تجربة السعودية في مكافحة الإرهاب: كتاب يستند إلى وثائق حكومية سرية وتجربة ميدانية لـ8 أعوام

السفير عسيري لـ «الشرق الأوسط»: التجربة السعودية مثال للتطبيق في محاربة الإرهاب

علي بن عواض عسيري (أ.ب)
TT

يسعى السفير السعودي في لبنان علي بن عواض عسيري إلى «تصحيح المفاهيم الخاطئة» في الغرب، وفك الارتباط بين الإسلام والإرهاب في القاموس الغربي، عبر كتاب يوثق فيه التجربة السعودية الناجحة في الحرب ضد الإرهاب وفقا لمقاربة «القفازات الناعمة»، والذي استقى معلوماته من أرشيف وزارة الداخلية السعودية ووثائقها السرية، بالإضافة إلى خلاصة تجربته في حماية أمن السفارات السعودية حول العالم ومن موقع السفير السعودي في باكستان، الذي عاصر من خلاله لثماني سنوات الحرب الأميركية ضد الإرهاب، قبل أن ينتقل إلى بيروت العام الماضي.

ويوضح عسيري لـ«الشرق الأوسط» أن كتابه يتضمن «الكثير من المراجع القيمة لكتّاب غربيين، إضافة إلى وزارة الداخلية السعودية التي تسلط الضوء على الاستراتيجية التي اعتمدتها حكومة المملكة في مكافحة آفة الإرهاب، إضافة إلى الحقائق التي اكتسبتها من خلال التجارب والخبرة أثناء وجودي في قلب الحدث (باكستان - أفغانستان) منذ أحداث سبتمبر (أيلول) حتى منتصف عام 2009».

يلخص عسيري في كتابه الذي يحمل عنوان «مكافحة الإرهاب: دور السعودية في الحرب على الإرهاب» الاستراتيجية التي اتبعتها المملكة العربية السعودية في محاربة الإرهاب، لينطلق إلى التأكيد على مسألتين ثابتتين في الحرب العالمية ضد هذه الآفة الخطرة، أولاهما أن الحرب يجب أن تخاض من قبل أصحاب الدار لا من قبل الخارج، والثانية أن الحرب ليست بالسلاح والقوة فقط، بل بالتنمية والتوعية. ويقول عسيري في مقدمة كتابه «لقد أدركت أن الإرهاب ظاهرة لا يمكن للعالم أن يتجاهلها.. إنها معركة استمالة قلوب وعقول الناس - أي منفذي الأعمال الإرهابية وأولئك الذين يعانون نتيجة تنفيذ العمل الإرهابي». ويقول «لقد وضعت المملكة العربية السعودية خطة علمية وعملية متكاملة في سعيها إلى مكافحة الإرهاب تقوم على: الإجراءات الوقائية، وتتضمن جمع المعلومات والمراقبة المستمرة، ومنع استغلال الدين، وتجفيف منابع التمويل، وخطط إعلامية فعالة لتصحيح المفاهيم الخاطئة للشباب الذين غرر بهم.. والإجراءات العلاجية، أي التعامل المباشر مع الإرهابيين وضربهم أو اعتقالهم.. والإجراءات ما بعد العلاجية، وتهدف إلى إعادة تأهيل المضللين الذين يتم القبض عليهم عبر لجان المناصحة التي يتولاها نخبة من علماء الدين النيرين من المملكة وعبر برنامج علمي اجتماعي نفسي يتولاه أيضا نخبة من الإخصائيين السعوديين المؤهلين، وذلك لتحرير عقولهم من الأفكار المنحرفة ومن ثم إعطائهم فرصة جديدة للانخراط في المجتمع وتمكينهم من العمل والعيش الكريم». ويشدد عسيري على أن مكافحة الإرهاب «تعتمد بشكل كبير على إمكانيات وقدرات الدول التي تعاني من هذه الظاهرة وقوانينها، لأن مكافحة الإرهاب هي عبارة عن مسيرة طويلة قد تأخذ وقتا طويلا لأنها عبارة عن برنامج».. مشيرا في هذا الإطار إلى نقطتين مهمتين وهما «دور العلماء النيرين في اعتماد خطاب ديني منفتح بعيد عن التشنج ويضيء على النقاط الإيجابية في ديننا الحنيف ويشرح رسالة هذا الدين بصورته الحقيقية المشرفة»، و«دور الإعلام الذي عليه أن يلاقي دور رجال الدين ويؤدي دورا تثقيفيا»، مضيفا إليهما «نقطة أخرى على قدر كبير من الأهمية وهي العناية بالأوضاع الاجتماعية وتأمين الحياة الكريمة وفرص العمل ودفع عجلة التنمية وإجراء الإصلاحات المطلوبة واللازمة، لأن أي خلل في هذه الأمور يفتح ثغرة كبيرة لنفاذ الفكر المضلل إلى عقول الشباب».

ويورد السفير عسيري عرضا مفصلا للاستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب المبنية على ثلاثة أسس: الوقاية، والعلاج، والرعاية التي تستهدف إعادة دمج الشباب الذين وقعوا تحت تأثير أصحاب العقول المنحرفة في المجتمع بعد عملية إعادة تأهيل، من دون إغفال ضرورة تصحيح المفاهيم الخاطئة التي يروج لها هؤلاء. ويتحدث عن دور المملكة في محاربة الإرهاب والتجربة الرائدة التي قامت بها في هذه المواجهة، معتبرا أن هذه التجربة قد نجحت، لأنه من عام 2004 إلى 2009 لم تكن هناك أحداث بارزة، وقد تم كشف الكثير من الشبكات من خلال الإجراءات الوقائية، ويقول «الأسلوب الحضاري الذي استخدمته المملكة في إعادة التأهيل أثبت واقعيته، لأن الفكر الضال لن يعالجه إلا الفكر النير، وبالتالي هذه تعود إلى أن القوة ليست كل شيء، القوة لن تقضي على الإرهاب. ما هو مطلوب هو معالجة العقول، معالجة الثقافة الخاطئة، ومعالجة الفكر الضال والخاطئ، وهذا أكثر فعالية من القوة، فالقوة تبقى خيارا وليست هي الحل. موضحا أن «المملكة استخدمت كل الأساليب لمعالجة هذه الظاهرة سواء في ما يتعلق بتنظيم الأمور المالية، أو بالجهد الإعلامي من خلال العلماء النيرين في المساجد وفي أي تجمعات دينية، أضف إلى ذلك أن خادم الحرمين الشريفين بذل جهدا كبيرا على صعيد حوار الأديان، وحوار الحضارات، وهذا مهم جدا. فالمشكلة اليوم تتمثل في جهل الكثير من الأمور الدينية خصوصا بالنسبة للعالم الغربي، وعن الدين الإسلامي بالتحديد، وهذا للأسف أظهر الإسلام بصورة غير حقيقية، وقد حاولت ومن خلال مضمون هذا الكتاب أن أبين أن الإسلام بريء من الإرهاب، فالإرهاب ظاهرة وجدت في جميع الأديان وعلاجها واجب جماعي ودولي ويجب أن تتخذ الإجراءات بشكل تنسيقي بين جميع الدول لمكافحة الإرهاب».

ويقول عسيري إنه أراد من وراء هذا الكتاب الوصول إلى هدفين.. الأول هو تصحيح المفاهيم والصورة الخاطئة التي ألصقت بالدين الإسلامي خاصة في الغرب وإظهاره كأنه دين إرهابي فيما هو براء من هذه التهمة، فهو دين يدعو إلى التسامح والحوار، مثبتا بالمراجع أن جميع الأديان عانت من هذه الظاهرة، وأنه لا علاقة لأي دين بالإرهاب بل إن الإرهاب لا دين له. والثاني هو كشف النقاب عن جذور الإرهاب وأسبابه والظروف التي تؤدي له ومن ثم تقديم الحلول لهذه المشكلات بطريقة علمية تسير على خطين: خط يسترد الفئة التي ضلت، وخط يحمي من الوقوع في الضلال.

وفي كتابه الصادر باللغة الإنجليزية عن دار «أكسفورد» للنشر، يتحدث عسيري عن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب، التي تحد من فاعلية جهود مكافحة الإرهاب، بسبب خطأ الخلط بين الإرهاب والدين، أو الاعتقاد أن غاية الإرهاب هي فرض مفهوم ديني على الآخر، في حين أن الإرهابيين فئة منحرفة تتخذ الدين مطية لنزعات إجرامية أو سياسية. ويؤكد عسيري أن النشر باللغة الإنجليزية «ليس انتقاصا من اللغة العربية، ولكن الغاية الأساسية من الكتاب التوجه إلى القارئ الغربي الذي تأثر سلبا بأحداث 11 سبتمبر 2001 تجاه العالم الإسلامي والمسلمين، وعامل اللغة أساسي في هذا المجال لأنه من الأفضل أن نتوجه للرأي العام الغربي بلغته وأسلوبه لمناقشته وإفهامه حقيقة الأمور». كاشفا عن اتفاق مع مطابع جامعة أكسفورد بأن تتولى مهمة الترجمة إلى اللغات الأخرى، مشيرا إلى أن الناشر أبلغه بأن الكتاب يطلب كثيرا في الغرب، وأنهم بدأوا بإعداد الطبعة الثالثة في 4 يناير (كانون الثاني) الماضي.

عاد عسيري في التاريخ أكثر من 2000 سنة بحثا عن مراجع، وراجع الكثير من المراجع الحديثة، وطالع كل المراجع لكل الديانات ليجد أن «كل دين عانى من الإرهاب، فكانت النتيجة أنه ما دام الإرهاب وجد في كل الأديان، فإنه لا دين للإرهاب. كما لا يوجد دين في الدنيا يعلم قتل الأبرياء وإتلاف الأملاك والأرواح، وقد تحدثت بإسهاب عن هذا الشيء. فالإرهاب ظاهرة موجودة في كل المجتمعات عبر كل العصور». ويعرض في كتابه لظاهرة الإرهاب عبر التاريخ منذ استخدم التعبير في أعقاب الثورة الفرنسية لتصفية معارضين سياسيين، مرورا بما عرف بحركات التحرر في أميركا اللاتينية وأعمال التطهير العرقي في البلقان، وصولا إلى 11 سبتمبر 2001 وما تلاها من غزو للعراق وأفغانستان. مؤكدا استنادا إلى تجربته وتخصصه أنه لا دواء واحدا لداء الإرهاب، وأن لكل مجتمع خصائصه التي يجب النظر إليها خلال تحليل المشكلة ومعالجتها.

ويخلص عسيري في كتابه إلى أن الإرهاب ظاهرة معقدة علاجها يقع على عاتق المجتمعات والحكومات، منفردة ومجتمعة، بعد تحليل أسباب الظاهرة بشكل مفصل، ووضعها في إطارها الصحيح وفي سياقها المناسب، مع الابتعاد عن التعميم والتبسيط. معتبرا أنها ظاهرة قد تستمر بعض الأوقات، لا يمكن إهمالها ولا تصور الانتهاء منها سريعا، لكن من الضروري البدء في مكان ما وعلى أسس صحيحة.

وهل من إمكانية لنجاح الحرب ضد الإرهاب؟ يجيب «السباق بين الخير والشر قائم في العالم منذ زمن بعيد، وظاهرة الإرهاب ليست جديدة فهي موجودة منذ مئات السنين ولكن بأساليب أخرى. وما يجري اليوم أن العقل الإرهابي يتطور باستعمال تقنيات العصر الحديث، وفي المقابل فإن أساليب مكافحة الإرهاب تتطور للحد قدر الإمكان من انفلات هذه الظاهرة. وبصورة موضوعية أعتقد أن المجتمع الدولي لن يستطيع القضاء على الإرهاب في القريب العاجل، وعليه أن يعدل أساليب مكافحته لهذه الظاهرة ويعتمد استراتيجية جديدة تراعي خصوصية كل بلد وكل شعب وتعمل وفق مبدأ أن يكون الحل قد وجد لهذا البلد وهذا الشعب من الداخل لا أن يتم فرض حلول من الخارج قد تزيد الأمر سوءا. ومن خبرتي المتواضعة التي اكتسبتها في باكستان ونتيجة متابعتي ودراستي عن قرب لأسباب ظهور الإرهاب أعتقد أن الحل الأمثل لمشكلة الإرهاب في أي دولة يتطلب الآتي: أهمية أن تترك مسؤولية مكافحة الإرهاب للدول التي تعاني منه، وأن تنحصر مهمة المجتمع الدولي في الدعم المادي والمعنوي واللوجيستي للدول التي تعاني من ظاهرة الإرهاب وفق آلية عملية وشفافية يضمن من خلالها تحقيق الهدف المنشود من ذلك الدعم وتأثيره على مكافحة الإرهاب والتطرف والغلو. وعدم إغفال أهمية التركيبة القبلية والثقافية والاجتماعية التي تمثل عاملا مهما في الحياة اليومية لتلك المجتمعات، وهنا تأتي أهمية التعاون مع مشايخ القبائل وعلماء الدين النيرين وإشراكهم في نشر التوعية وتلبية طلباتهم من مشاريع تنموية تؤمن فرص عمل ونشر الخطاب الديني السليم وإطلاق خطة إصلاحية شاملة تخلق الوظائف في المؤسسات العامة وكل المؤسسات. وإنشاء مدارس دينية جديدة توفر بديلا أفضل للمدارس الحالية دون التحرش في النظام المدرسي الحالي أو خلق شعور بإهمال الجانب الديني، بل يجب أن يطلق على المدارس الجديدة الاسم نفسه مع تحسين المنهج وتوفير مدرسين أكفاء، وهذه المدارس يديرها أشخاص مؤهلون نيرون، وتوفر ليس فقط تعليم المواد الدينية ولكن كل المواد العلمية الأخرى من رياضيات وعلوم كومبيوتر ورياضة، وتقدم حوافز للطلاب المنتسبين إليها كمساعدات مادية وعينية. وهذه المدارس من شأنها خلق جيل جديد منفتح يأخذ مكان الجيل الذي تأثر سلبا بالأسلوب المتبع أو بالمنهجية الأحادية التي اتبعت في تلك المدارس. وكما أن هذه الافكار تصلح للبلدان التي تتكون من تركيبة قبلية لأنها تحاكي الواقع فيجب أن نستنبط أفكارا خاصة لكل دولة انطلاقا من واقعها المحلي لأن أهل البلد هم أدرى بمشاكلهم وطبيعة شعبهم، إضافة إلى أن هناك تأثيرا خاصا للدين ولعامل اللغة والتقاليد.

ويصل إلى استنتاج مفاده أن القوة ليست هي الحل، بل تبقى أحد الخيارات لمكافحة الإرهاب، وليست الخيار الوحيد لذلك، كما أن التدخل الأجنبي المباشر وفرض الحلول الخارجية قد يضر أكثر مما قد يخدم، وفي هذا المجال أشير إلى نجاح إندونيسيا في الحد كثيرا من ظاهرة الإرهاب بعدما طبقت روح الاستراتيجية السعودية واستفادت من العلماء النيرين، وسخرت وسائل إعلامها لتصحيح ما أخل به البعض في الخطاب الديني.