رحيل الشاعر السوداني النور عثمان أبكر أحد مؤسسي مدرسة «الغابة والصحراء»

تشييع جثمانه في الدوحة

TT

غيب الموت في مستشفى الدوحة الحكومي في العاصمة القطرية نهار أمس الشاعر والأديب السوداني الكبير «النور عثمان أبكر» عن عمر 71 عاما، وسيتم تشييع جثمانه في الرابعة من مساء اليوم في الدوحة، في موكب جرى التحضير له من قبل الديوان الأميري القطري، وكان الشاعر يعمل فيه في وظيفة كبير مترجمين، والسفارة السودانية في الدوحة والجالية السودانية هناك. ويصف النقاد الشاعر النور بانه احد «نجوم» شعر التفعيلة في السودان في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ويصنفون شعره في باب «الغنائية العالية»، ويقولون ان من الشعراء القلائل الذين يجنحون الى القيام بدور الأبوة للشعراء الصغار. وهو الآن عضو تحرير مجلة «الدوحة» الأدبية الثقافية، التي تصدر في العاصمة الدوحة.

ويعتبر ابكر احد مؤسسي مدرسة «الغابة والصحراء» الأدبية في السودان، التي تأسست في أوائل الستينات من القرن الماضي، الى جانب الشعراء الدكتور الراحل محمد عبد الحي الكبير، ومحمد المكي ابراهيم ويوسف عيدابي، والشاعر عبد الله شابو، وتقوم فكرة «الغابة التي ترمز الى الافرقانية والصحراء الى العربية» على ان التمازج العربي الافريقي في السودان هو الذي يشكل الاصل في الثقافة السودانية، وبالتالي انتماء الشعر السوداني الى هذا التمازج.

غير ان المدرسة واجهت الكثير من المعارضة من قبل الشعراء العروبيين في السودان على رأسهم الشاعر الراحل صلاح احمد ابراهيم الذي كتب مقالة شهيرة في الستينات من القرن الماضي هاجم فيها مدرسة «الغابة والصحراء» بعنوان: «عرب العرب»، يعتقد في المقالة ان العروبة هي أصل الثقافة السودانية وتنتمي إليها الأجناس الأدبية السودانية ، ليرد عليه ابكر بمقالة شهيرة هي الأخرى فند فيها فيه الهجوم بعنوان: «لست عربيا ولكن..». ويتفق النقاد في الخرطوم على ان ابكر كان من ألمع نجوم «ندوة الأحد» الأدبية في الخرطوم في الستينات التي كان يرأسها الناقد الكتور محمد ابراهيم الشوش، الذي يعمل الآن في منصب المستشار الثقافي السوداني في الدوحة، ويقولون إن من الذين كان يجدون الرعاية من ابكر الشعراء: عالم عباس محمد نور، ومحمد محمد خير، وحسن ابو كدوك.

ولد ابكر في مدينة بورتسودان اكبر ميناء بحري في السودان على البحر الأحمر في عام 1938 من أب وأم جاءا من غرب السودان واستقرا في المدينة حيث يعمل والده في وظيفة سائق سيارة في الميناء، وتلقى تعليمه الأولى: (الابتدائي) والوسطى، في بورتسودان، والثانوي في مدرسة «حنتوب» في مدينة ود مدني وسد السودان، ودرس في كلية الآداب جامعة الخرطوم قسم اللغات، ليتخرج فيها في عام 1962، وهاجر بعد ذلك الى ألمانيا ومكث هناك حتى عام 1965 وتزوج فيها من ألمانية تدعي مارغريت وهي خبيرة في معهد جوته الألماني الشهير، وبعد عودته من ألمانيا عمل في عدد من المدارس الثانوية في العاصمة الخرطوم أشهرها مدارس: المؤتمر، والأهلية، ومدارس محمد حسين، ليترك العمل في المدارس ويهاجر مرة أخرى في عام 1979، ولكن هذه المرة الى العاصمة القطرية الدوحة، حيث عمل هناك في البدء في وظيفة كبير محررين ومترجمين في مجلة الدوحة الادبية الثقافية: خلال رئاسة تحرير من قبل كل من الناقد السوداني الدكتور محمد ابراهيم الشوش، والشاعر والاديب المصري الدكتور رجاء النقاش، وحصل في عام 1985 على وظيفة مترجم خاص في الديوان الاميري القطري، حيث ظل يعمل فيه حتى وفاته امس. وللشاعر الراحل ابكر اربعة دواوين شعر من بينها: «صحو الكلمات المنسية» صدر في عام 1973، و«غناء للعشب والزهر» صدر في عام 1975، وترجم عشرات الكتب من الإنجليزية إلى العربية ومن الألمانية الى العربية، وله دراسة تحت الطبع حول الرواية السودانية، وترجم أخيرا كتاب عن مشكلة دارفور صدر عن دار عازة في الخرطوم. وكان النور قد رأس من الفترة من 1970 وحتى عام 1979 لجنة الشعر في المجلس القومي للآداب والفنون، ورأس كل لجان المسابقات الشعرية التي تجري في السبعينات من القرن الماضي، واعتبر الشوش في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» أن ابكر من أميز الشعراء وارفع المترجمين من اللغة الانجليزية الى العربية ومن الالمانية الى العربية والانجليزية، ويرى ان ديوانه المعنون بـ «صحو الكلمات المنسية» علامة فارقة في شعره الذي ينتمي الى مدرسة التفعيلة.

بينما قال الشاعر محمد محمد خير«المستشار الثقافي السوداني في دبي» لـ«الشرق الأوسط» أن ابكر يرى أن الزنوجية أو الأفرقانية هي التي أسعفت العروبية في السودان بالمد الثقافي والجمالي، لذلك كان من المتحمسين لمدرسة «الغابة والصحراء»، التي ينتمي اليها، وقال ان هذه المدرسة تمثل مشروعه الشعري. ويقول النور نفسه في هذا الخصوص: «قبل بلوغ العالم هذا العصر السامق كان النبض الأول في الغابات». فيما قال الشاعر السوداني الراحل محمد المهدي المجذوب: «إن النور عثمان ابكر تعني التصوف الظمآن إلى الينابيع المستورة».

للشاعر ابكر ثلاث بنات هن: ايزيس، وهي فنانة تشكيلية، ولالا وهي طبيبة، وماجدولين مهندسة.