تداعيات الأزمة المالية تجبر «هاربر» على إجراء تغييرات في هيئة التحرير

انخفض معدل قراءة المجلة إلى أقل من 35 ألف قارئ.. وهبطت مبيعاتها المطبوعة

الأزمة المالية تجبر أقدم مجلة في أميركا على تغيير رئيس تحريرها («نيويورك تايمز»)
TT

في مساء يوم الأربعاء الماضي، انضم جون ماك أرثر، رئيس وناشر وممول مجلة «هاربر» إلى فريق التحرير بعد لقائهم الشهري. وبعدما انضم إليهم الموظفون في قاعة المؤتمرات المكتظة قال لهم ماك أرثر، المعروف باسم «ريك»: «نحن نتعرض لكارثة». وكانت أعداد المجلة التي يرجع تاريخها إلى عام 1850 تذكر الجميع بأصالة مجلة «هاربر» وتفوقها.

وفي حوار امتد لمدة 40 دقيقة، تاركا العديد من الحضور في حالة من الحيرة، تحدث ماك أرثر، 53 عاما، حول المشكلات التي تواجه «هاربر»، حيث انخفض معدل قراء «هاربر» إلى أقل من 35 ألف قارئ، كما هبطت مبيعات المجلة المطبوعة. وقال ماك أرثر وفقا لبعض حضور الاجتماع إن الأسوأ من ذلك هو أن «هاربر» كانت تبدو غير مواكبة للأحداث «فقد كان التيار الأساسي لوسائل الإعلام يتجاهلها تماما».

ولكنه لم يتحدث حول أكبر المخاوف التي تتردد في أذهان الجميع: فقبل يومين، وبدون أي إنذار، قام ماك أرثر بفصل رئيس التحرير، روجر هودج، الذي يحظى بشعبية واسعة عقب حوار لم يتجاوز خمس دقائق خلال تناول هودج لإفطاره.

وقد تسببت تلك الواقعة في إثارة الأجواء داخل المجلة التي كانت دائما تتسم بالهدوء حيث كانت تنأى بنفسها دائما عن الإيقاع المتسارع الذي يميز أوساط النشر بنيويورك.

جدير بالذكر أن مجلة «هاربر» مؤسسة غير ربحية، تعتمد على دعم ماك أرثر. ونظرا لانخفاض عائدات الإعلانات، كانت كثير من المؤسسات قد بدأت تفكر في الاعتماد على ذلك النموذج - الذي يعتمد في تمويله على مزيج من العائدات والتبرعات - لتمويل صحافة ذات جودة عالية. ولكن وكما يتضح من الأوضاع في مجلة «هاربر»، لم يعد هناك نموذج محصنا ضد التغيرات، خاصة عندما يكون المكان خاضعا لنفوذ شخص واحد.

وفي ظل فصل هودج، ووفقا لما قاله أحد المحررين الذين التقينا بهم، والذي طلب عدم الإفصاح عن هويته - على غرار باقي العاملين بالمؤسسة - حتى لا يتعرض للفصل: «هناك إحساس بأنه توجد سلطة واحدة في المكان ترجع إليها جميع الأمور».

ومن جهته، يقول دونوفان هون أحد كبار المحررين بالمجلة: «لقد اندهش جميع المحررين من ذلك القرار. فقد كان أفضل هودج من أفضل رؤساء التحرير الذين عملت معهم». وقد طلب المحرر المتعاون من الخارج، جون برغر، إزالة اسمه من المجلة احتجاجا على فصل هودج.

وعلى أي حال، لم ينجح ذلك النموذج من المؤسسات تماما في تجنب تبعات الأزمة المالية. فوفقا لأحدث الوثائق التي أتيحت لنا، كان ماك أرثر يتبرع بأكثر من 3 ملايين دولار سنويا لـ«هاربر» في الفترة من 2004 إلى 2008. كما انخفضت أصول المؤسسة بقوة إلى 12.1 مليون دولار في 2008 بعدما كانت 34.3 مليون في 2001. ومنح ماك أرثر المؤسسة 4 ملايين دولار في 2008، وهو ضعف ما كان يمنحه لها قبل عامين.

وبالرغم من أن ماك أرثر قال إن أصول المؤسسة يمكن أن تتعافي في أي وقت، فقد كان قد بدأ يبحث عن متبرعين آخرين، بل إن فريق العمل بالمجلة كان قد أعد إعلانا خلال الخريف الحالي للبحث عن متبرعين ضمن القراء. ولكن ماك أرثر يقول الآن إنه يعارض تلك الخطة بقوة قائلا: «نحن فخورون باستقلالنا».

من جهة أخرى، تقول باربرا إيهرنريتش، أحد المحررين المتعاونين مع المجلة: «لا توجد كثير من الأماكن التي تقدم ذلك النوع من المقالات أو التقارير الطويلة، وبالتالي فإن من يقومون بذلك العمل يعتمدون عليه إلى حد كبير، مما يجعلني متوترة للغاية».

وقد أخبر هودج فريق العمل لديه، يوم الاثنين، أن ماك أرثر طلب منه أن يستقيل، ولكنه رفض، فقام ماك أرثر بعد ذلك بفصله. وأخبر ماك أرثر «نيويورك تايمز» يوم الثلاثاء أن هودج هو من اتخذ القرار بترك المجلة. وبعد ذلك، أقر بأنه أساء التعبير، ولكنه رفض أن يؤكد أنه فصل هودج.

ومن جهة أخرى، أخبرنا هودج في رسالة إلكترونية: «أنه ليس مستعدا في الوقت الراهن للتعليق على مسألة تركه المجلة». وفي حوار أجري معه، يوم الجمعة، قال ماك أرثر إنه لا يريد أن يناقش خطة فصل هودج: «لن أخوض في تلك المسألة فهي مسألة بيني وبين روغر، الذي أكن كل الاحترام له».

وبالرغم من أن معظم الناشرين يأتون من خلفيات تتعلق بالمبيعات، فإن معظم خبرة ماك أرثر تتعلق بالجانب التحريري. فقد كان يعمل كصحافي بدوام كامل عندما كان عمره 26 عاما، ولكنه وصف نفسه في أحد الحوارات التي أجريت معه بأنه: «محرر محقق». ويؤكد أصدقاؤه وخصومه على السواء أن لديه التزاما قويا باستقلالية الصحافة وبدورها في الكشف عن الفضائح. ولكنهم يتساءلون إذا ما كان لدى ماك أرثر خطة لأخذ دور تحريري أوسع بمجلة «هاربر».

وكانت بداية العلاقة بين ماك أرثر ومجلة «هاربر» عندما كان ماك أرثر ما زال يعمل كصحافي لصحيفة «طلاب كولومبيا»، حيث ذهب إلى المحرر المخضرم لويس لابهام لتغطية كلمة يلقيها، ومنذ ذلك أصبح مولعا به. كما كان ماك أرثر مولعا بفكرة الصحافة المستقلة ويحلم بشراء إحدى المطبوعات لتعزيز تلك الفكرة.

وكان ماك أرثر قادرا على تحقيق ذلك، لأنه ينحدر من أسرة ثرية. فقد تمكن أبوه، الابن المحروم من الميراث لقطب صناعة التأمين جون ماك أرثر، من تكوين ثروته الخاصة. وفي عام 1980، حث ماك أرثر الذي كان في ذلك الوقت صحافيا يبلغ 24 عاما بمجلة «شيكاغو سان تايمز» المؤسسة التابعة لعائلته على شراء المجلة، التي كانت قد أوشكت على الانهيار بمبلغ 3 ملايين دولار. ومنذ ذلك الوقت، كان ماك أرثر يمول المجلة عبر المؤسسة التابعة لعائلته. فيقول لابهام: «لقد كان ريك صغيرا للغاية، ولكنه كان مخلصا لفكرة إنقاذ المجلة».

وكان مايكل كينسلي الذي ترأس تحرير «هاربر» في الفترة من 1981 إلى 1983 يعرف ماك أرثر في ذلك الوقت. فيقول: «أعتقد أنه كان غير مستقر فكريا». وكان ماك أرثر منبهرا بمجلة «هاربر». فيضيف «هاربر»: «لقد كان ريك يملك المال وقد اشترى المجلة من أجل لويس لابهام».

وقد عمل لابهام، الذي أعاده ماك أرثر إلى التحرير عندما أصبح ناشرا للمجلة في عام 1983، على إعادة تصميم المجلة في عام 1984، حيث أضاف فهرست «هاربر»، وقسما للقراءات، وقسما للحواشي، مما مكن المجلة من إضافة كثير من التعليقات الموضحة للصور.

وبالرغم من أن هودج قد استبدل لابهام في عام 2006، ما زال تصميم المجلة وإيقاعها من دون مساس. وقد فازت المجلة بكثير من الجوائز عن المقالات والأعمال الأدبية، ولكنها تجنبت تغطية موضوعات الثقافة الشعبية مثل الرياضة وأخبار هوليوود، رغم أن «نيويوركر» كانت قد بدأت تفعل ذلك. وعلى موقعها الإلكتروني، أتاحت «هاربر» معظم محتواها للمشتركين، ولكنها لم تجذب سوى قدر قليل من الإعلانات.

وتقريبا، لا يوجد أي أعمدة جانبية، أو رسوم توضيحية أو غيرها من الأشياء التي تميز المجلات الحديثة؛ أي أن «هاربر» قد تمكنت من الحفاظ على أسلوبها، رغم التغير الدائم للتوجهات الإعلامية.

ومن جهة أخرى، يقول إريك فونر المؤرخ بجامعة كولومبيا، وأحد أعضاء مجلس إدارة المجلة: «لم تخضع (هاربر) لكل التغيرات أو بالأحرى البدع التي طرأت على صناعة النشر. وعلى المستوى المالي، لا أعرف إذا ما كان ذلك أمرا طيبا أم لا، ولكنني أعتقد أنه أمر طيب، لأن «هاربر» لديها هدف واضح». وقد ساعد ذلك الهدف المجلة على أن تجلب كتابا مرموقين ومحررين مخلصين، بالرغم من مرتباتهم المنخفضة «يحصل مساعد المحرر على 30 ألف دولار). ولكن المحررين في المقابل يشعرون بأنهم يعملون في مكان مستقر، حيث بدأ نحو 9 من المحررين الذين يبلغ عددهم 18 محررا كمتدربين بالمجلة.

ولكن على غرار غيرها من المجلات، واجهت «هاربر» مصاعب نظرا للأزمة المالية. ففي عام 2008، حيث انخفضت مبيعاتها من عدد المجلات التي يتم توزيعها عبر أكشاك الصحف إلى 30.9 في المائة، بعدما كانت تبلغ 44.5 في المائة قبل ذلك بثلاث سنوات، وبالتالي أصبحت تلي «أتلانتيك»، «نيويوركر»، ووفقا لجون هارينغتون الخبير بالنشر.

ولم يكن لدى المجلة في عام 2009 سوى 232 صفحة من الإعلانات فقط، وهو ما يعد أقل من باقي المجلات، ولكنه ما زالت وفقا لـ«ميديا إنداستري نيوزليتر»، ضمن عدد قليل من المجلات. كما انخفض عدد المشتركين كذلك، رغم ارتفاع معدل تجديد الاشتراكات الذي بلغ 76 في المائة. وكان معدل التوزيع الكلي يقارب 200 ألف.

كما حث ماك أرثر على المزيد من التعاون بين الجانبين التحريري والإعلاني. وقال ماك أرثر في حواره مع فريق عمله يوم الأربعاء: «ما أحاول أن أقوم به هو أن أمرر لكم بعض الأشياء الأساسية التي يجب أن تتغير في ثقافة «هاربر».

وكان هودج على استعداد للتعاون مع الجانب الإعلاني، وفقا لما قاله المحررون، ولكنه كان في الوقت نفسه حاسما عندما شعر بحدوث تجاوز للخط الفاصل بين الجانبين. فعلى سبيل المثال، عندما نشرت المجلة في عام 2008 إعلانات لشركة الخطوط الجوية البريطانية فيما بدا وكأنه حاشية لأحد الموضوعات المنشورة بالمجلة، وصلت بعدها إلى المجلة رسائل من القراء تشجب ذلك، ومن ثم أعلن هودج معارضته لذلك. ولكن الجانب المسؤول عن الإعلانات رأى أن موقف هودج كان متحفظا أكثر من اللازم، حيث إنه أزال اسمه من دليل البريد الصوتي الخاص بالمكتب، كما أنه لم يكن يحظى بتأييد لابهام.

فيقول أحد المحررين: «إن الجانب المالي كان يدار كما كانت تدار (إسكواير) في عام 1968، فيما كان الجانب التحريري يدار كما كانت تدار منظمة العفو الدولية في عام 1987. مما يجعلها بيئة صعبة للغاية».

وحتى الآن، عين ماك آرثر إيلين روسنبروش التي كانت تعمل كمدير التحرير كرئيس للتحرير. وقد أعرب بعض المحررين عن تخوفهم من تزايد نفوذ ماك أرثر: فعلى سبيل المثال طلب ماك أرثر مؤخرا من المحررين أن يأتوا إليه مباشرة بشأن خطط المقالات التي تحتاج إلى نفقات كبيرة.

ومن جهة أخرى، قال ماك أرثر وروزنبوش في لقاء مشترك إنه لم يخطط لإحداث أي «تغييرات جذرية». وقال ماك أرثر إنه لا يرى أن دوره قد تغير.

وأضاف: «أريد أن أكون ناشرا. وبالطبع أن أشارك أفكاري مع رئيس التحرير، فنحن نتبادل الآراء، كما أن العمل هنا لا يتسم بالصيغة الرسمية - فهو مكان صغير - ولكنني أؤكد أنني لست أخطط لأن أصبح أكثر تدخلا مما كنت عليه في الماضي».

* خدمة «نيويورك تايمز»