اختيار روبرت فورد سفيرا لواشنطن في دمشق.. وإطلاق عملية السلام وترتيب علاقات سورية وإيران أهم التحديات

مسؤولون أميركيون لـ «الشرق الأوسط» مرتاحون لتطور العلاقات مع دمشق.. إلا أن هناك خلافات

الرئيس السوري بشار الأسد لدى استقباله مبعوث السلام الأميركي جورج ميتشل في القصر الرئاسي بدمشق في 13 يونيو (حزيران) 2009 (أ.ف.ب)
TT

بعد نحو خمس سنوات من سحب أميركا سفيرها في سورية إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، أكد مسؤولون أميركيون في واشنطن ودمشق لـ«الشرق الأوسط» أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما سمت الدبلوماسي المخضرم في الشرق الأوسط روبرت ستيفن فورد سفيرا لأميركا في دمشق، ليكون بذلك أول سفير لواشنطن في سورية منذ عام 2005.

وفيما تعكس الخطوة تحسنا كبيرا في العلاقات بين واشنطن ودمشق، قال مسؤول بالخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن واشنطن بالرغم من ارتياحها للتطورات في علاقاتها مع دمشق، فإن العلاقات بين البلدين ما زالت تشوبها خلافات من بينها دور سورية في العراق والعلاقات مع إيران وحماس وحزب الله. وأوضح المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب عدم صدور بيان رسمي من الخارجية الأميركية، أن العلاقات مع سورية تسير بطريقة مرضية «وتعيين سفير لنا مسألة أساسية فيما يتعلق ببناء الثقة مع السوريين.. وهى الثقة اللازمة لحل كل الملفات مثار الاختلاف بيننا». وقالت مصادر أميركية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن المهمة الأولى أمام السفير الأميركي في دمشق هي «تمهيد الأرضية في أسرع وقت لاستئناف مباحثات السلام بين سورية وإسرائيل». ومن شأن استئناف مباحثات السلام بين سورية وإسرائيل أن يخفف الضغوط المتزايدة على إدارة الرئيس الأميركي، خصوصا اتهام إدارته بالتعثر الكامل حتى الآن في إطلاق أي مفاوضات سلام حقيقة بالمنطقة. أما المهمة الثانية الأساسية على طاولة السفير الأميركي، وهي المهمة الأصعب والمتوقع أن تأخذ وقتا أطول من إطلاق المفاوضات، فهي «إعادة ترتيب العلاقات مع إيران وحماس وحزب الله بحيث يكون ذلك متسقا مع السياسة السورية الخارجية المعلنة ومع علاقات دمشق وأميركا ومصالح الطرفين والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط». وقالت المصادر الأميركية إن «واشنطن تريد أن تساعد في إطلاق مفاوضات سلام مباشرة بين سورية وإسرائيل خلال فترة الأشهر القليلة المقبلة، كما تريد من ناحية أخرى أن تظهر دمشق قدرتها على أن تلعب دورا إيجابيا في ملف إيران والسلام في الشرق الأوسط والأمن في العراق». وأوضح مصدر أميركي لـ«الشرق الأوسط»: «إرسال سفير سيساعد على تحريك مسار السلام بين سورية وإسرائيل. لدى واشنطن طلبات للتدخل. والعلاقات الدبلوماسية مع سورية ستساعد على إمكانية إنجاح المساعي الدبلوماسية. هذا ما نسعى إليه. الرئيس الأميركي قال مرارا إننا نريد عملية سلام في أجواء ملائمة وقادرة على النجاح. في الحالة السورية، وجود علاقات دبلوماسية بين دمشق وواشنطن من العوامل التي يمكن أن تساعد على إنجاح مسار التفاوض السوري - الإسرائيلي. لا أقول إن هذا كاف بحد ذاته. لكن عودة العلاقات الدبلوماسية لا شك عامل تأكيد وطمأنة لكل الأطراف أننا نعمل من أجل السلام». وقال مصدر مسؤول في السفارة الأميركية في دمشق لـ«الشرق الأوسط» إن المبعوث الأميركي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، جورج ميتشل، طرح موضوع السفير الأميركي الجديد في دمشق خلال مباحثاته مع الرئيس السوري بشار الأسد الأسبوع الماضي، إلا أن المسؤول بسفارة أميركا في دمشق رفض تأكيد أو نفي ما إذا كان روبرت فورد هو الاسم الذي اختارته الإدارة الأميركية ليكون سفيرها الجديد في دمشق. غير أن المسؤول في سفارة أميركا في دمشق أوضح لـ«الشرق الأوسط»: أن «وجود سفير أميركي في دمشق يخدم مصالح الولايات المتحدة، خاصة أنه سيمثل صوت الرئيس الأميركي ووزارة الخارجية الأميركية»، لافتا إلى أن «الولايات المتحدة الأميركية ما زال لديها قلق حيال سلوك سورية في المنطقة». وتابع «حالما يتم إرسال سفير إلى دمشق بعد تصديق الكونغرس الأميركي سيبدأ معالجة هذه الأمور». واعتبر المصدر المسؤول في السفارة الأميركية القرار الذي صدر العام الماضي عن إدارة الرئيس أوباما بإرسال سفير إلى دمشق هو «اعتراف بالدور المهم الذي تلعبه سورية في المنطقة ويعكس أيضا أمل الإدارة الأميركية بأن الحكومة السورية ستلعب دورا بناء لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة». كما اعتبر قرار إعادة السفير «مثالا حقيقيا على التزام الإدارة الأميركية باستخدام الحوار بين البلدين لمعالجة القضايا التي تقلق الإدارة الأميركية». وروبرت فورد، الذي سمته واشنطن سفيرا لدمشق، ومن المرجح أن يعلن عنه رسميا قريبا، لديه خبرة واسعة في منطقة الشرق الأوسط ويعمل نائبا للسفير الأميركي في العراق كريستوفر هيل. وهو يلم بتعقيدات ملفات سورية -إيران - العراق والتداخلات بينها. وقد عمل فورد في الخارجية الأميركية طوال حياته المهنية، وشغل منصب سفير واشنطن في الجزائر بين 2006 و2008، كما عمل في سفارات أميركا في البحرين (عمل نائبا للسفير في البحرين بين 2001 و2004 قبل أن يعمل في العراق) كما عمل في مصر وتركيا، وهو يتحدث العربية بشكل جيد، إلى جانب إلمامه بالتركية والألمانية والفرنسية وحاصل على شهادة ماجستير من جامعة «جون هوبكنز» الأميركية العريقة عام 1983. وتنتظر واشنطن ردا رسميا من سورية على التعيين، وما إذا كانت هناك تحفظات أو ملاحظات. وإذا صدقت سورية على التعيين، يعلن البيت الأبيض رسميا اسم السفير الجديد، ثم يرسل التعيين إلى مجلس الشيوخ الأميركي للتصديق عليه. وبعد جلسة استماع يدلي فيها السفير المعين بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية يصوت مجلس الشيوخ على التعيين. يذكر أن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ يرأسها السيناتور الديمقراطي جون كيري، الذي يؤيد سياسة أوباما بالتحاور مع دمشق وزار سورية في فبراير (شباط) من العام الماضي. وكانت دمشق قد أعربت مرارا عن رغبتها في استئناف مباحثات السلام مع إسرائيل، وقال الرئيس السوري بشار الأسد في حوار مع «بي بي سي» أخيرا، إن بلاده تريد الرجوع لمائدة التفاوض، متهما تل أبيب بأنها وراء تجميد المفاوضات. وترفض إسرائيل العودة للتفاوض بوساطة تركية وذلك بعد برودة غير مسبوقة في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب بعد إدانة تركيا للحرب الإسرائيلية على غزة في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي. وتقول إسرائيل إن الموقف التركي لم يكن محايدا وإن أنقرة وقفت إلى جانب حكومة حماس دون أن تنظر إلى اعتبارات إسرائيل الأمنية. وجددت تركيا رغبتها العلانية في التوسط بين دمشق وتل أبيب، كان آخرها أول من أمس عندما قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في محاضرة في «معهد الدراسات الاستراتيجية» في لندن، إن بلاده تريد مواصلة دورها كوسيط بين السوريين والإسرائيليين، موضحا «ولمَ لا؟.. إذا كان الطرفان يريدان الوساطة التركية، فإننا جاهزون للتوسط». إلا أن احتمال دخول أميركا بشكل مباشر كراع للمفاوضات وإعلان الرئيس الأسد أنه يريد مفاوضات مباشرة يعني عمليا انتهاء فاعلية الوساطة التركية. وكانت أنقرة قد رعت 4 جولات من مباحثات السلام غير المباشرة بين الطرفين عام 2008، وذلك لأول مرة منذ تجمدت عملية السلام على المسار السوري منذ عام 2000. وكان مبعوث السلام الأميركي للشرق الأوسط السيناتور جورج ميتشل قد قال الأربعاء الماضي إن سورية ولبنان «مفتاحان أساسيان» لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، موضحا في تصريحات للصحافيين بعد مباحثات أجراها مع الرئيس السوري في دمشق «سورية بالتأكيد لديها دور مهم تلعبه في كل هذه الجهود، تماما مثل أميركا والمجتمع الدولي». وكانت زيارة ميتشل لدمشق هي الثالثة منذ عُين مبعوثا للرئيس الأميركي لسلام الشرق الأوسط. وقال ميتشل في كلمته في دمشق «الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية كلينتون ملتزمان بسلام شامل في الشرق الأوسط، يتضمن سلاما بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل وسورية وبين إسرائيل ولبنان، ويتضمن أيضا التطبيع الكامل للعلاقات بين إسرائيل والدول العربية. إن لسورية بالتأكيد دور مهم تلعبه في كل هذه الجهود كما للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وقد كان هذا هو موضوع نقاشنا اليوم». كما تحدث ميتشل عن العلاقات الثنائية بين دمشق وواشنطن دون أن يتطرق إلى إرسال أميركا لسفير موضحا «ناقش الرئيس الأسد وأنا وزملاؤنا أيضا النطاق الكامل من القضايا المهمة المتعلقة بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وسورية. هذا هو لقائي الثالث بالرئيس وأتطلع إلى أن نبني على العلاقة الإيجابية التي كوناها وذلك من أجل إحراز تقدم ملموس في الجهود نحو السلام وفي العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة وسورية. إنني أتطلع إلى العودة في المستقبل القريب». ولم يصدر في دمشق تعليق رسمي على تسمية سفير لأميركا، إلا أن مصادر سورية مطلعة قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها تعتبر هذه «خطوة جيدة وتفيد العلاقات الثنائية كما تجعل الحوار القائم بين الجانبين مباشرا»، وذلك بعد أن لفتت إلى أن هذه «الخطوة تأخرت» ومع ذلك فهي «خطوة جيدة». وذكرت تقارير أميركية أن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ويليام بيرنز سيتوجه إلى دمشق الشهر المقبل لإجراء جولة مباحثات جديدة مع المسؤولين السوريين حول العلاقات بين البلدين والأوضاع في الشرق الأوسط.