«غزة» و«اليسوع» و«آل البيت» ثالوث يغزو الشاشات العربية.. باسم الطفل

مختصون يحذرون من خطورة قنوات الأطفال الموجهة على شخصياتهم

قناة اجيال التابعة لوزارة الاعلام السعودية
TT

ينتظر الفضاء العربي في الوقت الراهن صعود موضة أخرى، حديثة تزاحم فيها سابقاتها عبر الفضائيات العربية بتوجيه رؤوس أموال المستثمرين لحجز مواقع عبر الأقمار الصناعية لبث فضائيات مخصصة للطفل بعد أن وجد فيها المستثمرون العرب فرصة جديدة للكسب المالي عقب انطفاء جذوة قنوات الشعوذة والدجل ومن قبلها الفضائيات الاقتصادية والغنائية وما هو متألق حاليا من الفضائيات الدينية وقنوات الشعر الشعبي والهجن.

وأثارت الفضائيات الربحية الموجهة للطفل حفيظة الآباء والأمهات مطالبين باستحداث جهات رقابة خاصة، حتى وإن كانت عبر الفضاء الحر، للنظر فيما يبث من مواد تحمل معتقدات وأدلجة فكرية تؤثر على المدى البعيد على تكوين شخصية الطفل حسب توجهاتها.

قنوات متعددة تحمل الطابع الديني منها طائفية إسلامية لا ترى ما يعوق تجسيد شخصيات الأنبياء كافة بصور كرتونية، ودينية أخرى تؤدي احتفالاتها برأس السنة الميلادية وبمولد «اليسوع»، وثالثة تدعو إلى دعم أطفال غزة والقسم بالفداء من أجلهم والتبرع لهم.

وكما أن هناك ما تقع في أقصى اليمين فأخرى تقع في أقصى اليسار متهمة بتقديم محتوى لا يليق مع ذهنية الطفل العربي المسلم وذلك لاعتماد ما تنتجه الشركات الغربية من برامج وأفلام كرتونية دون تعريب أو شطب لألفاظ ومشاهد خادشة لعين الطفل العربي.

من جهتها انتقدت سلامة مؤمنة، مدير عام قناة «أجيال» للأطفال السعودية، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، استغلال الطفل بغية تحقيق مكاسب مادية من خلال تخصيص حفلات غنائية للطفل واعتماد ماركات خاصة لمنتجاتها، مؤكدة أن الهدف لم يعد تطوير مهارات الطفل وبث الوعي، وإنما بات غرضا تجاريا صرفا.

واتفقت مؤمنة مع غزو الموضة الجديدة الأقمار الصناعية العربية التي تكمن خطورتها، بحسبها، في اعتمادها التسويق والترويج أكثر من تحقيق هدف التشويق والإفادة للطفل.

وتحفظت سلامة مؤمنة على الطابع الغنائي الصرف الذي بات الصفة السائدة لفضائيات الأطفال العربية، مشيرة إلى ضرورة اعتماد برامج تثقيفية وأخرى تعليمية، بحيث تكون السمة الأغلب لقناة الطفل تتخللها بعض الكليبات الغنائية الهادفة والتعليمية ما بين كل برنامج وآخر.

وحول ذلك أفاد أحد المسؤولين القائمين على قناة «سبيس تون»، طلب عدم ذكر اسمه، أن قناته تسعى إلى تناول البرامج الخاصة للأطفال بأسلوب علمي متخصص على مدى العشر سنوات الماضية، مشيرا إلى أن إشكالية قنوات الأطفال، التي بات يتسع أفقها يوما بعد آخر، تكمن في غير تخصصها بعلم ونفسية الطفل، بحيث تكون أقرب منها إلى محاولات عشوائية فطرية وفقاعة سيسرع اختفاؤها.

وفيما يتعلق باتجاه قنوات الأطفال إلى الأناشيد والأغاني في ظل غياب المواد العلمية البحتة أفاد المسؤول بأن الأمر عائد إلى قرب نفسية الطفل من الإيقاعات الموسيقية والأناشيد الهادئة، نافيا أي نوايا غير مشروعة أو (خبيثة) بغرض أدلجة فكر الطفل، ويصبح الأمر بالنسبة للمسؤول في قناة «سبيس تون» عائدا إلى الفطرية والعفوية في إدارة القناة وإعداد المواد الخاصة.

وأشار إلى أن عمل قناة «سبيس تون» وإعداد برامجها إنما هو بالاستناد إلى مناهج وزارات التربية والتعليم العربية وميثاق شرف الجامعة العربية.

ودعا إلى ضرورة استعانة فضائيات الأطفال كافة بخبراء نفسيين ومختصين بشؤون الطفل لتحقيق التنمية الصحية والفاعلة لنفسية الطفل، وأن لا يكون عمل القناة عبثيا أو الانطلاق بصورة عشوائية، مشيرا إلى أن الشعوب العربية، ونتيجة لبساطتها، فهي قادرة على هضم واستقبال كل ما يقدم لها دون نقد أو تمحيص.

وفيما يتعلق بسن قوانين وضوابط تحكم العمل في الفضائيات أكد المسؤول في قناة «سبيس تون» محاولاتهم الحثيثة في اجتماعات متعددة في الجامعة العربية لوضع وسن بعض القوانين، إلا أن الفشل كان دوما بالمرصاد نتيجة «الإعلام الحر»، مضيفا أنه «للأسف الشديد ليس هناك من يسعى إلى الاضطلاع على الشرف الإعلامي الخاص بالقنوات العربية في الوقت الذي غاب عنه أي جهة رقابية».

ودعا إلى ضرورة إيجاد ضوابط مشددة بشأن قضية فضائيات الأطفال، وأن لا يترك الأمر بالصورة العشوائية القائمة، وذلك بعقد اجتماعات مع الجهات المعنية كافة، بالإضافة إلى «عرب سات» و«نايل سات».

أما ما يتعلق بالجانب الربحي والاستهلاكي لقنوات الأطفال شدد على ضرورة إيجاد سبيل لتمويل القناة، حيث إن الأقنية العربية كافة تسعى إلى إيجاد مصدر مالي للاستمرار، حيث إنه ونتيجة لغياب الدعم الحكومي لها، بالإضافة إلى عدم اعتماد سياسة القنوات المدفوعة، كما هو الأمر في الغرب، فإنه يستوجب ابتكار سبل ربحية خاصة للقناة، كالشريط الإعلاني أو ابتكار منتجات استهلاكية خاصة بشخصيات محددة تروج لها القناة.

وفيما يتعلق بقناة «المجد» الفضائية التي خصصت 4 فضائيات للطفل، والتي بلغ عدد مشتركي باقتها 300 ألف مشترك، فأوضح عبد المجيد اليمني المسؤول في قناة «المجد» للأطفال أن فضائيات «المجد» الأربع والموجهة للطفل: «روضة»، و«بسمة»، و«قناة فكر»، و«العب»، يشرف عليها مجموعة من التربويين والأكاديميين والمختصين في علم النفس هم من يقومون بتقديم المقترحات المناسبة سواء كانت أفكار الأناشيد أو الأفلام الكرتونية، بالإضافة إلى البرامج المقدمة كافة، إلى جانب استعانة المشرفين على القنوات باعتماد استطلاعات دورية للأسر والمختصين، ومن خلال ذلك كله تتم صياغة الأفكار والبرامج.

وأضاف اليمني أن المواد المقدمة من خلال باقات «المجد» الفضائية للأطفال إما أن تكون إنتاجا خاصا للقناة عبر مكاتبها الأربعة في كل من دبي، والقاهرة، والأردن، والسعودية، وعدد من المراسلين في السودان، والمغرب، والكويت، وغيرها.. هم من يقومون بتزويد القناة ببرامج خاصة، مضيفا أن المصدر الآخر لمحتوى القناة هو من خلال شراء برامج معدة مسبقا، إلا أنها تخضع للرقابة قبيل بثها لحظر ما يتنافى مع أخلاقيات وعادات المجتمع أو ما قد يؤثر على عقيدة الأطفال.

وأفاد عبد المجيد اليمني أن التوازن موجود نوعا ما في الوقت الحالي ضمن محتويات فضائيات الأطفال، رغم وجود بعض التحفظات، مستدركا حديثه بضرورة تكثيف الجهود لمضاعفة القنوات الخاصة للأطفال.

ولم يستبعد اليمني الأغراض التجارية كمحرض رئيسي للاستثمار في مجال الطفل من فضائيات وسلع ومنتجات غذائية، حيث بلغ عدد منتجات «فلة» (3700 منتج)، بالإضافة إلى ما تنتجه قناة «طيور الجنة» من سلع استهلاكية.

وأكد أن الاستثمار في فضائيات الأطفال بات مشروعا قادما حتى يصبح «موضة»، مناديا الجهات الرسمية بضرورة وضع ضوابط وجهات رقابية تقوم بالإشراف على كل ما يبث ويروج للطفل.

ويبقى لقناة «طيور الجنة» النصيب الأوفر من النقد، الذي اجتمعت عليه التيارات الفكرية كافة رغم تباين أسبابه، فمنهم من يرى القناة كمروج لآيديولوجيات فكرية ومعتقدات ذات توجه حزبي معين، وأخرى تتهمها بالترويج للمجون والمعازف والرقص.

وحول ذلك كله أوضح خالد مقداد، مدير عام قناة «طيور الجنة»، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن اعتماد قناته بالدرجة الأولى على أسلوب الأغنية يعود إلى قربها من نفسية الطفل ويسر بلوغ الهدف المنشود من خلالها، أما من حيث محتوى الأغاني والأفكار فأوضح أن المقترحات كافة تكون من خلال فريق العمل بناء على مجموعة من الدراسات إلى جانب عدد من التربويين والنفسيين الذين يمدون القناة بمقترحاتهم التي يسعون من خلالها إلى تلمس حاجات الطفل الفكرية والجسمية والتربوية والسلوكية.

أما فيما يتعلق بعشوائية عمل قنوات الأطفال بالإضافة إلى ما فيها من أدلجة فكرية أفاد خالد مقداد بأن الطفل معني بتعليقه وربطه بالوطن إلى جانب ترسيخه بتراثه ودينه وهذا ما يجده مقداد مدير عام قناة «طيور الجنة» بعيدا كل البعد عن الادلجة الفكرية.

أما فيما يتعلق بالقيم الدينية والمعايير الفقهية التي تختلف من مذهب إلى آخر ومن طائفة إسلامية إلى أخرى، أكد خالد مقداد أن الطفل غير معني بزجه في أي طرح فكري أو حزبي «آيديولوجي»، مشددا على أن مرجعية قناة «طيور الجنة» هي ذاتها ما تكون في مناهج وزارات التربية والتعليم العربية (الدينية والعربية).

وأكد خالد مقداد وجود التطور النوعي في قناته في السنة الحالية الجديدة من خلال بث برامج تعليمية مختلفة، مع الاحتفاظ بالمساحة الكبرى للجانب الغنائي.

من جهة أخرى استنكر مقداد جل الانتقادات التي وجهت لقناة «طيور الجنة»، والتي انطلقت من مختلف التيارات الفكرية، قائلا: «هناك من وجدنا نروج للرقص والمعازف والمجون، وطرف آخر انتقد فينا جانب التمسك بالجوانب القيمية الأخلاقية والدينية باتهامنا بالتشدد الديني». واعترف خالد مقداد بوقوع القناة في بعض الأخطاء سعيا إلى إرضاء جمهور معين، وبالأخص خلال أحداث غزة، مؤكدا على تجاوز فريق القناة تلك المرحلة.

أما الاتهامات الموجهة باستغلال شعبية القناة لدى الأطفال بغرض الترويج لعدد من المنتجات والسلع الاستهلاكية بالإضافة إلى ارتفاع سعر تذاكر حفلات «طيور الجنة» فدافع مقداد بقوله: «على كل قناة أن تخلق بابا يدعم تمويل واستمرار بث القناة وبالأخص عندما تكون قناة خاصة غير مدعومة من أي تمويل رسمي أو غير رسمي».

أما فيما يتعلق بارتفاع أسعار تذاكر الحفلات فأكد على أن المعني بالأسعار هو الجهات المنظمة التي تعد تجارية، مشددا على أنه بالرغم من اعتراض القناة على الأسعار إلى أن القرار النهائي يبقى للجهة الراعية أو المنظمة.

وفيما يتعلق ببث شارات قنوات الأطفال عبر الفضاء فأكدت كل من «عرب سات» و«نايل سات» لـ«الشرق الأوسط» أن دورهما يقتصر على النقل الفضائي ولا علاقة لهم لا من قريب أو من بعيد بما يبث في الفضائيات من محتوى.

وقال المهندس بالخيور، المدير العام لـ«عرب سات»، إن الجهة المعنية في أمر الرقابة هي من تقدم رخصة البث للقناة سواء كانت من خلال (المدن الإعلامية أو الدول ذاتها)، موضحا أن «عرب سات» هي فقط ناقل فضائي لا علاقة له بمراقبة محتوى الفضائيات.

وأكد بالخيور أن ما يتصل بـ«عرب سات» هو باشتراط توفير الترخيص من قبل الجهة المعنية ليعطى لها الضوء الأخضر لبث شارتها عبر الفضاء الواسع من خلال «عرب سات»، منوها بأن حجب القنوات لا يكون سوى بمخالفة شروط العقد.

وفي حالة وجود الترخيص أفاد المهندس خالد بالخيور أن تقرير حجب القناة من عدمه إنما يعود إلى الجهة المرخصة ذاتها، التي بدورها تتقدم بطلبها إلى «عرب سات» لحجبها فضائيا، منوها بأن «عرب سات» ليس أحد أدوارها تقييم الفضائيات أو مراقبة محتوياتها كونها جهة (تنفيذية) فقط، حيث يبقى ميثاق الشرف الإعلامي مرجعا عاما للقنوات كافة.

من جانبه أكد صلاح حمزة، المسؤول في «نايل سات»، عدم إمكانية فرض أي ضوابط على الفضائيات من قبل «نايل سات»، منوها بأن المرجع الأوحد في ذلك هو ميثاق الشرف الإعلامي التابع لجامعة الدول العربية، محذرا في الوقت ذاته من خطورة قنوات الأطفال ذات الطابع الديني.

وشدد حمزة على حرص «نايل سات» على مراعاة الأخلاقيات والتقاليد العربية، مستنكرا في حديثه عدم تفعيل الوثيقة العربية التي اعتمدها وزراء الإعلام العرب حتى اللحظة.