تحولت نصيحة حول جدوى الدولة العلمانية، قالها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والذي يزور مصر حاليا، إلى «فزاعة» قضت على نحو خاص مضاجع جماعة الإخوان المسلمين، أكثر التيارات تنظيما وتأثيرا في المشهد السياسي المصري، خاصة أن الإخوان تصدروا مشهد الاحتفاء بأردوغان في استقبال شعبي حافل، لم يسبق أن أقاموه لأحد من قبل، وشاركهم فيه بزخم أقل التيارات الإسلامية المختلفة.
نصيحة أردوغان بتطبيق نظام علماني في مصر، لم تلق استحسان الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية، واعتبرتها تدخلا غير مقبول في شؤون مصر الداخلية. وقال الدكتور عصام العريان، نائب حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين لـ«الشرق الأوسط»: «لا أردوغان ولا غيره له حق التدخل في شؤون دولة أخرى وفرض نمط بعينه عليها».
وكان العشرات من أعضاء جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية توافدوا إلى مطار القاهرة لاستقبال رئيس الوزراء التركي، الذي يقوم بزيارة إلى مصر تستغرق ثلاثة أيام، مساء الاثنين الماضي.. ورفع المستقبلون لافتات ترحيب شديد بأردوغان، وطالبوه بتطبيق خلافة إسلامية مع مصر. مرددين هتافات حماسية منها «أردوغان أردوغان.. تحية كبيرة من الإخوان، مصر وتركيا عاوزينها خلافة إسلامية».
وينظر الكثير من الإسلاميين في مصر إلى تركيا، وتجربة حزب العدالة والتنمية في الحكم، على أنها نموذج يجب أن يحتذى باعتبارها تجربة إسلامية ناجحة. لكن مراقبين اعتبروا أن هناك خلطا غير صحيح بين العدالة والتنمية التركي، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر.. مؤكدين أن نموذج تركيا مختلف تماما عن توجه الإخوان بشكل خاص، وإسلاميي مصر بصفة عامة، ويرون أن الحزب التركي ليس حزبا إسلاميا بالمعنى العربي ولا يدعو إلى تطبيق الشريعة، ولكنه معني فقط بالحريات الدينية وربطها بالنظام العلماني للدولة.
ونصح أردوغان في لقاء تلفزيوني له أول من أمس المصريين بصياغة دستور يقوم على مبادئ العلمانية، وقال: «الآن في هذه الفترة الانتقالية في مصر وما بعدها أنا مؤمن بأن المصريين سيقيمون موضوع الديمقراطية بشكل جيد، وسوف يرون أن الدول العلمانية لا تعني اللادينية، وإنما تعني احترام كل الأديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينه».
وقال: «على المصريين ألا يقلقوا من هذا الأمر، وعلى من يناط بهم كتابة الدستور في مصر توضيح أن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان، وتكفل لكل فرد ممارسة دينه».
وأوضح أردوغان أيضا أن العلمانية لا تعني أن يكون الأشخاص علمانيين، قائلا: «أنا مثلا لست علمانيا، لكنني رئيس وزراء دولة علمانية.. 99 في المائة من السكان في تركيا مسلمون، وهناك مسيحيون ويهود وأقليات، لكن الدولة في تعاملها معهم تقف عند نفس النقطة، وهذا ما يقره الإسلام ويؤكده التاريخ الإسلامي».
لكن القيادي الإخواني الدكتور عصام العريان، شدد على أنه «لا أردوغان ولا غيره له حق التدخل في شؤون دولة أخرى وفرض نمط بعينه عليها.. ونحن كذلك أيضا».. مضيفا: «نحن نرى أن الديمقراطية، كنظام وكقيم، ليست في حاجة إلى العلمانية سواء بمفهوم أردوغان أو بمفهوم غيره، وأن الشعب المصري لن يفهم ولن يقبل أي دفاع عن أي نظام علماني حتى لو كان النظام التركي».
وأوضح العريان أن «الشعب المصري معجب بالديمقراطية والتقدم الاقتصادي التركي، والأداء الحضاري المتميز، لكنه يرفض ربط ذلك بالعلمانية». مؤكدا أن «عظمة الحياة والحضارة الإسلامية في اختلاف مدارسها وفي أنها تحترم التنوع داخل هذه الكتلة الحضارية الكبيرة».
كما اعتبر الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، نصيحة أردوغان تدخلا في الشؤون الداخلية للبلاد، لكنه أكد أن هذا لا ينفي احترام الجماعة لمواقفه خاصة تجاه إسرائيل، مؤكدا أن تجارب الدول الأخرى لا تستنسخ، وأن ظروف تركيا تفرض عليها التعامل بمفهوم الدولة العلمانية، أما في مصر فالأمر مختلف.
وقال الدكتور عبد المنعم الشحات، المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية، لـ«الشرق الأوسط»: «دعوة أردوغان للترويج للنظام العلماني التركي غير مرحب بها على الإطلاق، وأي محاولة لاستنساخ الحالة التركية في مصر غير مقبولة». وأكد الشحات أن الحالة التركية تنتقل الآن من العلمانية المتوحشة شديدة العداء للدين ولا تقبله حتى داخل المسجد، إلى درجة علمانية يقولون عنها إنها ليست ضد الدين، لكن في الحقيقة أنها بمعايير الدين الإسلامي أيضا ضد الدين، الذي يقول إن الحكم إلا لله».
واعتبر الشحات أن «الحالة المصرية أفضل بكثير من الحالة التركية في الحالتين السابقتين، وبالتالي لا يجب أن توجه إلينا دعوة في هذا الشأن، خاصة أن مواقف أردوغان نابعة من خلفيته الإسلامية وليست من نظام دولة».
وفي المقابل، قال الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، خلال لقائه أردوغان أمس في القاهرة، إن «تركيا دولة شقيقة من دول الجوار التي مرت بظروف مقاربة للوضع في مصر، وتمتلك الكثير من التجارب في مجال التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي يمكن لمصر الاستفادة منها خاصة بعد التقدم المبهر الذي حققته تركيا في السنوات الماضية».
وزار أمس وفد رفيع المستوى من جماعة الإخوان أردوغان في مقر إقامته، على رأسه المرشد العام الدكتور محمد بديع، والمرشد السابق مهدي عاكف وجمعة أمين والمهندس خيرت الشاطر نائبا المرشد. وطالب وفد الإخوان بضرورة التعاون مع الحكومة المصرية في مختلف المجالات لا سيما مجال الاستثمار لدعم الاقتصاد المصري وتقديم الخبرة التركية للنهوض في هذا المجال نظرا للتقدم الكبير الذي حققته تركيا في قطاع الاقتصاد.
وقال غزلان إن أردوغان شكر وفد الإخوان على مشاعره نحو تركيا وتقديره لمواقفها، وأكد لهم أنه مستبشر بمستقبل مصر بعد الثورة وأن المسؤولين في مصر أكدوا له حرصهم على تحقيق الديمقراطية الكاملة وإجراء انتخابات نزيهة ونقل السلطة إلى المدنيين المنتخبين.
وفي إطار زيارته أيضا لمصر، استقبل أردوغان أمس المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية عمرو موسى. كما قام بزيارة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية حيث التقى قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ورحب شنودة بزيارة أردوغان للكنيسة القبطية للمرة الأولى، معربا عن تقدير مصر للشعب التركي ولشخص أردوغان الذي يحترمه المصريون ويعتبرونه قيادة دولية وزعامة محل تقدير وإعجاب من الجميع.