إسرائيل تقيم لجنة قضائية مكبلة اليدين للتحقيق في اتهامها بارتكاب جرائم حرب

الفلسطينيون يقدمون للأمم المتحدة ردين منفصلين على تقرير غولدستون

TT

قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تعيين لجنة قضائية مكبلة اليدين، للتحقيق في الاتهامات الواردة في تقرير لجنة غولدستون التي تشير إلى أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب خلال الحرب العدوانية الأخيرة في قطاع غزة.

وجاء هذا القرار بعد سلسلة أبحاث مكثفة بدأت الليلة قبل الأخيرة، واستمرت حتى ساعات الفجر ثم استؤنفت صباح أمس واستمرت لعدة ساعات. ويأتي القرار بعد أن كان نتنياهو حائرا ما بين رأي رجال القانون والسياسيين اللبراليين من جهة، وبين رأي المؤسسة العسكرية ووزارة الدفاع وسياسيي اليمين واليمين المتطرف من جهة أخرى، واتخذ قراره في النهاية كحل وسط بين الرأيين. فوافق على لجنة تحقيق، كما يريد رجال القانون، ولكنه جعلها لجنة بلا أسنان، مكبلة الأيدي، لا تستطيع التحقيق مع ضباط ميدانيين.

المعروف أن لجنة غولدستون، التي سميت على اسم رئيسها القاضي اليهودي الصهيوني المعروف، أصدرت تقريرها قبل 6 شهور، وفيه أدانت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ومنحت الحكومة الإسرائيلية مهلة 3 شهور لإقامة لجنة تحقيق و3 شهور أخرى لتقديم نتائج هذا التحقيق في 54 ملفا. وجاء في تقرير اللجنة أن جرائم الحرب الإسرائيلية تمثلت في عمليات قتل جماعية شملت أكثر من1400 مواطن، غالبيتهم من الأبراياء الذين لم يشاركوا في أي عمل مسلح، وبينهم 15 فلسطينيا قتلوا وهم يؤدون الصلاة داخل مسجد، ودمرت بشكل أعمى بيوت عديدة ومدارس ومصانع ومحطات شرطة وآبار لمياه الشرب وعدد من المباني الجماهيرية، واستخدمت أسلحة محظورة مثل القنابل الفوسفورية، ومارست سياسة عقوبات جماعية عن طريق فرض الحصار الشامل بشكل متعمد، وسلبت الفلسطينيين حقوق الإنسان الأساسية مثل حق العمل والسكن والتنقل وحتى شرب الماء، وتسببت في صدمات نفسية لنحو 30% من أطفال غزة.

وكان رد إسرائيل على هذه الاتهامات حادا وعنيفا، لدرجة أنها اتهمت غولدستون بأنه «لا سامي» و«معاديا لشعبه ولنفسه»، مع العلم بأن تاريخه زاخر بخدمة إسرائيل والحركة الصهيونية وأنه كان قد تطوع للخدمة في إسرائيل أيام شبابه. ومن جهته رد غولدستون بأن تقريره نزيه وموضوعي وهدفه تخليص إسرائيل من عاداتها الحربية السيئة التي لا تلائم الشعب اليهودي، الذي عانى لمئات السنين من الاضطهاد في العالم. ومن جهتهم قدم الفلسطينيون ردّين منفصلين، حول اتهامات الأمم المتحدة بارتكاب مسلحين فلسطينيين في غزة جرائم حرب خلال العدوان الذي شنته إسرائيل على القطاع العام الماضي. وسلمت السلطة تقريرها الأولي للأمم المتحدة من خلال المراقب الدائم لفلسطين هناك السفير رياض منصور، وبعث رئيس الوزراء سلام فياض رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مع مرفقات تحتوي على المرسوم الرئاسي بتشكيل لجنة مستقلة لمتابعة تنفيذ ما جاء في قرار الجمعية العامة (64/10) حول تقرير غولدستون، وكذلك التقرير الأولي الذي أعدته اللجنة المستقلة، وفق مذكرة الأمم المتحدة بهذا الشأن.

وقالت السلطة: إنها بهذا التزمت بما هو مطلوب منها في الوقت المحدد وفق قرار الجمعية العامة الذي نص على إجراء الجهات المعنية تحقيقا في التهم المنسوبة إليها في غضون 3 أشهر من صدور تقرير غولدستون (أي هذا الشهر).

وقال منصور: إنه سلم فيجاي نامبيار كبير موظفي بان، رسالة فياض ووثائق أخرى بشأن لجنة من 5 قضاة وخبراء، شكلت للتحقيق في اتهامات غولدستون. وأردف قائلا للصحافيين: إنه سيكون «تحقيقا مستقلا وموثوقا به جدا». لكن حماس، بعيدا عما يعتقده منصور، قدمت للأمم المتحدة تقريرا مؤلفا من 52 صفحة بشأن حرب غزة. ورفضت اتهامات بارتكاب جرائم حرب ولكنها أقرت أن ثلاثة مدنيين إسرائيليين قتلوا في هجمات صاروخية شنها أعضاؤها أثناء الحرب، «بطريق الخطأ».

وهاجم أمس وزير الشؤون الدينية في السلطة الفلسطينية، محمود الهباش، حماس لرفضها التعاون مع السلطة في مسألة التحقيقات. وكانت السلطة حاولت إقناع حماس عن طريق جامعة الدول العربية، لكن الحركة رفضت.

وقال الهباش: «إن تقرير غولدستون أصبح وثيقة من وثائق الأمم المتحدة وأقر بفضل جهود السلطة ويحتاج المتابعة للانتصار لدماء الضحايا، وأي عرقلة من طرف فلسطيني لمتابعة التقرير يصب في مصلحة إسرائيل».

وأضاف «يجب أن يكون هناك موقف فلسطيني واحد وليس موقفين، ومطلوب من حماس أن تتعامل مع السلطة أكثر وتغلب المصلحة العامة على الحزبية، وآن الأوان للتخلي عن الاعتبارات التافهة والصغيرة التي تشوه موقفنا، وبالذات في هذه القضية التي يجب ألا تكون محل خلاف بيننا».

وكان عضو المجلس التشريعي عن حركة حماس يحيى موسى، قال: إن السلطة الفلسطينية «غير مؤهلة» لإجراء تحقيقات، وأنها «خذلت الشعب الفلسطيني وتخذله الآن عندما توجه الاتهامات جزافا لحركة حماس».

ورد الهباش: «إن منطق التخوين والتكفير عفا عليه الزمن ومطلوب من حماس موقف أكثر وطنية ومصداقية للتعاون مع هذه القضية لنذهب لمجلس الأمن بموقف موحد مشيرا إلى أن التشبث بنفس الأكليشيهات التخوينية والتكفير والحديث العدمي أصبح منطقا غير مقبول لدى شعبنا».

وأكد الهباش أن «السلطة ستواصل طريقها، وواصلت طريقها عندما شن الكثيرون الهجوم عليها عند تأجيل التقرير من المجموعة العربية والإسلامية، ولكنها واصلت طريقها بحكمة وانتصرت وأقرت التقرير ورفع التقرير الآن للأمين العام، وسنواصل جهودنا ولن نلتفت إلى معارضة حماس ولا معارضة إسرائيل ولن تثنينا المعارضة عن مواصلة طريقنا من أجل إقرار التقرير ومعاقبة الجناة الإسرائيليين».