كارثة جدة.. قصة لحدث غير عابر

صور الدمار ظل عالقا في أذهان السعوديين.. وعبرت بصدق عن حجم الأضرار

علي شراية خلال الجولة التي انفردت بها «الشرق الأوسط» مع إدارة الدفاع المدني على المناطق المنكوبة في جدة (تصوير: عبد الله بازهير)
TT

لم تكن تجربة تغطية أحداث «كارثة جدة» المأساوية في الخامس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لأي صحافي مجرد حدث عابر ينقل على صفحات الجريدة في اليوم التالي، وينتهي. الأحداث الدراماتيكية التي تزامنت مع أمطار جدة وتسببت في مقتل نحو 122 شخصا وفقدان 32 حتى الآن، كانت محورية على مستويين؛ الصحافي والخدمي.

فالصحافة السعودية في هذه الحادثة التي تعد الأولى من نوعها على مستوى البلاد، ناقشت القضية بشكل عميق وشفاف، وكنا في «الشرق الأوسط» أصحاب السبق في ذلك؛ إذ بمجرد أن هدأت العاصفة الماطرة في أول يوم، استطعنا وبالتنسيق مع مسؤولين كبار في الدفاع المدني السعودي، أن نصعد على متن مروحية لنتمكن من الانفراد بأول لقطات جوية «كارثية» للأحداث الدامية التي شهدتها جدة.

وأتذكر وأنا أهمّ بركوب المروحية أنني كنت أفكر في كيف ستكون الصور، بصدق، لم أكن أتوقع أن يكون المنظر من الجو بذلك الشكل المأساوي، إذ كانت المياه تغمر البيوت والأحياء، بعضها لا يمكن مشاهدته، وبعضها لا ترى منه إلا أجزاء بسيطة، ولا يمكن نسيان منظر السيارات التي كانت ملقاة على الطرقات ومتراكمة فوق بعضها بعضا.

وأنا أشاهد تلك السيارات كنت أتساءل وقتها: كم من روح ذهبت في هذه السيارات، وهل ما زال الناس داخل السيارات أم جرفتهم السيول، وكيف ستتم مواجهة هذه الكارثة التي لم أكن أعتقد أنها بهذا الحجم قبل أن أشاهدها من الجو؟

الصور التي التقطناها ظلت عالقة في أذهان الجميع، وعبرت بصدق عن حجم الكارثة، إذ كانت البيوت والسيارات المتراكمة على الطرقات والوديان أكبر شاهد على ما حدث، ودفعت ببقية الصحف في اليوم التالي إلى التسابق للحصول على مروحيات والتصوير من الجو.

ولم تكن الصور أول الانفرادات ولا آخرها، على الرغم من أن الصعوبات كانت تعترض طريق أي صحافي باعتبار أن كل المسؤولين من أعلى الهرم وحتى أصغر موظف يواجهون أعمال الإنقاذ والإغاثة في الميدان. لكن، وعلى الرغم من صعوبة الوضع الذي كان أشبه بالحرب، كانت الأجواء أجواء تنافس صحافي واسع، وهو بالفعل ما حدث، استطعنا أن نحصل فيه على نصيب الأسد من الانفرادات، التي لم تنته بتلك الصور المخيفة التي التقطناها من الجو، بل استطعنا الحصول على معلومات خاصة عن تجفيف بحيرة المسك وإعادة مجاري السيول، وهو الخبر الذي كان بمثابة ضربة كبيرة للصحافة المحلية والسعودية التي تحولت في اليوم التالي لمتابعة الحدث والقرار.

لقد كانت، وما زالت، تجربة تغطية أحداث كارثة جدة أو «الأربعاء الأسود» كما يسميه كثيرون، مسرحا واسعا لنا ولغيرنا من الصحافيين، حاولت أنا وبقية زملائي أن نحصل على أكبر نصيب من كعكة الأخبار المهمة والموثقة والدقيقة، وكنا ندرك أن القراء ينتظرونها على أحر من الجمر.

وعلى الرغم من أن المطر قد توقف، وبدأت جحافل الهاربين من بيوتهم في العودة، فإن البحث والسباق الصحافي لن يقف هنا؛ إذ ما زالت الملفات التي فتحها المطر كما هي مفتوحة للتحقيق، والسباق الصحافي سيستمر للحصول على معلومات جديدة بشأنها، وتوصيلها للقراء في الداخل والخارج، الذين يتابعون بشغف واضح نتائج التحقيق في كارثة جدة. فالحرب ضد الفساد، ومعركته التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، على أثر أحداث سيول جدة، ويقودها الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، جعلت من قضية كارثة جدة ملفا مفتوحا، حتى إشعار آخر.