توجه الأوكرانيون أمس إلى مراكز الاقتراع لانتخاب رئيس جديد في أجواء شديدة التوتر، يتهم فيها كل من الطرفين الآخر بالتزوير مهددا بالطعن في نتيجة الاقتراع، وحتى بالخروج إلى الشارع.
واعتبر المعارض الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش الذي تقدم على منافسته رئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو في الدورة الأولى التي جرت في 17 يناير (كانون الثاني) الماضي، الأوفر حظا للفوز بالانتخابات. وأظهرت النتائج الأولية بعد إغلاق مركز الاقتراع تقدم يانوكوفيتش بـ 49.6% على تيموشينكو (44.6%)، وتصويت 6% ضد المرشحين.
وإذا تم انتخابه فإن يانوكوفيتش، زعيم حزب الأقاليم الذي اكتسحته الثورة البرتقالية في الانتخابات الرئاسية السابقة بتهمة التزوير، سيحقق إنجازا مثيرا. فقد خرج حينها مئات آلاف المتظاهرين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 احتجاجا على فوزه في الانتخابات، مطالبين بدورة ثالثة فاز فيها في نهاية المطاف بطلهم الموالي للغرب فيكتور يوشينكو.
ويبدو أن يانوكوفيتش يعلم أن هذه الجولة هي فرصته الأخيرة لاستعادة ما انتزعته منه الثورة البرتقالية عام 2004، وما لم يستطع تحقيقه في الجولة الأولى التي حققت له التقدم على تيموشينكو بفارق يزيد قليلا عن عشرة في المائة. كما يراهن معسكره على أن تكرار تجارب الثورة البرتقالية في غير مصلحة الشعب الأوكراني الذي أعرب عن خيبة أمله في هذه الثورة وشعاراتها، وبعد أن سئمت غالبيته خلافات الفريق الواحد وأدركت مغبة تصعيد خلافات أوكرانيا مع الجارة الكبرى روسيا. كذلك فإن أوساط المراقبين المحليين والدوليين تبدو مقتنعة بصعوبة خروج الملايين لتكرار تجربة 2004 لأسباب كثيرة، ليس آخرها نقص الموارد المالية وتراجع حماس مؤيديها في الداخل والخارج.
ولذا كان من الطبيعي أن يتحول ناخبو الكثيرين من المرشحين السابقين ممن لم يحالفهم التوفيق في انتخابات الجولة الأولى، وكان عددهم 16، للتصويت في معظمهم إلى جانب يانوكوفيتش، وإن كانت النتائج الأولية تشير إلى أن ناخبي سيرغي تيغيبكو الفائز بالمركز الثالث بنسبة 13% أعطوا أصواتهم لتيموشينكو التي أعلنت أمس صراحة في أعقاب خروجها من مركز الاقتراع أنها صوتت «إلى جانب مستقبل أوكرانيا الجديدة، الدولة الأوروبية الجميلة».
لكن المؤشرات الأولية تشير أيضا إلى تراجع نتائج تيموشينكو في المناطق المركزية التي استطاع يانوكوفيتش الفوز فيها بنسبة 20% من أصوات ناخبيها. أما غرب أوكرانيا فقد ظل على ولائه للغرب، مؤكدا أنه لم يصوت إلى جانب تيموشينكو بقدر ما كان يريد الإعراب عن موقفه ضد يانوكوفيتش القريب من روسيا. وقال يانوكوفيتش بعد الإدلاء بصوته أمس إنه صوت «إلى جانب التغيير وإلى جانب استقرار وقوة أوكرانيا»، مؤكدا أن الشعب الأوكراني يخطو هذه المرة خطوته الأولى من أجل تجاوز الأزمة الراهنة. غير أن هناك من أعرب عن رفضه للتصويت إلى جانب أي من المرشحين، وهو حق ينص عليه قانون الانتخاب الأوكراني.
وقال فيكتور يوشينكو الرئيس المنتهية ولايته إنه استفاد من هذا الحق وصوت ضد المرشحين كليهما. وتقول النتائج الأولية إن نسبة الرافضين لمرشحي الجولة الثانية ارتفعت عن مثيلتها في الجولة الأولى لتبلغ 5.5% من أصوات الناخبين الذين يبلغ مجموع أصواتهم قرابة 37 مليون ناخب حسب القوائم الانتخابية.
وفي مركز اقتراع في شمال كييف صوتت إيلينا بولياكوفا (60 سنة) التي شاركت في تظاهرات الميدان سنة 2004 لتيموشنكو، وقالت: «إنني أثق بها». وأضافت أن «يانوكوفيتش يمثل الطغاة، وهو دمية بين أيديهم. إنه لا يعرف حتى كيف يتكلم».
إلا أن المقاول يوري (30 سنة) اختار المعسكر الآخر وقال: «إنني أصوت مجددا ليانوكوفيتش، وأنا ضد البرتقاليين. لقد تولوا السلطة ولم ينجزوا شيئا. إن تيموشنكو تعد بالفوضى، وأنا لا أثق بها».
ويحظى يانوكوفيتش بدعم رجال أعمال نافذين، منهم رنات أحمدوف المتحدر مثله من سهل دومباس المنجمي، مهد الصناعة الفولاذية في أوكرانيا. لكنه ليس خطيبا بارعا، وما زال يعاني المشكلات القضائية التي عاشها في شبابه عندما أودع السجن ثلاث سنوات بتهمة السطو والسرقة. وتثير غريمته القلق لمواقفها المتقلبة وميولها إلى الشعبوية، حتى في صفوف الموالين لها الذين لا يحبذون صداقتها مع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين.
وقد شهدت انتخابات أمس عددا من الطرائف التي تمثلت إحداها في اقتحام أربع فتيات عاريات الصدور يهتفن: «كفى اغتصابا للوطن وتحيا الديمقراطية». وقالت إحدى الفتيات واسمها، ألكسندرا شيفتشينكو، إنهن اخترن مركز الاقتراع الذي يصوت فيه يانوكوفيتش بسبب تزايد عد ممثلي الصحافة والإعلام هناك، وإنهن لم يسافرن إلى موطن تيموشينكو بسبب عدم توفر الموارد المالية. ونقلت مصادر عن أندريه ماغيرا رئيس اللجنة المركزية للانتخابات في أوكرانيا قوله إنه على يقين بنسبة 99% من أن الخاسر في الانتخابات سيسارع بتقديم احتجاجه إلى المحكمة العليا مطالبا بالاعتراف بعد مشروعية النتائج. غير أن يانوكوفيتش سارع إلى تأكيد يقينه أنه سيفوز وبفارق كبير.