معهد آسيا وافريقيا فتحدث في بحثه «التعليم والعلوم والثقافة في المملكة العربية السعودية» عن النهضة التعليمية والعلمية التي يرجع فضل كبير فيها الى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد منذ ان كان وزيرا للمعارف. وتحولت السعودية اليوم الى دولة رائدة من حيث مستوى التعليم وعدد الجامعات من بين جميع دول العالم الثالث.

ويشير الدكتور ماجد التركي في مقدمته للكتاب الى ان الغاية من اصداره هي التعريف بآراء كبار الباحثين الروس الذين يدرسون الشؤون السعودية، واظهار القدرات الكامنة في الميدان العلمي الروسي في مجال البحوث العربية ـ الاسلامية.

مجموعة مؤلفين الناشر: دار التقدم ـ موسكو