الجعفري لـ«الشرق الأوسط» : أولوية الحكومة ستكون للأمن والخدمات وتحسين الاقتصاد

TT

تأجلت محاولات اجراء حوار مع الدكتور ابراهيم الجعفري، زعيم حزب الدعوة العراقي، بسبب المفاوضات داخل قائمة الائتلاف الموحد بخصوص التوصل الى المرشح لتولي منصب رئيس الوزراء المقبل. لكن بمجرد ان استقر الحال على اسم هذا السياسي الطبيب الذي سيتنافس مع السياسي الطبيب الآخر، الدكتور اياد علاوي، على المنصب، تم إجراء المقابلة التي قال فيها الجعفري لـ «الشرق الأوسط» ان أولوية الحكومة في حال فوزه برئاستها ستكون للأمن والخدمات وتحسين الوضع الاقتصادي. وأشار أيضا إلى ان العراقيين ليسوا جميعاً شيعة والشيعة ليسوا جميعاً إسلاميين والإسلاميين ليسوا جميعاً مؤمنين بولاية الفقيه. وهذا نص الحوار...

* كنتم اول مرشح لتولي رئاسة مجلس الحكم بعد سقوط نظام صدام حسين، وها انتم مرة اخرى المرشح الاول لرئاسة الحكومة المنتخبة.. بين هاتين الرئاستين، ماذا ترى من صور للعراق؟

ـ عندما أرسم صورة للعراق بين تولي الرئاسة الاولى لمجلس الحكم وترشيحي من قبل قائمة الائتلاف (لرئاسة الحكومة المقبلة)، هناك الكثير من الامور التي تحققت على الصعيد السياسي للعراق. فقد كنا نتحرك في اطار القرار 1483، أي في ظل شرعنة دولية لقرار الاحتلال، وقد مورست عملية توافق تحت مظلة الاحتلال وحصل في المرحلة المؤقتة ان تحرك العراق في ظل القرار 1546 الصادر من الامم المتحدة. اما الآن فنحن نتحرك تحت مظلة الانتخابات التي تكتسب عمقا جماهيريا ووطنيا على كل المستويات ومنها المستوى الدولي. وفي ظل هذه الحكومة ستكون القوات الاجنبية (مصنفة) تحت عنوان «القوات المتعددة الجنسيات».

منذ الشهر الاول لرئاستي مجلس الحكم وحتى الآن، ارقب تحسنا في المستوى المعيشي رغم أن هذا المستوى ليس هو ما نطمح اليه، وأشعر بان الاوضاع الأمنية بعيدة عن الطموح لكنها افضل من السابق. انني ارى ان هناك قاعدة جماهيرية (تشكلت منذ الرئاسة الاولى لمجلس الحكم) وولدت الحكومة الجديدة، بإرادة من رحم عراقي وبمساهمة جمهور عراقي يصر على ان تكون الولادة وطنية. في الثلاثين من الشهر الماضي استطاع العراقي ان يعبر الاسلاك الشائكة ويصر على بناء العراق الجديد اقليميا ودوليا، مما يجعل كافة دول العالم تتعامل مع العراق الجديد. اصبح هذا امرا واقعا بعد ان كانت بعض الدول تتعامل مع العراق باستحياء وبخطاب خجول باعتباره يخضع للاحتلال. لكن هذا لا يعني نهاية الطموح بل نحن في بداية الطموح. طموحنا ان يأخذ العراق حيزا على الصعيد الأمني والاقتصادي والاعمار والسياسة. نعم ان هناك فارقا واضحا وجليا، فحجم تصدي المرأة مثلا في البرلمان عال جدا. هناك عدد كبير من النساء اللواتي يشاركن في البرلمان، والامر لا يقتصر على العدد فقط بل على نوع النساء المشاركات. هذا الامر لم يحصل في العراق سابقا ولا في دول الشرق الاوسط وربما في كل دول العالم. النساء المشاركات لهن اداء متميز في الساحة السياسية. سيكون العراق نموذجا يحتذى في المنطقة.

* ولدتم في كربلاء ودرستم في الموصل وعشتم سنوات في ايران وأخرى في لندن والآن انتم في بغداد. ماذا اضافت هذه الرحلات الى رؤاكم السياسية باتجاه مستقبل العراق؟

ـ نعم لقد رأت عيناي النور في كربلاء، التي تعتبر مدينة مقدسة، وعندما انتهيت من المرحلة الاعدادية كان لي الحظ ان تكون دراستي الجامعية في مدينة الموصل التي تعكس العربي الموصلي ومن اخواننا السنة. هذا التعدد في الاوساط والمدن والدول اعطاني دروسا كثيرة اولها فن التعامل مع الآخر وفهم كل رؤاه. منذ نشأتي كان لدي الاستعداد للتعامل مع الآخر، والتحول الى الممارسة العملية في الاوساط المتعددة حرك عندي الاستعداد الى الفهم المذهبي في اوساطنا والقومي في ايران والديني في اوروبا. اعتقد ان تلك الاوساط ساهمت في شخصيتي وما زلت بحاجة للتفاعل مع انسان هذه المنطقة مذهبيا وقوميا ودينيا لان العراق تجتمع فيه كل تلك الحالات، اذ لدينا العربي والكردي والمسيحي والتركماني والكلدو ـ آشوري واليزيدي والاشوري. أنا لا أعاني من ازمة تنظير ولم اعان من ازمة تطبيق وأتعامل من دون تكلف. في صدري متسع كبير على ضوء المشترك الانساني الذي يجعل الانسان هو الهوية والمواطنة هي اداة التعريف للعراقي والشعب العراقي.

* حزب الدعوة الذي انشئ في الخمسينات من القرن الماضي يدعو الى تجديد المؤسسات الدينية، لكنكم كنتم الجناح المنشق في الحزب وأنشأتم في لندن مع قوى سياسية اخرى لجنة تنسيق العمل الديمقراطي التي كانت تعقد المؤتمرات ضد التدخل الاجنبي. هل ما زلتم على رؤاكم الديمقراطية في تشكيل لجنة عراقية للعمل الديمقراطي داخل العراق؟ ـ بالنسبة لي لم أكن جزءاً من ظاهرة انشقاق في حزب الدعوة. حتى الآن، لا يزال انتمائي لهذا الحزب ولا يوجد في تاريخي انشقاق. من حيث الوطنية انا عراقي، ومن حيث المناطقية انا من كربلاء، ومن حيث المهنة انا طبيب، ومن حيث الدين انا من عائلة هاشمية علوية معروفة. اغلب الانتماءات هي وسيلة لتحقيق هدف وكل الامور الاخرى متغيرات. لا استغرب ابدا ان يتغير الانسان، لكنني استغرب عندما لا يغير وجهة نظره، فالعمل السياسي متغير والسياسة فن الممكن في ادارة المتغير. الانتماء الى أي توجه يجب ان يكون لخدمة الانسان والمبادئ والقيم. فهم الآخر جزء من خدمة الانسان وعلينا جميعا ان نفهم الآخر ووجهة نظره ليكون الضوء نحو المستقبل.

* يقال ان احد اجدادكم قاد ثورة ضد العثمانيين في كربلاء عام 1876. هل روح الثورة موجودة لديكم ام ان المرونة السياسية والبراغماتية قد تستوعب كل الثورات في داخل النفس البشرية؟

ـ الثورة اخذت اساليب مختلفة وانماطا متعددة. فغاندي كان ثائرا واستخدم الاسلوب السلمي في المقاومة واستطاع ان ينجح. ليس المطلوب ان نشهر السلاح اولا، فهناك تأثير الكلمة والحوار والآليات الاجتماعية، وفي الظروف الاستثنائية يكون السلاح هو الحل الاخير. الكثير من ثورات العالم لم تبدأ بالسلاح بل بالنقد وفي الاستثناء يستخدم السلاح، فالانسان الثائر يسعى الى التغيير. انا ثائر عندما اجد عوامل الفقر والجهل والمرض امامي. اسعى لتغيير الجهل الى ثقافة والفقر الى غنى والشقاء الى سعادة. انا مع كل القوى الخيرة من اجل هذه الثورة بهذا المعنى لنعبر بوطننا الى بر الامان.

* تميزتم بقيادة التيار العروبي داخل حزب الدعوة ضد التيار الموالي لايران الذي قاده محمد مهدي الاصفي في ايران والمؤمن بولاية الفقيه.. هل التيار الذي تنتمون اليه هو الذي سيقود العراق في حال ترأستم الحكومة المقبلة، وكيف ستكون طبيعة العلاقة مع ايران في حال حدث ذلك؟

ـ اعتقد انه يتعين على الذي يقود العراق ان يولد من رحم هذا البلد وتطابق خصوصياته خصوصيات هذا البلد. فالعراق متنوع ولا يشبه بلدا آخر. ليس كل العراقيين شيعة وليس كل الشيعة اسلاميين وليس كل الاسلاميين مؤمنين بولاية الفقيه. ان استنساخ أي تجربة يتنافى مع الحقوق الانسانية لهذا البلد. يجب على الشعب العراقي الدخول في عملية صناعة مستقبل العراق الجديد، فالعراق متنوع وعلى الجميع احترام هذا التنوع واحترام الحريات والعقائد والانتماءات السياسية والدينية والقومية لكل العراقيين. كذلك يجب ان تشعر المرأة بوقوفها الى جانب الرجل في بناء العراق، ويجب ان يشعر الجميع بانتمائه الى العراق وبالشكل الذي يريده وليس بما يفرض عليه.

* ما هي نظرتكم للمرأة داخل النسيج العراقي المتنوع؟ ـ لقد كرم القرآن الكريم المرأة ووضعها في احسن منزلة. وفي العمل السياسي، يشير القرآن الى آسيا التي عارضت زوجها فرعون وترفعت عن ترفه وواجهت ظلمه، وقد ضرب الله بها مثلا في القرآن، والى بلقيس المرأة الحاكمة المتبصرة التي كانت تشاور في حكمها ولا تتسرع. والمرأة العراقية سجنت واعتقلت وقتلت في سبيل مبادئها التي تؤمن بها. هذه هي صورة المرأة كما نراها.

* حدثت، داخل الائتلاف العراقي الموحد، ترشيحات ومفاوضات وتحالفات ثم انسحابات، من اجل الوصول الى اسم المرشح لمنصب رئيس الوزراء. ما هي الخطوات الحقيقية التي جعلتكم تكونون المرشح للمنصب؟

ـ هناك مساحة مشتركة جعلتهم في الخطوة الاولى ينتظمون تحت عنوان واحد هو القائمة 169. ولما اصطفوا تحت هذا العنوان مع وجود وجهات النظر مشتركة مع بقية القوائم، فوجئت بطرح اسمي كمرشح للقائمة. جرت حوارات مستفيضة بين الفرقاء والاخوة في القائمة وكان هناك مرشحون آخرون، اذ من الطبيعي ان يترشح من يجد في نفسه الكفاءة في هذا المجال، (لكن) العدد بدأ يتقلص وبدأت دراسة مواصفات من يمكنه قيادة (البلد) في هذه المرحلة، الى ان رست النقاشات على ترشيحي للمنصب وبقيت قائمة الائتلاف موحدة في الاختيار. هناك من الاخوة من انسحب طواعية وساند الترشيح، وهم الدكتور عادل عبد المهدي والدكتور الشهرستاني، وبقي الاخ احمد الجلبي مرشحا وفي نهاية المطاف وجد ان الانسحاب هو الافضل فانسحب وتوحدت كلمة القائمة حول الترشيح.

* كيف تنظرون الى حظكم في الفوز بالمنصب عندما تجري مناقشة الامر في الجمعية الوطنية العراقية؟

ـ في الجمعية الوطنية هناك خطوات تنسيق ومد جسور مع الكتل البرلمانية الاخرى وحتى من خارج المؤتمر، لان في العمل الجديد، الجميع يسعى لاشراك الجميع في قيادة العراق. بالنسبة لفرص الفوز، فأنا قد فزت في يوم الانتخابات التي جرت في الثلاثين من الشهر الماضي، والمهم في الامر ان ينتقل العراق الى مرحلة جديدة.

* ما هو أول قرار ستتخذه الحكومة في حال فوزكم برئاستها؟

ـ الاولوية كما اشرنا هي للأمن والخدمات وتحسين الوضع الاقتصادي والاعمار ومعيشة الفرد. اما البرامج التفصيلية فقد طرحتها قائمة الائتلاف.

* لماذا تركتم الطب ولجأتم الى ممارسة العمل السياسي؟

ـ تركت طب المواطن الى طب الوطن. كل شيء في الحياة هو من اجل الانسان، وكل المهن هي لخدمة الانسان. لا أجد ضيرا في ان يتحرك الانسان من خندق الى آخر، وهكذا هو الشاعر والطبيب والفنان والمهندس والصحافي.

* هل تكتب الشعر والغزل على وجه الخصوص؟ ـ نعم كنت وما زلت اكتب الشعر، ولي قصائد منشورة، ولكن ليس باسمي الصريح، وفي القصائد غزل كثير.