بين التوجيه والتحريض

الأرنب «أسوود» الذي يأكل اليهود.. آخر شخصيات «حماس» الموجهة للأطفال

فيلم الكرتون الذي أنتجته حماس مؤخرا والذي يظهرها على أنها أسد فيما «فتح» مجموعة من الفئران
TT

يؤمن خالد المصو، وهو متخصص في فن مسرح الاطفال، واخراج البرامج التلفزيونية والاذاعية للاطفال، انه دوما يجب عبر وسائل الاعلام، تجنيب الاطفال، النزاعات السياسية والمسلحة. ويعتبر ذلك، جزءا من حق الطفل، حتى يقرر هو لاحقا أي طريق يختار. اما محمد رمضان رئيس قسم الاطفال في فضائية الاقصى التابعة لحماس، فيرى ان الاطفال أنفسهم لا يستطيعون تجنب هذه النزاعات، التي اودت بحياة آباء لهم واصدقاء واشقاء.

ويتفق المصو ورمضان على انه يجب تربية الاطفال الفلسطينيين على الانتماء للوطن، لكن كل منهما يعلم اطفاله كيف يحبون الوطن بطريقته الخاصة. ورمضان الذي لعب ادوار 3 شخصيات كرتونية على فضائية الاقصى، بينها فرفور المثير للجدل يقدم الان شخصية، اسوّود الذي قال مؤخرا انه سيأكل اليهود باسنانه. ورغم انتباه الاعلام الغربي، واعتراض مراقبين ومتخصصين، إلا أن اسوّود لم يبد الندم، وقال لـ«الشرق الاوسط» «ان استطعت سـ «أمرمشهم» (اقطعهم) باسناني ايضا». وتابع القول «هذا ما ستسمعه على لساني اليوم وما ستسمعه من الاطفال لو سألتهم». لكن اسوود ينفي ان يكون برنامج رواد الغد الذي تقدمة فضائية الاقصى يدعو الى قتال اليهود بشكل صريح. وقال «نحن نعّرف اطفالنا ونعمل على توعيتهم بحقوقهم وعقيدتهم». وتابع «المناهج الدراسية الفلسطينية ليس فيها الكثير عن القدس والدين والعقيدة، نحاول القول للاطفال ان لنا حقوقا في عكا وحيفا ويافا وتل الربيع، التي سموها تل أبيب».

وحسب رمضان فانهم يعرفون الفرق الحقيقي بين المقاومة والارهاب. مؤكدا أن هذا ليس ارهابا، الاسرائيليون هم الذين يعلمون ابناءهم على الارهاب. وهم الذين احضروا الاطفال ليكتبوا على الصواريخ، (في إشارة الى جملة «هدية من اطفال اسرائيل الى اطفال لبنان»، وهو ما كتبه اطفال اسرائيليون على صواريخ اسرائيلية اطلقت على لبنان في حرب صيف 2006).

وشخصية «اسوود» التي يمثلها رمضان هي الثالثة بعد شخصيتي فرفور، الذي اعترضت على ادائه الولايات المتحدة متهمة اياها بالتحريض على الارهاب، ما اضطر فضائية الاقصى الى التخلص منه، لكن عبر «استشهاده» تحت التعذيب في سجون اسرائيلية. قبل ان يأتوا بشخصية «نحول» الذي «استشهد» مؤخرا بعد مرضه دون ان يتمكن من مغادرة القطاع المحاصر.

ويقول رمضان، او فرفور ونحول وأسوود، «هذه كلها رسائل للعالم العربي والاسلامي». ويشعر رمضان انهم ينجحون في نقل الرسائل فعلا الى أطفال العالم. واضاف «عندما استشهد نحول ظن الاطفال انه فعلا مات بشكل حقيقي، وانا وحدي تلقيت اكثر من 30 اتصالا من الداخل والخارج للاستفسار حول وفاة نحول».

ويصر رمضان على ان فضائيته لا تدعو الأطفال للجهاد كما تتهم بالعادة. لكنه يقول «نحن مع ان يجاهدوا عندما يكبرون»، ويتابع «اما اليوم فنحن ندعوهم للتعلم والتعليم ونضرب لهم مثلا عن علماء مسلمين مثل ابن سينا والرازي».

ويعيش اطفال فلسطين، حياة صعبة وخاصة في ظل استمرار الاحتلال، ويتعرض بعضهم للقتل، والاعتقال، ويفقد الكثير منهم احد ذويهم او كليهما، بالقصف او الاغتيال، كما ان لهم اصدقاء يقتلون وزملاء دراسة واساتذة واقارب. وهي ظروف يعتقد رمضان انها تلقي بظلالها على برنامج رواد الغد. ولا يعرف رمضان كيف يتعايش مع الواقع الصعب احيانا للاطفال، ويقول «لما بحكي معي طفل، ويقول لي أن الاسرائيليين قتلوا والده، ويقول لي على الهواء انه سينفذ عملية استشهادية، ماذا سأقول له؟». وتابع «انا لما بيجيني طفل زي هيك، سأقول له نعم، لما تكبر لازم توخذ بثار ابوك». واضاف «كثيرون من الاطفال يقولون لي، احنا بدنا نقتل اليهود، واليهود وسخين». ويضرب رمضان مثلا حقيقيا عن طفل اتصل بهم بعد ان حكم الاحتلال على والده بالمؤبدات في الضفة الغربية، وقال «انا بدي اعمل عملية استشهادية». وفي فضائية الاقصى يرفضون الاتهامات لهم بتربية الاطفال على الكره والحقد، ويقولون انهم يفرقون جيدا بين الجهاد والارهاب، ويقول رمضان «هناك فرق كبير بين الجهاد والارهاب». واضاف «نحن ندعو الاطفال، للتعلم وحفظ القرآن وبالتفوق على اليهود بطريق العلم والاجتهاد».

ويقر خالد المصو بالتعقيدات التي يعيشها الاطفال، لكنه، لا يوافق على ما يعتبره «توجيه الاطفال» ويعتقد ان ذلك يتعارض مع قانون حقوق الطفل. وهو لا يعمل وفق منطق «زرع الافكار»، ويقول لـ«الشرق الاوسط»:، «لا يجوز استخدام الاطفال في السياسة والنزاعات المسلحة، انهم (فضائية الاقصى) يخربون عقول الاطفال، ويزرعون فيهم افكارا حزبية معينة تخدم اهدافا حزبية». ويحمل المصو بشدة على تربية الاطفال حزبيا. وتربيتهم منذ الطفولة على الانتماء لحزب معين وكره الاخرين. وكانت فضائية الاقصى قد بثت فيلما قصيرا كرتونيا اثار اسيتاء واسعا انذاك في صفوف حركة فتح المنافسة. واظهر الفيلم «أسدا حمساويا» يهاجم «فئرانا فتحاوية»، ويتخلص منها ويطردها من غزة.

وبخلاف رمضان، فان المصو لا يقبل من خلال مسرحياته وبرامجه التي يخرج بعضها ان يشجع طفلا على الجهاد. ويقول «لا يجوز ان نتحدث اليهم مباشرة، هكذا نمنعهم من حق الاختيار، يجب ان نعطيهم حق ممارسة الديمقراطية».

ويؤمن خالد بانه يجب ان يربي الطفل على حقوقه، ويقول ان هناك تربية وطنية وبحسبه فانه يجب ان نزرع في الاطفال حب الوطن، لكن لا يجوز ان نزرع فيهم مفاهيم معينة، ويجب ان نترك لهم ان يقرروا».

ووفق المصو «فان هناك اشكالا مختلفة للمقاومة». واضاف «لعله يريد ان يقاوم بالقلم او المسرح او في مجالات اخرى». ويتابع خالد كل ما يعرض من برامج للاطفال، وتلك التي تقدمها فضائية الاقصى، ويقول «لدي تحفظات كثيرة على ادائهم». وباستغراب كبير، يتابع «مثلا، الاطفال غير مدعوين لأكل اليهود ابدا»، (في اشارة الى قول اسوود «بدنا نوكلهم اليهود») وتابع خالد «لا يجوز، وهذا تحريض، نحن سنربي جيلا على الكره فعلا بهذه الطريقة». وتراقب الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال في فلسطين، جملة من الانتهاكات الاعلامية لحقوق الطفل الفلسطيني، كما قال لـ«الشرق الاوسط»، داوود الدرعاوي المستشار القانوني للحركة، ويؤكد الدرعاوي ان جدلا على مستوى المنظمات العالمية، يدور حول حق الطفل في المقاومة، وتحديدا المسلحة.

ويقول الدرعاوي ان اتفاقية حقوق الطفل الدولية، تعطي الاطفال حقين اساسيين؛ الاول، حق الطفل في التعبير عن رأيه والمشاركة حتى لو كان رأيا سياسيا. والثاني، حق الطفل في المعرفة، وانه يخضع لاحتلال ينتهك حقوقه في التعليم والتنقل والعلاج، الخ. وحول الجدل الدائر حول حق الطفل في المقاومة، يؤكد الدرعاوي انه تم حظر استخدام الاطفال في العمل العسكري، ولا بأي شكل. وقال «اتفاقية حقوق الطفل منعت مشاركة الاطفال في العمل العسكري من سن 15. واتفاقية اسوأ اشكال اعمال الاطفال، منعته تحت سن 18، للفصائل المسلحة، وسمحت للاطفال المشاركة في الجيوش النظامية فقط، لكن بدون المشاركة في العمليات المسلحة.

ويشجع الدرعاوي على اشراك الطفل في المقاومة، لكنه يقول يجب ان نميز بين وسائل المقاومة. وتابع «الحق في المقاومة حق اساسي، وتقرير المصير حق اساسي، والطفل عندما يرسم لوحة او يناصر قضيته، او يوصل صوته للراي العام الخارجي، هذه مقاومة».

ويحاول الدرعاوي ان يختصر الجدل بقوله «يجب عدم زج الطفل في المقاومة العنيفة، يجب تجنيب الطفل هذا الشكل من المقاومة التي تؤثر بشكل مباشر على حياته وصحته وحتى نفسيته».

وفي الوقت الذي سجلت في الحركة العالمية للدفاع عن الطفل انتهاكات الاعلام الفلسطيني، فانها وثقت لانتهاكات اسرائيلية تراها اخطر بكثير. وقال الدرعاوي «الإعلام الاسرائيلي استخدم وشوه الحقائق، وشارك في التحريض على الاطفال الفلسطينيين». واوضح المستشار القانوني للحركة «حققنا كمؤسسة في بعض القضايا، لاطفال فلسطينيين معتقلين، جزء من هذه القضايا مفبرك. تجد ان الاعلام الاسرائيلي جاء فجأة الى حواجز عسكرية اسرائيلية، لتصوير طفل يحمل حزاما ناسفا، ومن ثم يحرض ويوزع الصور للعالم».

ويرى الدرعاوي ان الاعلام الاسرائيلي اكثر ذكاء في ان يتجنب النقد، ويحرض بطريقة غير مباشرة احيانا، وان كان هذه لا ينطبق على وسائل اعلام خاصة، او تتبع المستوطنين. وحسب الدرعاوي فان هناك وسائل اعلام «داخل المستوطنات وبينها مجلات تدعو اطفال المستوطنين للتدرب على السلاح من اجل مقاتلة الفلسطينيين». ورغم مجموعة الانتقادات التي تواجهها فضائية الاقصى، فانها تخطط لاطلاق فضائية متخصصة للاطفال، حسب ما قاله رمضان، واضاف «نهجنا واضح وسنستمر به، وانجزنا حتى الان 36 برنامجا للفضائية الجديدة .. نحن نعلمهم حقوقنا وواجباتنا وما هو لنا، ولن نتوقف عن ذلك».