أجمع مراقبون على أن المواجهة بين الحكومة الأردنية والمواقع الإلكترونية بدأت تتضح معالمها بعد أن أقرت محكمة التمييز (أعلى سلطة قضائية) بأن المواقع الإلكترونية هي مطبوعات صحافية وينطبق عليها قانون المطبوعات والنشر الذي يحظر نشر أي أخبار عن العائلة المالكة والجيش والأمن والأديان والإساءة إلى الوحدة الوطنية وغيرها من المحظورات المنصوص عليها في قانون المطبوعات والنشر.
ويرى المراقبون أن هذا القرار جاء هدية من السماء إلى الحكومة، فعن طريقه يمكن للحكومة هز العصا متى شاءت أو دعت الحاجة إلى ذلك.
لقد لوحت الحكومة في بداية الأمر أنها ستشرع في صياغة نظام خاص تخضع بموجبه هذه المواقع لقانون المطبوعات والنشر أسوة بالصحف.
ويرى ناشرو المواقع أن هذه الخطوة استهداف استباقي لمنابرهم الفضائية ومحاولة للحد من سقف الحريات الذي توفره، مستغلة الفراغ الذي تركه الإعلام الرسمي المرعوب.
لقد أدرك رئيس الوزراء الأردني سمير الرفاعي أن المواجهة الآن مع المواقع الإلكترونية قد يفتح الباب على مواجهة مبكرة مع حكومته الجديدة، التي تحاول إصلاح صورة الحكومات الماضية وتعطى انطباعا مبكرا أنها غير ملتزمة بالتوجيهات الملكية السامية بالعمل على توسيع هوامش الحريات الصحفية وعدم التضييق عليها.
ونوه الرفاعي لدى لقائه في دار رئاسة الوزراء نقيب وأعضاء مجلس نقابة الصحافيين حرص الملك عبد الله الثاني على تعزيز دور الصحافة ومكانتها في تنمية المجتمع، مؤكدا أن الملك هو من ضمِن للإعلام السقف المفتوح من الحرية المسؤولة.
وبشأن عمل المواقع الإلكترونية أكد الرفاعي أن الحكومة لا تعمل على تقييد عملها، مشيرا في الوقت نفسه إلى أهمية وضع ميثاق شرف لعمل المواقع من شأنه ضبط أخلاقيات المهنة.
من جهته قال نبيل الشريف وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق باسم الحكومة الأردنية: إننا ندرس الآلية القانونية للتوافق مع قرار محكمة التمييز.
وأضاف الشريف: علينا احترام القرار القضائي، ونحن الحكومة لم نتخذ أي إجراء ولم نصدر أي نظام أو تعديل على قانون المطبوعات، وإنما القرار صدر عن السلطة القضائية التي نحترم قراراتها، مشيرا إلى أن وزارة العدل ودائرة المطبوعات يدرس فيها حاليا مستشارون قانونيون آلية التوافق مع القرار القضائي وإجراءات تطبيقه، موضحا أنه «لم نرسل الموضوع إلى ديوان التشريع ولكن إذا لزم الأمر فإننا سنحيله إليه». واستهجن الشريف هذه الهجمة غير المسبوقة والمزايدات غير المسؤولة على الحكومة، مشيرا إلى أن الذي أصدر القرار السلطة القضائية وليست الحكومة. وقال الشريف: إن هناك 104 موقع إلكتروني تصدر من الأردن، مؤكدا أن بعض هذه المواقع تخدم أهدافا شخصية ولا تخدم الوطن ولا المواطن. من جانبه قال نقيب الصحافيين الأردنيين عبد الوهاب الزغيلات: قررت محكمة التمييز اعتبار المواقع الإلكترونية مطبوعات صحافية، وإننا ننتظر من الحكومة تكييف وضعها مع القانون، وإذا تم ذلك فإن ما ينطبق على المطبوعات الصحافية سيطبق على هذه المواقع، وسيعين لها رئيس تحرير مسؤول وجميع العاملين فيها من صحافيين سيُضمون إلى عضوية النقابة وفق قانون النقابة الذي يشترط التفرغ والضمان الاجتماعي في المؤسسة التي يعمل بها. واستعبد الشريف أن يكون هناك انفلات في القبول للنقابة خاصة أن قانون النقابة يضع آلية واضحة للصحافي والمتدرب. واتفق ناشرو صحف إلكترونية ومحرروها على إعداد برنامج تصعيدي لمواجهة ما وصفوه «بالتضييق على الصحافة الإلكترونية والرقابة عليها»، حيث شُكِّل ائتلاف يضم ناشري الصحف الإلكترونية ورؤساء تحريرها، والتعامل معه كإطار تنظيمي ينظم المهنة ويتصدى لكل المعوقات والتحديات التي تعترض العاملين فيها، ومطالبة الحكومة بإشراك العاملين في قطاع الصحافة الإلكترونية في صياغة النظام الملحق بقانون المطبوعات والنشر المزمع إقراره.
وتوافق المجتمعون على تشكيل لجنة من المواقع الإخبارية (عمون، وسرايا، وخبرني، وكل الأردن، وزاد الأردن، وعمان ون) وتكليفها بإجراء الاتصالات مع المسؤولين على أعلى المستويات لبيان موقفهم من الاستهداف الذي تتعرض له الصحافة الإلكترونية والهجمة غير المبررة التي يقودها مسؤولون في الحكومة ضدها وتشارك بها صحف ووسائل إعلام أخرى.
وتوافق المجتمعون على إعداد برنامج تصعيدي لمواجهة التضييق على الصحافة الإلكترونية والرقابة عليها على نحو سيحرم جمهور الإعلام الإلكتروني من حق الحصول على المعلومة والتعليق عليها والتفاعل معها وحقه في التعبير عن رأيه.
يشار إلى أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد قال: الحرية سقفها السماء، وأنه يمنع حبس الصحافي جراء كتابة مقالة أو مادة صحافية، وأن الحكومة ملتزمة بما قاله الملك، إلا أن قانون المطبوعات والنشر لم يعدل مواده التي تجيز حبس الصحافي كذلك لم تعدل مواد قانون العقوبات.
من جانبه قال سمير الحياري رئيس تحرير صحيفة عمون الإخبارية: أعتقد أن رئيس الوزراء سمير الرفاعي رجل متفهم لأهمية الفضاء الخارجي والإنترنت، ولهذا فإن توجيهاته في هذا الشأن أسهمت بصورة كبيرة بنزع فتيل الأزمة بين الصحافة الإلكترونية والحكومة، وذلك من خلال إيجاد صيغة جديدة وصور إيجابية للحوار والالتقاء مع رئيس ديوان التشريع، الذي أخذ على عاتقه الحوار مع لجنة مقاومة قوانين الحظر على الإنترنت التي شكّلها القائمون على الصحافة الإلكترونية.
وأكد الحياري لـ«الشرق الأوسط» أن اللجنة التقت مع رئيس ديوان التشريع هشام التل حيث تم الحوار حول إيجاد أدبيات ومواثيق شرف تجعل الصحافة الإلكترونية جميعها منسجمة مع الخط الديني والأخلاقي والمهني للدولة الأردنية، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية العليا والابتعاد عن الابتزاز إضافة إلى إيجاد منبر حر للمواطن للتواصل والتعليق على الأخبار.
وقال: إنه ليس من السهل على الإطلاق السيطرة على المواقع ولا يمكن لأي مؤسسة السيطرة على الفضاء الخارجي، مؤكدا أنه إذا استطاعت الدولة السيطرة على الفضاء الداخلي فإنه من الصعوبة بمكان السيطرة على الفضاء الخارجي.
وترى علا ديدح أن المواقع الإلكترونية جيدة ومفيدة وتزودنا بأخبار جديدة ونعرف ما يدور حولنا في البلد، وقالت: إن الصحف الإلكترونية تنشر الأخبار التي لا تنشرها الصحف اليومية، وأحيانا تنشر الأخبار أسرع من وكالات الأنباء.
أما سيف صوالحة فيقول: إنه في ظل الثورة المعلوماتية التي نعيشها فإن السيطرة على هذه المواقع صعبة، إضافة إلى أنه تقييد للحريات في الأردن التي نرى أنها أفضل بكثير من دول أخرى.
وأضاف أنه على الصحافة الإلكترونية أن تنظم نفسها بنفسها وأن تجد لنفسها مظلة معايير يحكم عملها من دون أن تضطر الحكومة للجوء إلى سن قانون يضبط عملها.
أما خولة الحايك المستشارة الإعلامية في مستشفى ابن الهيثم فلها رأي آخر في الصحف الإلكترونية وترى أن بعض هذه الصحف لا توجد لديها مصداقية ولا موضوعية في تناول الأخبار، وعلى العكس تقوم بعضها على ابتزاز الشركات والأشخاص بوضع إعلان أو دفع أموال إليهم في سبيل تلميع بعض الأشخاص، فإذا دفع الشخص فإنك ترى كل عبارات المديح له ولا تجد في التعليقات أي رأي ضده، كما أنهم يقومون على شطب أي رأي مخالف لا يتماشى مع الخبر. وفي اللقاء الذي جمع رئيس ديوان الرأي والتشريع المحامي هشام التل مع ناشري المواقع الإلكترونية، أكد التل أن الحكومة لا تنوي قطعا وضع قانون خاص بالمواقع الإلكترونية أو إقرار نظام خاص ملحق بقانون المطبوعات والنشر وهو ما أكده مستشارا رئيس الوزراء سميح المعايطة وعبد الله أبو رمان اللذان قالا: إن الحكومة ملتزمة باحترام الحريات الصحافية ولا تسعى إلى فرض أي قيود على الصحافة الإلكترونية.
وتعهد التل أنه سيصدر في وقت لاحق فتوى تشرح قرار التمييز الذي أخضع كل ما ينشر في المواقع الإلكترونية لقانون المطبوعات والنشر، مبينا أن قرار المحكمة جاء نفعا للقانون وأنه لا يعني حسب تفسيره للقرار حاجة الصحف الإلكترونية لطلب ترخيص من دائرة المطبوعات والنشر ووضع رئيس تحرير وفق قانون المطبوعات والنشر. وإن المطبوعة وفق قرار محكمة التمييز لا علاقة لها بمهنة الصحافة بمكوناتها التقليدية (صحف، مجلات، إذاعات، تلفزيونات) ولا تنطبق عليها شروط المطبوعة الدورية (الصحافية) كما جاء في مواد قانون المطبوعات والنشر.
ونبه التل إلى ضرورة أن ينظر إلى ما ينشر من مواد وآراء وتعليقات في الصحف الإلكترونية على قاعدة حسن النية، إلا إذا أثبت المدعي عكس ذلك.
وأكد أعضاء اللجنة أن ناشري الصحف الإلكترونية عازمون على تبني ميثاق شرف يتوافق عليه العاملون في هذا المجال في محاولة ذاتية للارتقاء بالمهنة وتجاوز كل الملاحظات.