فرنسا وروسيا وألمانيا تتعهد بالتصدي في مجلس الأمن لمشروع القرار الأميركي ـ البريطاني

TT

«التحالف الثلاثي» الفرنسي ـ الروسي ـ الالماني الذي يشكل النواة الصلبة لجبهة الرفض المعادية للتوجه الاميركي ـ البريطاني لاستصدار قرار جديد من مجلس الامن الدولي يعطي الضوء الاخضر لعمليات عسكرية ضد العراق، عاد امس بقوة الى الواجهة، فيما تأهب مجلس الامن لمعركة دبلوماسية حاسمة يحضر لها كل طرف قواه.

وكما حصل بالنسبة للقرار1441، فان باريس تظهر مجددا على انها «لولب» الحركة المناهضة للولايات المتحدة الاميركية حول الموضوع العراقي. وقد جمعت باريس امس وزراء خارجية فرنسا وروسيا والمانيا الذين اصدروا اعلانا ثلاثيا مشتركا اكدوا فيه انهم لن يسمحوا بتمرير قرار جديد في مجلس الامن من شأنه ان يفسح المجال امام اللجوء الى القوة العسكرية.

وبعد ان ذكر البيان بأن هدف الدول الموقعة عليه هو «نزع سلاح» العراق الفعلي والتكامل بموجب القرار 1441، وان هذا الهدف يمكن تحقيقه «بالوسائل السلمية»، خصوصا ان عمليات التفتيش «تعطي نتائج مشجعة اكثر فأكثر»، مثل تدمير صواريخ الصمود ـ 2، وتقديم العراق لمعلومات حول برامجه البيولوجية والكيماوية، والسماح بلقاءات مع العلماء العراقيين بعيدا عن رقابة السلطة، عمد الوزراء الثلاثة الى توجيه رسالة قوية لواشنطن من فقرتين متلاحقتين.

وجاء في الفقرة الاولى: «في هذا الاطار، لن نسمح بتمرير مشروع قرار (في مجلس الامن) يسمح باللجوء الى القوة»، وجاء في الفقرة الثانية ان «روسيا وفرنسا، بوصفهما عضوين دائمين في مجلس الامن الدولي سيتحملان كل مسؤوليتهما حول هذه النقطة».

ورغم ان الاعلان تحاشى التأكيد علنا ان باريس وموسكو ستلجآن الى استخدام حق النقض (الفيتو)، فان الفقرتين معا لا تحتملان اللبس او التأويل، وتشيران بشفافية الى عزم فرنسا وروسيا على اجهاض سعي واشنطن ولندن الى الحصول على ضوء اخضر من مجلس الامن الدولي.

وعقب «الاعلان» الذي قرأه الوزير الفرنسي دومينيك دو فيلبان، وسط حضور اعلامي مكثف، اكد الوزير الروسي ايغور ايفانوف ان موقف الصين مطابق لموقف الدول الثلاث التي سبق لها ان تقدمت بمذكرة مشتركة الى مجلس الامن الدولي في اليوم نفسه الذي طرحت فيه واشنطن ولندن ومدريد مشروع قرارها الجديد.

وسعت الدول الثلاث في اعلان امس الى السير خطوات بتجاه الموقف الاميركي عن طريق تأكيدها ان عمليات التفتيش «لا يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية». كذلك دعت السلطات العراقية «بحزم» الى التعاون الاكثر نشاطا مع المفتشين الدوليين لتسهيل نزع شامل للاسلحة العراقية. وذكرت الدول الثلاث بمحتوى مذكرتها المشتركة لتسريع عمليات التفتيش ووضع اجندة دقيقة لها. ووصف الاعلان الوضع بأنه «على منعطف»، فيما جدد دو فيلبان رفض الدول الثلاث لتوجيه انذارات الى العراق «لان القرار 1441 لا ينص على ذلك».

وفي عرضه للاسباب التي تدفع فرنسا لمعارضة اللجوء الى الحرب في العراق، اعلن الوزير الفرنسي ان الحرب «لا يمكن الا ان تزيد من التوتر (في المنطقة) وان تعيق البحث عن حل سياسي لأزمة الشرق الأوسط، كما انها ستزرع بذور عدم الاستقرار وتزيد من الانقسامات وتعيد اطلاق الارهاب وتزيد من الحقد.

ورغم العزم الواضح الذي اظهره الوزراء الثلاثة الذين سيحضرون كلهم اجتماع مجلس الامن الدولي غدا الجمعة، فان الواضح انهم يلعبون ورقتهم الاخيرة، على ضوء عزم واشنطن اللجوء الى الحرب مهما تكن الظروف وبقرار من الامم المتحدة او من دون قرار. واذا كان الوزير الروسي يؤكد ان احتمالات التسوية سلميا (نزع اسلحة العراق عن طريق التفتيش) موجودة، وان هذا الخيار «هو الاكثر عقلانية»، الا انه يعترف بوجود «فرصة واحدة لتحاشي الحرب».

وأكد الوزير الالماني يوشكا فيشر انه «يجب اطلاق» استكشاف كل الاحتمالات للحل السلمي، خصوصا ان التقدم واضح ميدانيا، كما اظهر ذلك تدمير صواريخ الصمود ـ 2. وقال فيشر: «لا أرى كيف يمكن ان نبرر وقف العمل بالقرار 1441 واعتماد الحل العسكري».

وكانت لهجة الوزير الفرنسي اكثر حدة في كلامه الموجه للولايات المتحدة، فقد حذرها من القفز فوق مجلس الامن الدولي والامم المتحدة باعلانه ان المنظمة الدولية «لا يمكن تجاوزها» في الازمة العراقية. وقال دو فيلبان «اذا كان احد البلدان يعتبر انه يستطيع ان يربح الحرب وحده، فلا يمكننا ان نربح السلام الا معا»، في اشارة الى مجلس الامن الدولي. وحتى يكون الوزير الفرنسي اكثر وضوحا، في ما خص موقف بلاده من مشروع القرار الاميركي، ولازالة اي غموض، قال دو فيلبان «لن يصدر قرار جديد عن مجلس الامن يتيح استخدام القوة.. هذه الكلمات واضحة»، وسبق للوزير الفرنسي ان اكد بقوة ان لباريس وموسكو العزم نفسه والقرار نفسه. وسبق لوزير الخارجية الروسي ان اكد ان بلاده لن تتأخر في اللجوء الى الفيتو في مجلس الامن اذا تبين لها ان ذلك ضروري.

واعتبر دو فيلبان ان النظام العراقي «لن يكون النظام نفسه الذي نعرفه الآن»، اذا خضع لما تطلبه منه المجموعة الدولية وسهل نزع الاسلحة.

وقال دو فيلبان: «اما قبول شروط الامم المتحدة، سوف يغيّر، وفق ما يمكن توقعه، وضع النظام العراقي».

وأمس، نقلت صحيفة «لو كنار انشنيه» كلاما عن الرئيس الفرنسي جاك شيراك جاء فيه ان فرنسا «تعمل ما تستطيعه لكن المشكلة انه من المستحيل منع بوش من الوصول بمنطق الحرب حتى نهايته»، كذلك نقلت عنه ما مفاده انه سيكون من غير معنى استخدام الفيتو.

وفي السياق نفسه، نسبت الصحيفة الى دو فيلبان قوله لمجموعة من النواب اصحاب الولاء الاطلسي الذين زاروه في مكتبه في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، ان استخدام حق النقض «سيكون بمثابة اطلاق النار على الاميركيين من الوراء».