وادي الحجير يحافظ على سمعته كمقبرة للغزاة في جنوب لبنان

بانتظار تصنيفه محمية بيئية

TT

تحول وادي الحجير في القطاع الاوسط من الجنوب اللبناني الى مقبرة لدبابات الميركافا الاسرائيلية، وأفشل آخر محاولات وصول الجيش الاسرائيلي الى نهر الليطاني، رغم اعلان قيادة هذا الجيش عن قيامه بأضخم إنزال في تاريخه في الوادي لتسجيل انتصار كبير قبل الالتزام بوقف العمليات العسكرية بموجب القرار 1701. فقد ذكرت معظم المصادر أن أكثر من 40 دبابة وجرافة دمرت منذ صباح السبت الماضي حتى صباح الاثنين. كما قتل أكثر من 20 جنديا اسرائيليا وجرح أكثر من مائة وعشرة جنود. والوادي يقع وسط مجموعة من القرى تشكل مثلثا يقود اليه، بينها القنطرة والطيبة والغندورية وتولين وشقرا، والقعقعية التي يربط جسرها طريق مدينة النبطية بقضاء بنت جبيل. وبالطبع قصف الاسرائيليون هذا الجسر مرارا وتكرار ليتمكنوا من عزل المقاتلين المتمركزين في الوادي عن بقية المناطق والحؤول دون وصول الامدادات اليهم.

لكن حساب حقل الاسرائيليين لم ينطبق على حساب الوادي الذي حمل عبر التاريخ اسما على مسمى وهو «وادي الموت». فهذا المكان الذي يتميز بطبيعته الغنية وتضاريسه الوعرة واحراجه الكثيفة وتنوعه البيولوجي النادر، ما استوجب في العام 2000 رفع مشروع الى وزارة البيئة اللبنانية لتصنيفه محمية طبيعية، اشتهر بوظيفة استراتيجية ألغت وظيفته الجمالية وحولته معقلا للمقاومة على امتداد تاريخ جبل عامل. دوره لم يبدأ مع الاحتلالات الاسرائيلية المتتالية، ولطالما استخدمه زعماء المنطقة للايقاع بالاعداء، حيث يسهل التربص بهم والقضاء عليهم اذا عبروا مجاهله. ولعل أهميته تكمن في قدرته على اعاقة الجيوش النظامية وإلغاء مفعول التقنيات المتطورة والاستخفاف بقدرات طائرات الاستطلاع التي تعجز عن سبر غوره لمراقبة تحركات المقاتلين فيه. لذا كان دائما ملجأ الفارين من السلطة على امتداد العصور، لا سيما في العهد العثماني، وتحديدا عندما كان أحمد باشا الجزار واليا على المنطقة في سبعينات القرن الثامن عشر. آنذاك احتل الجزار جبل عامل عنوة واكتسحته قواته وأحرقت قراه وهدمت مدنه ولوحق علماؤه وألقي القبض على عدد كبير منهم، كما أعدم بعضهم. آنذاك تداعى أهالي جبل عامل وأجمعوا على الكفاح وشكلوا فرقا كانت تسمى «العصابات» دأب أفرادها على التغلغل في بطون الاودية وشن الغارات. وشكل وادي الحجير أهم معاقلهم. إلا أن السمعة الأشهر للوادي ترتبط بتاريخ 24 ابريل (نيسان) 1920. آنذاك استضاف رأس نبع الحجير في عمق تضاريسه مؤتمرا للقائد الجنوبي والعالم الديني عبد الحسين شرف الدين والمرجع الشيعي المعروف الشيخ محسن الامين وأعيان جبل عامل لتقرير مصيرهم في تلك الفترة الحرجة من عهد الانتداب الفرنسي على لبنان، حيث رفضوا العرض الفرنسي بإقامة دولة شيعية وبايعوا الملك فيصل الاول الذي كان قد أعلن الحرب على الفرنسيين في مارس (آذار) العام 1920 بعد اتفاقية «سان ريمو»، ودعوا الى النضال ضد الاحتلال الفرنسي من خيمة في الوادي. وفي الوادي نصب تذكاري لشهداء حركة أمل، فقد خاض مقاتلو الحركة معارك ضارية ضد الاحتلال الاسرائيلي، وسقط عدد كبير من هؤلاء المقاتلين خلالها. الكفاح الفلسطيني لم يوفر بدوره وادي الحجير، فاعتمده المقاتلون مقرا وممرا. ويحكى أن الرئيس الراحل ياسر عرفات عبر منه الى لبنان في ستينات القرن الماضي مع بطاقة تعرف عنه بأنه رقيب في الجيش المصري.