واشنطن تتراجع عن خطتها في محاكمة خالد شيخ محمد وأعوانه في مانهاتن

أحدث العقبات التي تواجهها الإدارة في سعيها لإغلاق غوانتانامو

خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات سبتمبر (واشنطن بوست)
TT

صرح مسؤولون في إدارة الرئيس باراك أوباما بأن الإدارة تراجعت عن خطتها في محاكمة خالد شيخ محمد، الذي اعترف بمسؤوليته عن هجمات 11/9 الإرهابية على ضاحية مانهاتن الجنوبية.

وأشار المسؤول إلى أنه لم يتم التوصل إلى قرار بعد، لكن وزارة العدل تدرس إمكانية تبني مسارات جديدة. فيما قال مسؤول آخر مقرب من الإدارة إن نيويورك تم استبعادها كمكان لإجراء المحاكمة.

يأتي التراجع عن القرار السابق كدليل على أحدث العقبات التي تواجهها الإدارة في سعيها لإغلاق معتقل غوانتانامو. فمع تضاءل خياراتها لإغلاق السجن والاحتمالات بعدم إجراء المحاكمة في نيويورك ستخسر الإدارة الأميركية بذلك بعض الرمزية المتعلقة بمحاولتها انتهاج طريقة جديدة للتعامل مع الشخصيات البارزة المعتقلة من «القاعدة» في السجن.

تأتي إعادة التفكير في نقل محاكمة خالد شيخ محمد في أعقاب زيادة المعارضة السياسية لإجراء المحاكمة في مانهاتن، التي وصفها المدعي العام إريك هولدر في نوفمبر (تشرين الثاني) بأنها المكان الأنسب.

وكان عمدة نيويورك مايكل بلومبيرغ، الذي دعم إجراء المحاكمة في المدينة في بادئ الأمر، قد صرح هذا الأسبوع بأن التكلفة الأمنية والمالية للمحاكمة ستكون كبيرة جدا. فيما أوضحت النائبة دايان فنستين، النائبة الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا ورئيسة لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، في خطابها إلى الرئيس أوباما، أن محاكمة نيويورك ترفع من مخاطر التهديدات الإرهابية.

وقالت «دون الدخول في تفاصيل سرية، أعتقد أن علينا أن ننظر إلى محاولة تفجير الطائرة الفاشلة على أنها استمرار للعمليات الإرهابية وليست نهاية مخططات ضرب الولايات المتحدة من قبل (القاعدة) وحلفائها. علاوة على ذلك فإن مدينة نيويورك تمثل أهدافا رئيسية منذ تفجير مركز التجارة العالمي 1993. وستضيف محاكمة أبرز متهم في السجن إلى هذه التهديدات». كما أصدر السيناتور تشارلز سكومر، النائب الديمقراطي عن ولاية كارولينا الشمالية، بيانا قال فيه إن قرار إعادة النظر في نقل مكان المحاكمة من مانهاتن بات واضحا.

ونقل مكان المحاكمة في أعقاب الاعتراضات السياسة لا يمكن أن يكون نذير خير لخطط الإدارة بجلب معتقلين آخرين من غوانتانامو للمحاكمة أمام محاكم فيدرالية أخرى. لكن مسؤولي الإدارة قالوا إنهم يخططون لتقديم 35 متهما آخرين إلى المحاكمة، سواء أمام محاكم فيدرالية أو لجان عسكرية.

وقد طالب عدد من أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين أن يحاكم المعتقلون أمام لجان عسكرية في معتقل غوانتانامو، مشيرين إلى أنهم أعداء مقاتلون في حرب مع «القاعدة» وطالبان، وليسوا مجرمين يستحقون أن تشملهم حماية المحاكم المدنية.

لكن قرار تقديم خالد شيخ محمد وأتباعه إلى الأراضي الأميركية ليحاكم محاكمة مدنية يعد إحدى ركائز عمل هولدر، وهو ما أكد عليه مسؤول الإدارة، من أن وزارة العدل لن تتراجع عن مبدأها الأساسي بمحاكمة معتقلي «القاعدة» أمام محاكم فيدرالية داخل الولايات المتحدة. هذا الالتزام لقي ترحيبا من قبل المؤيدين للاقتراح باستخدام المحاكم الفيدرالية لمحاكمة المجرمين المشتبه بهم.

وقال أنتوني دي روميرو، المدير التنفيذي لاتحاد الحريات الأميركي «ما دامت هذه المحاكمات ستجرى في محاكم جنائية فيدرالية وفق إجراءات سليمة، فإن مكان إقامة المحاكمة لن يشكل أمرا مهما. فكل محاكمنا مؤهلة وقادرة على التعامل مع هذه القضايا. وأن ذلك هو المكان الذي يجب أن تعود إليه مثل هذه القضايا وحيث يجب أن يقيموا».

لكن الإدارة يبدو أنها ستحظى بعدد قليل جيد من الأماكن البديلة المتاحة، فهناك معارضة محلية كبيرة بين السكان في المناطق الأخرى التي اقترحت مثل إيسترن ديستريكت أوف فيرجينيا، وأن الانتقال إلى محكمة فيدرالية أخرى سيقود إلى الكثير من الجدل كما أثير في مانهاتن. وقد اقترح بعض المسؤولين إقامة المحاكمات الفيدرالية داخل قاعدة عسكرية توافقا مع رغبة الإدارة في إقامة محاكمات جنائية، وفي الوقت ذاته احتواء المخاوف الأمنية التي قد تنطوي على تأثير على المجتمع الذي يمكن أن تقام فيه هذه المحاكمات.

ولذا كان من بين المواقع التي طرحت لإجراء المحاكمات بها القاعدة الجوية للحرس الوطني في داخل الضاحية الجنوبية لنيويورك والتي توجد بالقرب من مدينة نيوبيرغ، لكن استخدام هذه القاعدة سيتطلب بناء محكمة ومركز اعتقال لإقامة السجناء خلال المحاكمة.

كما تأمل الإدارة أيضا الحصول على سجن الولاية في تومسون بولاية إلينوي لإقامة اللجان العسكرية، ولنقل المعتقلين الذين يشكلون خطورة تحول دون إطلاق سراحهم أو محاكمتهم. ومن الممكن أن يستضيف سجن تومسون الذي سيحميه الجيش محكمة فيدرالية وسجنا فيدراليا للمعتقلين من أمثال خالد شيخ محمد. أما المسؤولون الآخرون فيقولون إنهم لم يقرروا بعد المكان الجديد الذي يمكن أن تجرى فيه المحاكمات، وإن الإدارة لا تزال بحاجة إلى التمويل من الكونغرس للاستحواذ على سجن إلينوي. وأوضح أحد المسؤولين أن الكثير من المواقع داخل الولايات المتحدة موضع دراسة.

فيما أشار مسؤول بارز آخر إلى أن القاعدة العسكرية ليست بالخيار السيئ، في إشارة إلى تضاؤل قائمة الخيارات أمام الإدارة. وأوضح روميرو أن اتحاد الحريات المدنية، أقوى المنتقدين لنظام المحاكم العسكرية في غوانتانامو، لن يعارض إجراء المحاكمة الفيدرالية في قاعدة عسكرية بصورة مؤقتة ما دامت ستجرى في الولايات المتحدة.

فيما استنكر آخرون، من بينهم أقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، قرار الإدارة بإجراء المحاكمات على الأراضي الأميركية، طالبين من الإدارة ضرورة مراجعة قرارها إغلاق المعتقل. وقال هاميلتون باتيرسون، الذي فقد أباه وزوج والدته اللذين كانا على متن الرحلة «يونايتد فلايت 93» للطائرة التي سقطت في شانكسفيل بولاية بنسلفانيا «أنا أناشد الرئيس ضرورة اتخاذ القرار الصائب. فمن غير المعقول بالنسبة لمن زاروا مبنى المحكمة الذي تكلف 40 مليون دولار في غوانتانامو ألا يستغلها الرئيس. أنا آمل في أن يعيد النظر في قضية المحاكم العسكرية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»