جدل حول استعانة الصحف بمصادر خارجية لأخبارها

خلفت الكثير من القضايا نتيجة الانحياز الواضح إلى أحد أطراف القضية

على الرغم من تقلص المصادر يجب على المنشآت الصحافية بذل المزيد من الجهد في تحديد ماهية مصادر معلوماتها («نيويورك تايمز»)
TT

أصبح هناك الكثير والكثير من المصادر للأخبار التي تصلنا والتي لا يعرف عنها القراء سوى أقل القليل من المعلومات.

لقد كان الناشرون والشبكات الإخبارية يدعون دائما إلى العمل الصحافي الحر (العمل بالقطعة)، ولكن منذ جيل واحد كانت استعانة المنشآت الصحافية بمواد من مصادر أخرى تقتصر على حفنة قليلة من المؤسسات الكبرى الشهيرة والعريقة مثل «أسوشييتد برس» و«رويترز». ولكن في ظل الأزمات التي تواجهها المنشآت الإخبارية العريقة، برزت منافذ إخبارية صغيرة مثل «بروبابليكا»، و«غلوبال بوست»، «بوليتيكو»، «كايسر هيلث نيوز» خلال السنوات القليلة الماضية، وأصبحت تبيع أو تمنح التقارير الإخبارية لوسائل الإعلام التقليدية.

من جهته يقول آلان ماتر المستشار الإعلامي والمحرر الصحافي السابق الذي كان يرسل مدونات حول الأخبار المالية: «أصبحت هناك ضغوط أكثر من أي وقت مضي للحصول على المحتوى من المصادر الخارجية، وسيزداد الطلب على ذلك في المستقبل».

وفي الوقت نفسه فإن ذلك يعني أنه على الرغم من تقلص المصادر يجب على المنشآت الصحافية بذل المزيد من الجهد في تحديد ماهية مصدر تلك المعلومات، وشرح ذلك للجماهير التي تتلقى تلك الأخبار.

وقد اندلع جدال مؤخرا بشأن تلك القضية بعدما نشرت «واشنطن بوست» مقالا من المؤسسات الإخبارية الحديثة «فيسكال تايمز» حول الجدال المتعلق بالإنفاق الحكومي، دون الكشف عن أن الراعي المالي لتلك المؤسسة هو بيتر بيترسون الذي له مصلحة مباشرة في القضية، بالإضافة إلى الصلات التي تربطه ببعض الخبراء الذين تم ذكرهم في ذلك الموضوع. وقد اعترفت «واشنطن بوست» لاحقا بأنه كان يجب عليها الإفصاح عن تلك الصلات، كما وجد المحقق في الشكاوى، أندرو ألكسندر، زلات في المقال، وإن لم تكن ذات صلة وثيقة بأهواء «فيسكال تايمز».

وكانت هناك قضايا أكثر إثارة للجدل، بما في ذلك التقارير التي تقدمها البرامج الإخبارية التلفزيونية التي أنتجها أشخاص من خارج الوسط الصحافي لهم انحياز واضح لأحد أطراف القضية. ومن أشهر الحالات في ذلك السياق إنتاج إدارة الرئيس السابق جورج بوش فيلما في عام 2004 يبدو وكأنه تقرير إخباري يؤيد التغيرات المقترحة للرعاية الصحة، وهو التقرير الذي بثته عشرات القنوات في كافة أنحاء البلاد. ويقول الكثير من المحللين الإعلاميين والتنفيذيين إنهم لا ينظرون إلى ذلك النوع من «إسناد الأعمال إلى الجمهور» أو «outsourcing» - حيث إن المنشآت الصحافية العريقة تستعين بصحافيين ذوي خبرة ولديهم تاريخ مهني طيب - في المقالات الصحافية باعتباره عملا يحتوي على ثغرات، ولكنهم يقرون في الوقت نفسه أنه ينطوي على مخاطرة كبرى. كما يضيف المحللون أنه من المرجح ظهور أفراد أو مجموعات ذات أهواء محددة، والتي تعرض ملء الفراغ الموجود في التقارير الصحافية التي تقدمها المؤسسات الإخبارية، وكلما تزايد وجود مثل تلك المؤسسات ازدادت صعوبة التنبؤ بأجنداتهم.

ويقول كيلي ماكبرايد قائد مجموعة الدفاع عن القيم بأكاديمية «بوينتر» للصحافيين بسان بيترسبرغ بفلوريدا: «أؤكد لكم أن بعض الصحف سوف تستعين بذلك الكلام الفارغ وينشرونها في صحفهم».

وبالنسبة إلى القراء، أصبح من الصعب التحقق من مصداقية تلك التقارير. فتقول آن ماري لبنسكي المحررة السابقة بشيكاغو تريبيون: «أجنداتهم ليست واضحة. فيجب أن تكون هناك شفافية مطلقة». (قامت «نيويورك تايمز» بطباعة أخبار مؤسسة «بروبابليكا» ومؤسسة «شيكاغو نيوز كوبيريتيف»، كما أنها وضعت مؤخرا واحدة من مدوناتها التي تغطي أخبار بروكلين في أيدي الطلاب والعاملين بمدرسة خريجي الصحافة بجامعة سيتي بنيويورك).

ويقول الخبراء إنه عندما يشارك الكثير من الأشخاص في تمويل وإدارة إحدى المنشآت الإخبارية، تقل مخاطر تسلل أجندة معينة أكثر من أن يكون هناك مالك واحد للمنشأة الصحافية أو راعٍ لها مثل السيد بيترسون. وذلك رغم أن كلا من السيد بيترسون و«فيسكال تايمز» يؤكدان أن السيد بيترسون لا يتدخل في الجانب الصحافي للمؤسسة.

جدير بالذكر أن الكثير من الأسئلة المشابهة، وإن لم تكن بنفس الوضوح، قد أثيرت حول عائلة ألبريتون التي تمتلك «بوليتيكو» و«هربرت وماريون ساندلر» اللذين دفعا الجزء الأكبر من التمويل الذي تعتمد عليه «بروبابليكا». ولكن ما لا يستطيع أحد التنبؤ به هو إذا ما كانت السنوات القادمة سوف تشهد تسارع الأثرياء أو الجماعات لإنشاء منشآت صحافية خاصة بهم - سواء كان لها انحياز واضح أم لا - للوصول إلى المستهلكين سواء من خلال تقديم أعمالهم على نحو مباشر أو من خلال منح أعمالهم للصحف والشبكات الإخبارية.

ومع ذلك فإن تلك المخاطر المتعلقة بـ«إسناد الأعمال إلى الجمهور» ليست جديدة تماما، فبالنسبة إلى استخدام موضوعات صحافية تعتمد على مصادر خارجية لا تلتزم بالحياد، فإنه كما يقول ماتر: «هناك الكثير من الصحف التي تأخذ البيانات الصحافية ثم تنشرها في الصحف».

ولعدة أجيال، كان ملاك الصحف الذين ليسوا مضطرين إلى توضيح مواقفهم للمساهمين يستخدمون صحفهم لتحقيق أهدافهم السياسية، ومن أشهر الأمثلة على ذلك القطب الصحافي الشهير في أوائل القرن العشرين ويليام راندولف هيرست، وروبرت ماككوميك، وهاريسون غراي أوتيس. بل إن فكرة الملكية المشتركة للصحف لم تصبح شائعة حتى أواخر القرن العشرين.

من جهة أخرى، يقول فيليب بالبوني رئيس والرئيس التنفيذي لـ«غلوبال بوست»: «لقد مررنا بعصر الملكية المشتركة، وفي ظل تعدد الوسائل الإعلامية يبدو أننا سنعود إلى المرحلة التي كان فيها ملاك الصحف الأفراد يحظون بسطوة أكبر».

وبالنسبة إلى مؤسسة إخبارية مرموقة، يقول: «تزداد المخاطر عندما تقوم بإسناد الأعمال إلى الجمهور أكثر مما تكون مسيطرا وحدك على الأمور». وسيصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى «أن تكون شديد الحرص في اختيار المؤسسات أو الأفراد الذين يمكنك الاستعانة بهم، كما سيصبح عليك مراقبة المحتوى الذي تستخدمه بدقة».

* خدمة «نيويورك تايمز»