الاستخبارات تأكدت من وجود بن لادن في شمال باكستان بعد عثورها على رسائل منه بحوزة خالد شيخ

الهوساوي زعم لدى اعتقاله أنه صومالي لكن التحريات كشفت شخصيته الحقيقية

TT

بعد إلقائها القبض على خالد شيخ محمد، مخطط عمليات تنظيم «القاعدة»، تأمل أجهزة الاستخبارات الباكستانية والاميركية أن يكون صيدها المقبل هو اسامة بن لادن نفسه. فبعد ان استطاع زعيم «القاعدة» الافلات من الحصار الاميركي لمنطقة تورا بورا الجبلية الافغانية في ديسمبر (كانون الاول) 2001، استوثق مطاردوه في الآونة الاخيرة بانه ما يزال على قيد الحياة وانه ربما يكون مختفيا «في مكان ما بشمال باكستان».

واكد مسؤول أمني باكستاني امس أن رسائل كتبت بخط اليد من أسامة بن لادن وجدت بحوزة خالد شيخ، موضحا ان «هناك مواد مثل رسائل وأشياء أخرى وجدت بحوزة خالد شيخ محمد تشير بقوة إلى أن بن لادن لا يزال حيا وربما يختبئ في المنطقة». وقال احد ضباط الاستخبارات الباكستانيين في مدينة بيشاور: «نعتقد ان بن لادن سيغير موقع اختفائه بعد اعتقال خالد شيخ، وعندما يحدث ذلك ستلوح أمامنا فرصة كبيرة للقبض عليه».

واكدت مجلة «تايم» الاميركية في موقعها على الانترنت ان تقدماً في ملاحقة بن لادن حدث بعد اعتقال خالد شيخ في مدينة راولبندي الباكستانية يوم السبت الماضي. وصرح مسؤول باكستاني ان خالد شيخ، الاستراتيجي العسكري الذي أشرف على الجوانب اللوجستية لهجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، كان على اتصال في الآونة الاخيرة باسامة بن لادن.

يذكر ان المسؤولين الاستخباراتيين الباكستانيين كانوا قد تأكدوا في الآونة الاخيرة من مكان اختفاء خالد، وهو منزل من طابقين في حي هادئ يسكنه الضباط المتقاعدون من الجيش الباكستاني، لكنهم تأخروا في اعتقاله لمدة ثمان ساعات وتابعوه في الشوارع المزدحمة لراولبندي آملين أن يكون متوجها في زيارة الى اسامة بن لادن، لكن خالد شيخ لم يجر أي اتصال بابن لادن، وخشي مطاردوه ان يفلت من بين ايديهم، فقامت قوة من الشرطة والجيش باقتحام المنزل واعتقاله.

وتعاظم الاعتقاد بوجود اسامة بن لادن مختفيا في باكستان بعد ان اعترضت الاستخبارات الباكستانية، في الآونة الاخيرة، رسائل عديدة بخط يده. وتقول المصادر الاستخبارية الباكستانية ان المعلومات الواردة في هذه الرسائل نقلت الى وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي. آي. ايه) بهدف تحليلها.

وتقول هذه المصادر أيضا ان بن لادن ربما يكون قد اختفى في منطقة القبائل بشمال باكستان على الحدود مع افغانستان، وربما يكون مختفيا في العاصمة اسلام آباد، كما يمكن ان يكون براولبندي القريبة من العاصمة وعلى مرمى حجر من القوات المسلحة الباكستانية والحكومة الباكستانية.

وصرح مسؤول استخباراتي باكستاني لمجلة «تايم» أن زوجات بن لادن الاربع وبعض ابنائه ربما يكونون في ضيافة الحرس الثوري الايراني. وزعم المصدر نفسه ان مساعد بن لادن، الدكتور ايمن الظواهري، كان قد غادر المنطقة في «مهمة مجهولة» ولكنه عاد الى باكستان وغالبا ما يكون مقيما حاليا مع زعيم «القاعدة» هناك.

وكانت مطاردة خالد شيخ، الذي يعتبر الرجل الثالث في «القاعدة»، قد بدأت في مدينة كويتا الحدودية مع افغانستان. ففي يوم 13 فبراير (شباط) الماضي، قامت قوة من الاستخبارات الباكستانية، مدعومة بقوة من وكالة (سي. آي. ايه)، بمداهمة شقة بأحد الأحياء العمالية كان يقيم فيها خالد شيخ، ولكنه كان قد غادر الشقة عند المداهمة. ولم تكن الغارة من دون طائل، إذ حصلت القوة من رفيقه على معلومات قادت الى كشف مكان اختبائه الجديد براولبندي. وتوصل المطاردون كذلك الى عدة مقاهي الكترونية بكويتا كان يستخدمها خالد شيخ في ارسال رسائل مشفرة الى خلايا «القاعدة» في الولايات المتحدة واوروبا وآسيا. وقال مصدر امني «ما دمنا قد القينا القبض على خالد شيخ، فإننا نأمل في فك الشيفرة التي كان يستخدمها وتدمير شبكته العالمية».

وقد اعتقلت السلطات الباكستانية مع خالد شيخ، رجلاً قال في البداية انه صومالي، لكن الامر تطلب عدة ساعات حتى اكتشف المسؤولون الباكستانيون وعملاء الاستخبارات الاميركية أنهم ألقوا القبض على شخص مهم آخر في الحرب على الإرهاب: وهو مصطفى حمد الهوساوي. وقال مسؤول أميركي كبير أول من أمس إنه «لم يكن واضحا من الوهلة الأولى من هو هذا الشخص وكم هو مهم، فعنصر الإثارة لم يصل ما وصله القبض على خالد شيخ، لكنه حدث جذاب آخر».

واعتبر المسؤولون الأميركيون اعتقال خالد شيخ، الذي كان يخطط لهجمات مستقبلية أخرى ضد مصالح الولايات المتحدة، ضربة قوية وجهت لتنظيم «القاعدة».

ويعتبر المحققون الاميركيون الهوساوي بمثابة «مدير خزانة» تنظيم «القاعدة» وممول تدريبات الطيارين الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر، أثناء الأشهر التي سبقت تلك الاعتداءات. وقد فتح الهوساوي حسابات وبطاقات ائتمان استعملها المشاركون في هجمات 11 سبتمبر، حسب شهادة روبرت مولر مدير مكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي) أمام الكونغرس في الخريف الماضي.

وكان الهوساي قد فتح حسابا مصرفيا في دبي في يونيو (حزيران) 2001، ثم قام بتحويل مبالغ الى حسابات مصرفية كان الانتحاريون قد فتحوها في الولايات المتحدة. وبعث بطاقة ائتمان واحدة على الأقل لأحد المشاركين في الهجمات تستند إلى حساب موجود في دولة الإمارات العربية المتحدة. وقبل 11 سبتمبر 2001 أعاد بعض الخاطفين ما تبقى من الأموال إلى حساب الهوساوي. وقال مولر إن خالد شيخ كانت لديه بطاقة ائتمان تم سحبها على حساب يعود الى الهوساوي. وقال المسؤولون الفيدراليون إن بقية الأموال في الحساب قد سُحبت من حساب في كراتشي في الأيام التي سبقت هجمات 11 سبتمبر.

وفي القضية القضائية المرفوعة في الولايات المتحدة ضد علي المري، المتهم بالتحايل على المباحث الاميركية، يؤكد محامو الادعاء أن المشاركين في مؤامرة 11 سبتمبر بضمنهم محمد عطا والمنسق رمزي بن الشيبة كانوا مربوطين بعضهم ببعض بواسطة رقم هاتف يعود للهوساوي في الإمارات العربية المتحدة. وطلب عطا هذا الرقم حسبما قاله محامو الادعاء ثم استعمله الهوساوي عند إجرائه للتحويلات المالية لابن الشيبة يوم 3 سبتمبر 2001، حسبما تزعم الحكومة الأميركية.

والمرّي المحتجز حاليا في نيويورك متهم بالكذب على مكتب المباحث الفيدرالي حول المكالمات الهاتفية التي يقول المسؤولون الأميركيون إنه أجراها الى رقم هاتف الهوساوي في الشهرين اللذين أعقبا هجمات 11 سبتمبر. واتهم المرّي أيضا بتهمة الاحتيال فيما يخص استخدام بطاقة الائتمان لكنه نفى أنه قام بأي مكالمات هاتفية للرقم الذي يعود للهوساوي أو أنه يعرفه. ويستمر مكتب المباحث الفيدرالي في تحقيقاته المتعلقة بالمري. والمري المولود في السعودية والذي يحمل جنسية قطرية كان قد وصل إلى أميركا مع زوجته وأطفاله الخمسة يوم 10 سبتمبر 2001 أي قبل يوم من حدوث الهجمات الانتحارية وحاول أن يسجل في دورة حول الكومبيوتر في جامعة برادلي بمدينة بيوريا.

وتم اعتقاله كشاهد في ديسمبر 2001 ووجهت له تهمة تقديم معلومات كاذبة. ووجِّه أمر قضائي لزوجته كي تعطي شهادتها أمام محلفين قانونيين، لكنها عادت للسعودية مع أطفالها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وتسعى السلطات الأميركية أن تعرف أكثر عن نيات المري وعن الناس الذين له علاقة بهم في الولايات المتحدة، وقد يكون الهوساوي في موقع يساعد على تقديم شروحات في هذا الشأن.

وأخِذ الهوساوي إلى موقع مجهول خارج باكستان لاجراء التحقيق معه، وقال مصدر استخباراتي اول من امس إن هناك اعتقاداً بأن له ارتباطات مع شبكات التمويل التابعة لـ«القاعدة» في أوروبا وأنه سيتم التحقيق معه بخصوص هذه العلاقات أيضا.

ومن جانبه، اعتبر وزير العدل الاميركي جون آشكروفت اول من امس القبض على خالد شيخ «ضربة» قوية لتنظيم «القاعدة». واكد آشكروفت، من ناحية اخرى، انه تم تحديد «مئات ومئات» من المشتبه في علاقتهم بالارهاب داخل الولايات المتحدة، من قبل عملاء المباحث الذين ضاعفوا مواردهم البشرية والاستخباراتية وحصلوا على 18 الف استدعاء وامراً بالتفتيش. واضاف آشكروفت ان المباحث حصلت ايضاً على اوامر بمراقبة اكثر من الف مشتبه فيهم، بينهم 170 يتعين مراقبتهم بطريقة استعجالية للاشتباه في علاقتهم بالارهاب.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»