طنطاوي يدعو الجيش للتأهب.. ووقف تصدير الغاز إلى إسرائيل يثير أزمة

القاهرة تعتبره إجراء تجاريا.. وتل أبيب تعده خطوة خطيرة على اتفاق السلام وتلجأ إلى التحكيم الدولي

صورة ارشيفية بعد تفجير انبوب ينقل الغاز المصري الى الأردن واسرائيل في ابريل (نيسان) الماضي. ويذكر ان الانبوب تعرض للتفجير 14 مرة منذ الثورة المصرية (إ.ب.أ)
TT

تصاعدت حدة التوتر بين القاهرة وتل أبيب، أمس، بعد الإعلان عن وقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل. ورغم أن العاصمتين سعتا إلى تخفيف حدة التوتر من خلال الإعلان أن الخطوة ما هي إلا «وقف مؤقت لتصدير الغاز» وليست «إلغاء للاتفاقية»، لوجود خلافات تجارية وليس لها أي أبعاد سياسة، فإن تصريحات أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قال فيها إن «الخطوة المصرية لا تبشر بخير»، وقبلها أعلن أن «مصر أخطر علينا من إيران»، مطالبا باستعدادات عسكرية، فجّر غضبا مصريا، تبارى خلاله مسؤولون في انتقاد الاتفاقية، وكذا المواقف الإسرائيلية منها.

وأطلق المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري (الحاكم)، تصريحات حادة أمس، طالبا من الجيش المصري أن يكون جاهزا على الدوام لحماية حدود مصر، ومحذرا بكسر قدم أي معتدٍ. ورغم أن طنطاوي لم يذكر إسرائيل تحديدا، فإن تزامن التصريحات مع تصاعد الأزمة بشأن تصدير الغاز فسّر بأنه رسالة إلى تل أبيب.

وقال طنطاوي في كلمة أثناء تفقده للمرحلة الرئيسية للمناورة التكتيكية بالذخيرة الحية (نصر 7) التي تجرى في سيناء، إن حدود مصر ملتهبة بصفة مستمرة، وإن مصر لا تعتدي على أحد من البلاد المحيطة بها، بل تدافع عن حدودها، مشددا: «إذا اقترب أحد من حدود مصر، سنكسر قدمه، لذلك يجب على قواتنا أن تكون في حالة جاهزية مستمرة».

لكن الرد على ليبرمان جاء مباشرة على لسان اللواء أركان حرب محمد فريد حجازي قائد الجيش الثاني الميداني المصري، الذي أوضح أن القوات المسلحة المصرية في سيناء قادرة تماما على تأمينها ضد أي عدوان أو فرد أو جهة تسول لها نفسها الاعتداء عليها، مؤكدا أن خطة التدريب والعمليات الموجودة حاليا لدى القوات المسلحة قادرة على تأمين سيناء.

وقال اللواء حجازي في تصريحات له أمس إن القوات المسلحة تتدرب وباستمرار تحسبا واستعدادا لأي مواقف، مضيفا: «إن التدريبات المستمرة هي رسالة واضحة للجميع لكي يتذكروا ويعيدوا حساباتهم قبل التفكير في الاعتداء على أية بقعة من أرض مصر»، مؤكدا أن «المقاتل المصري يؤمن الحدود الشرقية للبلاد»، وتابع حجازي: «إننا لا نستأذن أحدا في اتخاذ أي قرار أو إجراءات تؤمّن الأمن القومي المصري»، ودلل على ذلك بأن القوات المسلحة قامت بدفع المزيد من عناصرها لتأمين مدينة العريش دون استئذان أحد.

وكان قرار الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية بإلغاء اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل الذي أعلن عنه مساء الأحد أثار ردود أفعال غاضبة في إسرائيل، منها تصريحات لوزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الذي اعتبر أن إقدام مصر على إلغاء اتفاق الغاز مع إسرائيل، بطريقة أحادية الجانب، مؤشر لا يبشر بالخير، موضحا أن هذا الاتفاق هو اتفاق تجاري هام يشكل دليلا على العلاقات المستقرة بين البلدين، لكن تقارير إعلامية أفادت بأن ليبرمان بعث مؤخرا بوثيقة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي أخطره فيها أن مصر أخطر على إسرائيل من إيران بسبب الثورة المصرية وتغيير نظام الحكم، وأنه «يجب حشد المزيد من قوات الجيش الإسرائيلي عند الحدود معها»، وهو ما استدعى تكليف وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو لسفير مصر لدى إسرائيل بالاستفسار من الحكومة الإسرائيلية حول التصريحات المنسوبة إلى ليبرمان.

وأكد عبد الله غراب، وزير البترول والثروة المعدنية المصري، أن الإجراء الذي تم بشأن عقد تصدير الغاز المصري لإسرائيل هو إجراء لا يخرج عن كونه خلافا تجاريا ولا تحكمه أية اعتبارات سياسية، مشددا على أنه لا يعكس أي توجهات من قبل الدولة. وأشارت تقارير إعلامية إلى أن مبعوثين إسرائيليين زارا القاهرة لمدة قصيرة، استغرقت عدة ساعات، والتقيا عددا من المسؤولين المصريين لبحث تداعيات وقف الغاز المصري لإسرائيل وتأثير ذلك القرار على مستقبل العلاقات بين البلدين.

من جانبها قالت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، فايزة أبو النجا، إن الحكومة المصرية مستعدة لإعادة تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار جديدة وفق عقد جديد وشروط جديدة، وأشارت أبو النجا في تصريحات لها أمس إلى أن مسألة وقف تصدير الغاز تتعلق بخلل في الالتزامات المالية المنصوص عليها في الاتفاقية بين القاهرة وتل أبيب، وأن آخر إخطار للسداد 31 مارس (آذار) الماضي ولم يلتزم الجانب الإسرائيلي بالسداد منذ ذلك الحين، مما اعتبر معه العقد مفسوخا من تلقاء نفسه.

لكن إسرائيل بدأت أولى خطواتها التصعيدية ضد مصر بالإعلان رسميا باللجوء إلى التحكيم الدولي، وأعلنت شركة الكهرباء الإسرائيلية أنها بدأت عملية تحكيم دولية مع شركة غاز البحر المتوسط، لتعويضها عن أي خسائر قد تلحق بها نتيجة إلغاء الاتفاق لتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، وهو ما ردت عليه أبو النجا قائلة: «الجانب الإسرائيلي هو المخطئ ولا يحق له اللجوء إلى التحكيم الدولي بعد فسخ عقد تصدير الغاز له»، موضحة أن وزارة البترول والحكومة ليس لهما دخل، وهذا عقد تجاري بين شركتين وتم إخطارهم 5 مرات لعدم السداد ولم يستجيبوا.

وبينما يقول مسؤولون مصريون إن ملف إلغاء اتفاقية الغاز تجاري بحت وليس به اعتبارات سياسية، يعتقد مراقبون أن القرار لا بد أن يكون مر عبر المجلس العسكري، مشددين أن العسكري وافق ضمنيا على القرار لتهدئة الرأي العام.

وقال مسؤول مصري رفيع المستوى في وزارة الخارجة المصرية، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه: «هناك منظومة متكاملة لاتخاذ القرار في مصر، وهناك مستويات مختلفة لاتخاذ القرار، وكل مسؤول هناك من هو أعلى منه لاستشارته»، وتابع الدبلوماسي المصري: «ما يحدث هو نزاع ذو وجهين، تجاري وقانوني، ولا نريد أن نضيف إليهما وجها سياسيا حتى لا تكون الأزمة أكثر قلقا وإزعاجا لكل الأطراف».

ويعتقد المسؤول المصري أن الأزمة يمكن أن تؤثر على العلاقات المصرية الإسرائيلية وفي القلب منها معاهدة السلام بين البلدين، قائلا: «لا يمكن جرح العلاقات الاقتصادية دون إثارة التساؤلات حول الالتزام بالاتفاقيات الدولية». وأكد الخبير الاستراتيجي، اللواء عبد المنعم كاطو، أن من مصلحة مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية الإبقاء على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وقال كاطو لـ«الشرق الأوسط»: «الاتفاقية لا علاقة لها باتفاقية تصدير الغاز، والتصريحات الإسرائيلية شيء تعودنا عليه»، وتابع كاطو: «على إسرائيل أن تعلم أن المساس باتفاقية كامب ديفيد ليس له معنى سوى إعلان الحرب، وإسرائيل لا تريد حربا.. كما أن الولايات المتحدة أيضا لا ترغب في إعلان حرب جديدة في المنطقة في ظل توتر العلاقات مع إيران، بل ترغب في تحقيق الاستقرار»، وشدد كاطو على أن ما حدث في اتفاقية الغاز هو خلاف مالي وإداري لا علاقة له بالسياسة كما يحاول البعض تصور ذلك.

وكان مسؤولون إسرائيليون قالوا في وقت سابق إن إنهاء اتفاق تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل لا يشير إلى وجود أزمة في العلاقات بين البلدين، بل هي جزء من نزاع بين شركة خاصة وشركة حكومية مصرية. وأصدرت الحكومة الإسرائيلية بيانا مهدئا، أكدت فيه أنها توصلت إلى تفاهم مع القيادة المصرية في الموضوع، وقالت إنه بعد الفحص مع القاهرة تبين أن المصريين لم يبطلوا اتفاقية البيع، بل أوقفوها بشكل مؤقت، ولم يتخذوا قرارا سياسيا بهذا الشأن لأن مصر تتمسك باتفاقية السلام، وأن كل الأمر هو خلاف تجاري بين السلطات المصرية وبين الشركة الإسرائيلية التي لم تدفع التزاماتها.

قال البيان الإسرائيلي إن الخلاف نشب بين الطرفين في أعقاب تفجير أنبوب الغاز، الذي يتم عبره نقل الغاز إلى إسرائيل، 14 مرة خلال السنة الأخيرة. فقد طلبت الشركة تعويضات من الحكومة المصرية، بينما طلبت الحكومة المصرية أن ترفع سعر هذا الغاز. وقد ماطلت الشركة الإسرائيلية في إعطاء جواب حول رفع السعر. ثم توجهت إلى محكمة دولية ضد الحكومة المصرية، تشكو من أضرار جسيمة لحقت بها وتهدد كيانها في البورصة الإسرائيلية بسبب تفجير الأنبوب وتوقف ضخ الغاز إلى إسرائيل. وقد ردت الحكومة المصرية على التوجه إلى المحكمة بقرار تجميد الاتفاق، لا إلغائه.

وحسب مصدر سياسي في تل أبيب فإن السلطات المصرية أوضحت لإسرائيل أن هذا القرار لا ينطوي على تغيير موقف من اتفاقية السلام بين البلدين قطعيا، وأن تسوية الخلاف في المحكمة سيعيد الأمور إلى نصابها في هذا الموضوع. ولمح هذا المصدر إلى أن إدارة الشركة الإسرائيلية هي التي بادرت إلى تضخيم النشر حول القرار المصري وإعطائه صبغة سياسية، وذلك لخدمة مصالحها الذاتية. فالشركة متورطة في ديون كثيرة، ولا تستطيع صرف السندات التي باعتها للمواطنين الإسرائيليين في البورصة، وتفتش عن وسيلة لتخفيف الضغوط عنها.

وأضاف هذا المصدر أن الغاز المصري مقطوع عن إسرائيل منذ تفجير الأنابيب أول مرة قبل سنة، وعليه فإن إسرائيل استعدت لوضع تعيش فيه من دون هذا الغاز، وأنها كانت ستتخلص من حاجتها إلى الغاز المصري في شهر أبريل (نيسان) من العام المقبل، حيث سيبدأ إنتاج الغاز الإسرائيلي من الآبار التي اكتشفت في أعماق المياه التجارية الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط. وكما قال وزير الطاقة النفطية الإسرائيلي، عوزي لانداو، أمس، فإن الحكومة الإسرائيلية تأمل أن يتدفق الغاز الإسرائيلي قبل الموعد المحدد.

وكان النشر، في الليلة قبل الماضية، عن «إلغاء اتفاقية بيع الغاز المصري»، قد أثار موجة من الهلع في إسرائيل لعدة ساعات قبل إعلان التهدئة الحكومي. وحتى الوزراء الإسرائيليون المعنيون، مثل وزير الطاقة لانداو، ووزير المالية يوفال شتاينتس، خرجوا بتصريحات هجومية ضد مصر واعتبروا القرار «ذا طابع سياسي خطير». وقال شتاينتس إن القرار يشكل ضربة كاسحة لاتفاقية السلام بين البلدين. وطالب نائب في اليمين المتطرف بإعادة احتلال سيناء والسيطرة على آبار الغاز.

وقال رئيس حزب كاديما المعارض، شاؤول موفاز، إن القرار المصري يشير إلى تدهور غير مسبوق في العلاقات، وخرق صارخ لاتفاقية السلام، وخطوة من طرف واحد تستوجب ردا أميركيا فوريا، بصفتهم الضامنين لاتفاقية كامب ديفيد.