صحافي جزائري اخترق عالم «القاعدة» في أوروبا وساعد السلطات على إحباط مخططات وتنفيذ اعتقالات

TT

جند كريم بورتي صحافيا جزائريا في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي في قصر العدالة بباريس، القلعة التي تعود الى القرن الرابع عشر وتعصف بها الرياح القادمة من نهر السين. بورتي، الملتحي وصاحب الزي الباكستاني، قصير القامة وذو وجه دائري ونظرته توحي بالاحترام. قال لمحمد سيفاوي: «انت صحافي ولكنك جزائري. نحن اخوة، واجهنا العنصرية، وظلم الفرنسيين والاميركيين. اذا عدت الى جذورك الاسلامية، سيحترمك الجميع وسيكون لك مستقبل عظيم معنا».

استجاب الصحافي الجزائري لدعوة بورتي واتبعه ليتحلق بالخلايا المتشددة التي تنشط في السر. كان بورتي يتوجه الى المساجد وقاعات الصلاة والمستشفيات والسجون بحثا عن شباب ضائع بهدف تجنيدهم. يقوم بذلك بمساعدة اعوانه، وبينهم طلبة كليات وعامل صيانة في مطار ولبناني كان سجيناً سابقاً. وقبل احداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001، كان يعتقد ان بورتي يرسل المجندين الى معسكرات «القاعدة» في افغانستان عبر لندن. لكنه الآن يقول انه يريد ارسال سيفاوي الى التدرب في الشيشان.

مع اقتراب اعياد الميلاد، تحدث بورتي الى سيفاوي حول اجراء عمليات مراقبة تشمل قيادات جزائرية في فرنسا وغيرها بهدف ضربها، حسبما اوضح سيفاوي. والمح الناشط الاصولي الى عمل ارهابي ضخم: سبع هجمات متزامنة في سبع دول مختلفة.

في الاخير القت الشرطة القبض على بورتي، وانهى سيفاوي ثلاثة شهور من التنكر، كان خلالها يمثل دور شخص متطرف تسلل الى خلايا بورتي حاملاً جهاز تصوير سرياً.

وتكشف قصة الصحافي كيفية ترتيب «القاعدة» لتجنيد عناصرها في اوروبا. ففي اعقاب هجمات 11 سبتمبر واحتمالات الحرب ضد العراق ازدادت اعداد الشباب الغاضب على اميركا والمقبل على التطرف، حسبما افاد مسؤولون في مجال مكافحة الارهاب.

يبسط المتشددون سيطرتهم على العديد من المساجد في اوروبا، ويؤسسون الكثير من اماكن العبادة الجديدة حيث يجندون العديد من الاشخاص الجدد. وقال مسؤول استخباراتي فرنسي «ان نفوذ شبكة «القاعدة» يزداد يوما بعد يوم. ما يفعله المجندون لا يكون في البداية مخالفاً للقانون، كما ان السلطات لا تجد وسيلة لوقفهم». ويضيف ان «هناك المزيد والمزيد من الذين تم تجنيدهم»، مشيراً الى انهم شبان فرنسيون يعانون من مشاكل اسرية ومن ازمات مراهقة.

وعلى الرغم من ان عدداً من قيادات «القاعدة» لا يزالون هاربين، فإن عمليات القبض والمراقبة المكثفة قد اضعفت شبكة اسامة بن لادن. ويقول المحققون ان «القاعدة» عوضت خسارتها لافغانستان بالتدرب في مناطق غير خاضعة للقانون وتنتشر فيها مجموعات اصولية مسلحة، مثل الشيشان وجورجيا وباكستان.

خلال الفترة التي قضاها سيفاوي يعمل سرا، التقى بمروان بن احمد، وهو جزائري يعتقد انه تلقى في الصيف الماضي تدريبات على اسلحة كيماوية في الشيشان. لقد القت الشرطة القبض بن احمد بتهمة المشاركة في التآمر لتنفيذ تفجيرات وهجمات بغاز السيانيد ضد اهداف بينها السفارة الفرنسية في باريس.

ويقول جان لوي بروغيير كبير قضاة مكافحة الارهاب في فرنسا «لقد حدث تغيير في الملاذ وتغيير في الاستراتيجية. نعلم ان بعض المشتبه فيهم تدربوا على استخدام الاسلحة الكيماوية في جورجيا والشيشان». ويضيف «ان في الشيشان خبراء في الحرب الكيماوية، وهي اقرب الى اوروبا من افغانستان». واوضح بروغيير ان استراتيجية «القاعدة» تهدف الى خلق صدام بين الحضارات. وقال «انهم يستخدمون الحرب لاثارة العنف ضد الغرب. ان الحرب ستؤثر تأثيرا مباشرا على مستوى التجنيد».

وتجدر الاشارة الى ان الاجراءات المشددة على المعابر ادت الى صعوبة السفر. ولذا فإن بعض المسؤولين عن عمليات التجنيد يجرون تدريبات في اماكن اخرى في اوروبا واصبحوا قادة ميدانيين بحكم الواقع. ويقول تقرير استخباراتي هولندي اعد في ديسمبر (كانون الاول) الماضي «هناك فرصة حقيقية لامتلاكهم نفوذ القرارات المتعلقة بمن ينفذ الهجمات والاهداف وكيفية التنفيذ».

ويقول سيفاوي ان بورتي يرى أن الحرب المحتملة ضد العراق ستؤدي الى انتشار العنف في اوروبا. واضاف سيفاوي ان «الاميركيين يستعدون للقيام بأغبى شيء يمكن تخيله. الهجوم على العراق سيؤدي الى ازدهار الارهاب».

سيفاوي، 36 سنة، صاحب العينين الذكيتين اللتين تقف امامهما نظرات طيبة وصاحب اللحية القصيرة واليد الصغيرة، قد نشر لتوه كتابا بعنوان «اخوتي القتلة». ويحيي سيفاوي في هذا الكتاب خبرته في عالم بورتي. وقد ادى ظهور الكتاب الى تلقي سيفاوي تهديدات بالقتل.

كان سيفاوي قد قدم الى فرنسا كلاجئ سياسي بعدما نجا من تفجير استهدف صحيفة «لو سوار دالجيري» نفذه اصوليون مسلحون عام 1996 في الجزائر. وكان قتل في ذلك الانفجار 37 شخصاً بينهم ثلاثة من اصدقاء سيفاوي.

وكان بورتي قد تجاذب اطراف الحديث مع سيفاوي وقال له ان ملامحك ليست غريبة علي. وتبين لهما في الاخير انهما من نفس الحي في الجزائر. قدم سيفاوي نفسه كصحافي ولكنه اخفى هويته الحقيقية خشية تعرف بورتي عليه من المقالات التي كان يكتبها وينتقد فيها الجماعات الاصولية المسلحة.

وروى سيفاوي خبراته في اجراء مقابلات مع الاصوليين الناشطين في باكستان واماكن اخرى، مدعيا تعاطفه مع قضاياهم. ورأى بورتي واصدقاؤه ان سيفاوي حليف لهم ويمكن استخدام بطاقته الصحافية لجمع معلومات وفتح الابواب. رتب سيفاوي مقابلات مع صحافيين فرنسيين وقدم بورتي نفسه كرجل سلام يدافع عن المسلمين ضد الظلم. لكن سيفاوي كان يسجل المحادثات سرا على اشرطة فيديو، والتي اعترف فيها بورتي بولائه لابن لادن، وبان خطابه بنبذ العنف لم يكن سوى تقية.

كان بورتي قد قضى فترة في السجن عام 1998 لانشطة متعلقة بالارهاب. وهو مسجون حالياً بتهمة الاعتداء والمشاركة في نشاطات ارهابية. واشار مسؤول في هيئات تطبيق القانون الفرنسية الى انه يحقق معه لمشاركته في خلية جمعت تبرعات وقدمت ملاذا آمنا ومساعدات لوجستية لـ«الاخوة».

ويلاحظ ان الخطوات الاولى نحو التجنيد لم تتغير. واشار تقرير الاستخبارات الهولندي الى ان «المرحلة الأولى لعملية التجنيد، وهي تحديد الشخص بهدف استقطابه، لا تزال تحدث بصورة علنية»، فقد القت السلطات الهولندية القبض العام الماضي على عشرين شخصا، يشتبه في انهم يعملون على تجنيد اعضاء لشبكة «القاعدة»، بسبب مخالفات تتعلق بقانون الهجرة او تزوير وثائق رسمية. واشار مسؤولون هولنديون الى ان عشرة من هؤلاء لا يزالون في السجن.

الكثير من مسؤولي التجنيد والاستقطاب رجال في العقد الثالث او الرابع من عمرهم ويتسمون بالحماسة الدينية، كما انهم في الغالب من المقاتلين الذين شاركوا في الحروب السابقة في افغانستان او البوسنة او الشيشان. ويعتقد رولان جاكار، مستشار شؤون مكافحة الارهاب لدى الحكومة الفرنسية ومنظمة الامم المتحدة، ان بعض هؤلاء جاؤوا الى اوروبا بتعليمات من «القاعدة». وأضاف جاكار ان إدراك قيادة تنظيم «القاعدة» لاحتمال ان يفقد ملجأ وقاعدة التنظيم في افغانستان دفعهم لإرسال اعضاء مدربين الى اوروبا يعرفون نقاط الضعف مثل قوانين اللجوء وحقوق الهجرة والحدود المفتوحة. ويرى جاكارد ان هذه الطريقة ضمنت بقاء التنظيم وتجديد اعضائه.

واشار مسؤولو الاستخبارات من جانبهم الى ان كوادر التجنيد والاستقطاب في «القاعدة» قادت محاولة للسيطرة على المساجد. فقد وجهت الى بورتي تهمة ضرب إمام مسجد بحي بيلفيل بسبب جدل ايدولوجي في الاساس.

ويقول سيفاوي ان بورتي فرض نفسه في المساجد، ففيما يتحدث الإمام في الطابق الاعلى من المسجد يسيطر كريم وبقية الاصوليين على الجزء السفلي.

وتستخدم اجهزة الامن الاوروبية مخبرين مزروعين وسط هذه المجموعات فضلا عن عمليات المراقبة الالكترونية للإبقاء على المساجد تحت الرقابة. تعمل كوادر التجنيد في قاعات مؤقتة للصلاة في بروكسل ومكتبات في العاصمة البريطانية لندن ومقاه في امسترادم وسجون بميلانو. الحاجة الى السرية دفعت هذه العناصر الى شبكة الانترنت حيث لا تحتوي المواقع ومجموعات الدردشة على الحراسة والرقابة التقليدية للشرطة.

يتركز المجندون وسط الشبان الذين تقل اعمارهم عن العشرين او اولئك الذين هم في العقد الثاني من العمر بالاضافة الى الجيل الثالث من الجزائريين والتونسيين والمغاربة، اذ تشكل هذه الجنسيات مجتمعة اكبر جالية اسلامية في اوروبا. ولاحظ المحققون وجود مجموعتين رئيسيتين بين المجندين. تتكون المجموعة الاولى من خريجي المدارس الثانوية الذين واصلوا اما تعليما عاليا او التحقوا بالمجال المهني، اذ يسيطر على هؤلاء الشعور بوجود نزاع بين ثقافتهم والثقافة الغربية، لذا فهم يجدون ملاذا وعزلة في التطرف.اما المجموعة الثانية فتتشكل من العاملين الفقراء وخصوصا صغار المجرمين الذين يجدون ارضاً خصبة لتقبل افكار التطرف. فصغار المجرمين والمتطرفين اقاموا تحالفا في المناطق التي تكثر بها الابراج السكنية العالية لذوي الدخل المحدود المنتشرة في العاصمة الفرنسية.

وعلى الرغم من ان المجرمين المتحدرين من اصل شمال افريقي يدخنون الحشيش ويرتدون احذية «نايكي» ويقودون سيارات «بي ام دبليو»، فهم ايضا يكنون الإعجاب لاسامة بن لادن، كما انهم يقتسمون مع المتطرفين اشياء وخدمات مثل الوثائق والاسلحة والسيارات. يضاف الى ذلك انهم غالبا ما يصبحون سريعي التأثر برسالة الانضباط والاحترام لدى المتطرفين.

ويقول مسؤول فرنسي ان هؤلاء الشبان ينشأون سويا ويساعدون بعضهم بعضا ويحتفظون بعلاقات وصداقات، كما اشار الى ان عددا كبيرا من هؤلاء تحول من حياة عنف الشوارع والمخالفات الى الاصولية، مشيرا الى انه لم يلاحظ حدوث العكس.

الذين يعتنقون الافكار الاصولية في السجن عادة ما يصبحون اكثر تشددا وحماسة من المتحدرين اصلا من اسر مسلمة مثل جون ريد، الذي بات يعرف بـ«صاحب الحذاء المتفجر»، فهو يتحدر من اصل بريطاني وجامايكي. صديق بورتي الحميم «رودي تيرانوفا»، الشاب المفتول العضلات والمعروف بالعراك في الشوارع يتحدر من اصل صقلي ولبناني. اعتنق تيرانوفا الاسلام عندما كان يقضي عقوبة بالسجن وتلقى في وقت لاحق تدريبا على السلاح في وحدة خاصة تابعة للجيش الفرنسي. وجدير بالذكر ان تيرانوفا اعتقل مع بورتي في يناير (كانون الثاني) الماضي.

يتلقى المجندون محاضرات دينية ويشاهدون اشرطة فيديو حول القتال في الشيشان واماكن اخرى. ويشير تقرير الاستخبارات الهولندية الى ان كوادر التجنيد تخصص مقاتلين شاركوا في الجهاد سابقا كزملاء يرافقون باستمرار المجندين الجدد للتأكيد على الاندماج السيكولوجي. وقال سيفاوي ان بورتي استخدم هذا المنهج، مؤكدا ان كريم كان مقيما معهم باستمرار وحافظ على استمرار الاتصال بهم غالبا في شكل مجموعات حتى تسهل عملية التحكم فيهم ومراقبتهم.

الخطوة التالية الحاسمة تتمثل في بيان الولاء، الذي يسجل بالفيديو في الغالب، اذ يتعهد المجند بالتخلي عن الحياة الدنيوية للقتال بهدف الموت في سبيل القضية.

ووصف المتطرفون سيفاوي بالخيانة، واتهمه بعضهم بأنه على صلة بأجهزة الاستخبارات الجزائرية، التي ارتكبت انتهاكات في قتالها ضد المتطرفين. ورد الصحافي قائلا انه لا يكن إعجابا للحكومة الجزائرية مؤكدا انه قام بواجبه عندما وثق الطريقة التي تبني بها كوادر التجنيد والاستقطاب شبكتها. جدير بالذكر ان كتابه والصور التي التقطها بالكاميرا السرية استخدمت كدليل ضد بورتي، ويؤكد سيفاوي انه غير نادم على ذلك.

تجربة سيفاوي في عالم تجنيد عناصر «القاعدة»، مكنته بالفعل من مشاهدة المعلمين الروحيين الذين يحولون ارواحا الى اسلحة بشرية.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»